فان غوخ... مونمارتر مثلما كان

فان غوخ... مونمارتر مثلما كان

04 مارس 2021
مقطع من "مشهد من شارع في مونمارتر"
+ الخط -

خفّت منذ سنوات تلك الضجّات الإعلامية الكبرى حول اكتشاف لوحة لأحد مشاهير الفنّ في القرنين التاسع عشر والعشرين، ليس فقط بسبب تقلّص عدد الأعمال المجهولة، ولكنْ أيضاً لفقدان الكثير من المصداقية في سوق الفنّ. رغم ذلك، يمكن أن نعتبر الإعلان عن لوحة لم تُعرض من قبْل للفنّان الهولندي فينسنت فان غوخ (1853 - 1890) حدَثاً نجح، منذ أيام، في شغْل وسائل الإعلام ومتابعي الفنون التشكيلية كما لم يفعل حدثٌ مشابه منذ سنوات.

لا يتعلّق الأمر بلوحة مجهولة تماماً. كلّ ما في الأمر أنّ اللوحة التي تحمل عنوان "مشهد من شارع في مونمارتر" تمثّل أحد الأعمال القليلة للفنان الهولندي ممّا بقي ضمن ممتلكات شخصية ولم يتسنّ عرضها في أي فضاء جماهيري، حيث كانت اللوحة مُلكيّةً لأسرة فرنسية منذ عام 1920. اللوحة التي تحمل إشارة إلى سنة إنجازها (1887)، ستعرضها مزادات "سوثبيز" للبيع في الخامس والعشرين من آذار/ مارس الجاري. وتقول التقديرات إنها سوف تحصّل ما لا يقل عن خمسة ملايين يورو، وقد يصل ثمنها إلى ثمانية ملايين يورو. مَبالغ، على الرغم من كونها ليست أعلى ما جرى تسويق لوحاتٍ لفان غوخ بها، إلّا أنها تبدو أرقاماً كبيرة في ظرفٍ عالميّ يتحدّث فيه الجميع عن أزمات اقتصادية كبرى بسبب جائحة كورونا.

بالطبع، تخدم الضجّة الإعلامية دائماً هذا النوع من المزادات، لأنها تزيد من جاذبية العمل والتنافس على اقتنائه. وفي هذا السياق يمكن أن نقرأ التذكير بأنّ هذه اللوحة لا تشكّل واحدة من الأعمال التي يمكن التشكيك في نسبتها إلى فان غوخ. فرغم أنّها لم تكن ظاهرة للعلن، أي في رواقٍ فنّي أو متحف، إلا أنّ صوراً لها، بالأبيض والأسود، عُرضت في كاتالوغات عديدة تعود إلى النصف الأول من القرن العشرين. كما جرى فحصُها من قبل لجنة خبراء لإثبات نِسبتِها إلى الفنّان الهولندي وتطابق قِدمها مع التاريخ الموجود عليها.

لوحة تشهد على بدايات تشكّل النزعة الانطباعية لدى الفنان الهولندي

كما يمكن أن تخدم تعليقاتُ وتصريحات نقّاد الفن والخبراء تسويقَ اللوحة، حيث قال عددٌ من هؤلاء بأنّ "مشهدا من شارع في مونمارتر" يتنمي إلى سلسلة تسمّى بـ"لوحات مونمارتر" - وهي سلسلة محدودة العدد - اهتمّ فيها الفنان الهولندي بتصوير مشاهد من الحياة اليومية البسيطة في الضاحية الباريسية، التي باتت اليوم جزءاً من العاصمة.

كما جرت الإشارة، في تقرير لقناة "بي إف إم" الإخبارية الفرنسية، إلى أنّ هذه اللوحة تمثّل منعطفاً في مسيرة فان غوخ مع بدايات تشكّل النزعة الانطباعية لديه، والتي ستصبح بعْد أشهُرٍ قليلة الخيارَ الأسلوبي الذي سيكرّس له الفنان الهولندي جهوده في سنوات حياته الأخيرة. من جانب آخر، لفت ناقدون إلى المسافة التي تأخذها اللوحة من أعمال فان غوخ الشهيرة على مستوى الخَيارات التلوينية.

لكنّ أهم ما في اللوحة - وهذا مما لا تهتمّ به المزادات كثيراً - هو أنها تقدّم شهادة ًعن مونمارتر نهاية القرن التاسع عشر، كما يراها فنّان مثل فان غوخ؛ فنان فقير يأتي إلى باريس فلا تؤويه إلّا تلك الضاحية التي يستأنس بناسها البسطاء ويمضي وقته في تصويرهم. ما الذي بقي من مونمارتر التي في لوحة فان غوخ؟

المساهمون