عمر الخيّام ودروبه الممتدة

عمر الخيّام ودروبه الممتدة

08 مايو 2024
من أمام مرقد عمر الخيام في نيسابور شرقي إيران، من تصميم المعمار هوشنك سيحون، 2011
+ الخط -
اظهر الملخص
- الشعر الفارسي وشعراؤه مثل الفردوسي، الرومي، وسعدي الشيرازي ليسوا معروفين عالميًا مثل شكسبير، رغم ترجمة بعض أعمالهم إلى لغات عالمية، ويقتصر معرفتهم على النخب فقط.
- عمر الخيام يبرز كاستثناء بين الشعراء الفارسيين بفضل لغته الفريدة والمفاهيم التي يستخدمها في رباعياته، مما مكنه من اكتساب مكانة عالمية وتأثير على شعراء آخرين مثل حافظ الشيرازي.
- لغة رباعيات الخيام وصفت بأنها "الكلمات المقطَّرة" لشفافيتها وقدرتها على تجسيد الأفكار بشكل مؤثر، مما ساهم في استمرارية تأثيرها وقبولها عبر الأجيال، وتعزيز القيمة الثقافية للشعر الفارسي.

شعراؤنا لا يعرفهم إلا النُّخَب. فهم ليسوا مثل شكسبير الذي تُرجمت أعماله إلى جميع اللغات ويعرفه الناس. النُّخَب فقط هي التي تعرف شعراءنا في الخارج. صحيح أنّ "الشاهنامة" أو "المثنوي" أو أعمال سعدي الشيرازي قد تُرجمت إلى لغات عالمية، لكنّ القليل من الناس يعرفون عن الفردوسي والرومي وسعدي الشيرازي.

الشِّعر الفارسي ليس من النوع الذي يمكنه أن يصنع لنفسه مكانةً في العالم. العالم لا يعرف ناصر خسرو القبادياني، كما أنّ نظامي الكَنجَوي غير معروف أيضاً. لكن عمر الخيّام استطاع أن يجد مكانةً فريدةً بفضل لغته والمفاهيم التي يستخدمها، وتفوّق على حافظ الشيرازي وسعدي الشيرازي وغيرهما.

رباعيات الخيّام هي انعكاسٌ للحياة. الخيّام كانت له تجربة الحياة. رأى الحروب الأهلية وقتْل الشباب وترمُّل النساء وتشريد كثير من الناس وتدمير الحياة وشيخوخة الشباب.

كان عصر الخيّام، مثل كلّ العصور المشابهة، عصراً صعباً. كان هناك فقدان للأمن وحصارٌ وجوع. الخيّام رأى هذه الأشياء بأمّ عينَيه وشعر بها، وفي الوقت نفسه كان أيضاً مفكّراً ويقرأ تاريخ الماضي. كان هناك كتابٌ مثل "الشاهنامة" وكانت جميع المعارف الأُخرى في زمنه متاحة له، فقرأ وفكّر وكتب تأمّلاته في شكل رباعيات.

أعطى حافظ الشيرازي نكهة صوفية لكلام الخيّام لكنّه احتفظ بفكره

ولم يختفِ الخيّام عبر الزمن لأنّه كان مقبولًا للطبيعة البشرية. فالطبيعة البشرية تتقبّل كلامه وتأخذه على محمل الجَدّ. ومن هنا ذاع صيتُه على مدى تسعة قرون وقام آخرون بتقليد رباعياته. 

عندما ننظر إلى حافظ الشيرازي، نرى أنّه تأثّر كثيراً بعمر الخيام. حافظ الشيرازي هو أفضل المؤيّدين لفكر الخيّام وقد أعطى نكهةً صوفيةً لكلام الخيّام وفكره، لكنّه استمر على نفس الفكر.

الجميع قبلوا هذا الفكر، وبالطبع كانت فئة المتعصّبين كثيفة وكبيرة، لكن عندما وصلت شرارة هذا الفكر إلى اعتقاد الناس قبلوا وجهة نظر الخيّام.

لغة رباعيات الخيّام جيّدة جدّاً. إذا لم تكن اللغة جيّدة، فلن تتمكّن الأفكار من الانتشار. لغة رباعيات الخيّام شفّافة يمكن تسميتها بـ"الكلمات المقطَّرة"؛ أي أنها تُقَطَّرُ كقطرات الماء التي تسطع أمام الشمس. اللغة ممتازة في الرباعيات ولا يمكن أن تولد فكرة عظيمة من دون تعبير جيّد.

الخيّام كان عالِماً. وطبعاً ليس من الضروري أن يدخل العالِمُ عالَمَ الشعر. أمّا الآخرون، الذين أصبحوا شعراء، فلم يكونوا علماء رياضيات أو علماء فلك؛ لذلك نحن لا نعرف حقّاً إذا كان الخيام أراد أن يصبح شاعراً عظيماً، وهل كان يستطيع أم لا؟

أفضلُ استخدام لموهبة الخيّام في اللغة الفارسية كان من خلال هذه الرباعيات القليلة، وخير من سار على درب الخيّام هو حافظ الشيرازي. ولا أعرف أحداً غير حافظ الشيرازي يمكن أن تُنسب إليه قيمة هذا النوع من التفكير الخيّامي.

ربّما كان هناك من فكّر بهذه الطريقة الخيّامية وكتَبَ هذا النوع من الرباعيات. لكنّه مزج كلامه برباعيّات الخيّام، وهو ربما ما أثر سلباً على عظَمة الخيّام.


* شاعرٌ ومترجم وناقد إيراني (1924 - 2022). من أعماله: "الخطيئة" (شعر)، و"قصّة وخرافة" (مجموعة قصصية)، و"صفير العنقاء" (أدب الرحلة)، و"الأصوات والإشارات" (مجموعة مقالات). 

** ترجمة عن الفارسية: حمزة كوتي

أصدقاء لغتنا
التحديثات الحية

المساهمون