علي بني صدر.. صورة لماضٍ لا يستقرّ
في لوحته "أحمر" (2020)، يرسم الفنان الإيراني علي بني صدر سلسلة من النقاط البيضاء في السماء الحمراء، وكأنّها أنفاس مريض مصاب في الهواء، ويعيد الكرّة في فيلمه "التنفس فقط" الذي قدّمه خلال العام نفسه، حيث وجه يختفي وراء النقاط الحمراء والزرقاء والبيضاء والسوداء، في إشارة إلى الوباء والعدوى، لكنّها قد تحمل مزيداً من التأويلات.
تنزع معظم أعمال بني صدر إلى سرد وقائع الماضي والحاضر على نحو متحرّك وفوضوي وغير منتظم، تتداخل فيها أشكال وشخوص من الواقع مع أخرى تبدو أنها تنتمي إلى واقع مخترع غير مرئي، لكنهما يتآلفان داخل اللوحة أو يمضيان معاً لعدم اكتمال أيّ منهما.
يُفتتح، مساء الأربعاء المقبل، في "غاليري فيكتوريا ميرو" بلندن معرض "الماضي المتغيّر" لبني صدر، والذي يتواصل حتى الحادي عشر من الشهر المقبل، ويضمّ مجموعة من اللوحات والأفلام التي نفّذها خلال العامين الماضيين.
الثيمة الأساسية التي تبرز في جميع أعمال الفنان تتصل بفكرة التحرّك عبر الزمن، في سعي دائم لمواجهة التاريخ وأحداثه والتفكير في القضايا المعاصرة من خلال عدسة الماضي، الذي يعود إلى أقدم التعبيرات الفنية لدى حضارات ما بين النهرين، والتي يستحضرها في لوحة "ملكة الليل" (2022)، حيث يظهر فيها نقش تم حفره في الفترة البابلية القديمة (القرنين التاسع عشر والثامن عشر قبل الميلاد).
وفي اللوحة نفسها، هناك إله مجنح بأقدام طائر ومخالب بارزة، يرتدي غطاء رأس من القرون والمجوهرات، ويحمل عصا ويضع خاتماً في كل يد، وهي جميعاً أدوات ترمز إلى الإله ومكانته في تلك الحقبة التاريخية، وهو يحيل إلى العدالة وتوازن القوى التي يمنحا الإله البابلي.
ثمّة تكوين ملحمي في معظم الأعمال المعروضة، كما تحمل العناصر والمفردات المرسومة مرجعيات مستمدة من التاريخ عموماً، ومن تاريخ الفن كذلك، وتمتزج أساليب عديدة في إبراز هذه العوالم المعقدة والمقتبسة من حضارات الرافدين، والمنمنمات الفارسية، والبعد السردي لدى المدرسة الهولندية في نهاية القرن السادس عشر والقرن الثامن عشر، مع تقنيات تستعيد عصر النهضة، وقليلاً من الصور الرمزية السوريالية.
يأخذ المعرض عنوانه من فيلم نفّذه بني صدر عام 2021، ويتناول الطرق التي يجري بها إزالة أو مسح الآثار والمعالم، وغالباً ما تكون ثقافات بأكملها، عبر التاريخ، من أجل استيعاب معتقدات وأفكار جديدة، والتي بدورها تمحوها طبقات أخرى من التفكير أو مجموعات من المثل العليا، حيث يشير القرص إلى رمز من العصور المصرية القديمة هاجر عبر الزمن، وتغيّر معناه وأهميته، ويتردد أيضاً صدى الأفكار والفلسفات المتغيرة في العمل.
