بعد كورونا: عودة الثقافة إلى فضاءاتها التقليدية؟

بعد كورونا: عودة الثقافة إلى فضاءاتها التقليدية؟

18 ابريل 2020
(من ساحة في الجزائر العاصمة، نيسان 2020، getty)
+ الخط -

إلى وقتٍ قريب جدّاً، لم تكُن المؤسّسات الثقافية الرسمية والجمعيات الثقافية المستقلّة في البلاد العربية تُولي كبير اهتمامٍ للفضاء الافتراضي وبما يُمكن لمنصّاته المختلفة أنْ تُقدّمه للفعل الثقافي؛ حيث ظلَّ النظر إلى هذه المنصّات مُقتصِراً في كثير من الأحيان على كونها وسيطاً للتواصل مع المتلقّي وعرض برنامجٍ من الفعاليات أو قائمةٍ من الإصدارات عليه، دون التفكير في الاستفادة منها أبعد من ذلك؛ أي بتحويلها إلى حاملٍ للفعل الثقافي نفسِه.

قد لا تقتصر أسباب هذا الوضع على وجود قصورٍ في إدراك أهمية الوسائط التكنولوجية الحديثة في الوصول إلى جمهورٍ أوسع من ذلك الذي يُتاح له حضورُ معرضٍ تشكيلي أو عملٍ مسرحي أو فيلم سينمائي أو حفل موسيقي؛ إذ تحضُر حساباتٌ أُخرى يتعلّق معظمُها بالجانب التجاري للعمل الفنّي، فالمؤسّسات الثقافية لن تُغامر - غالباً - بعرض منتجها الثقافي مجّاناً عبر شبكة الإنترنت، إذ يرجّح أن يصاحب ذلك تهديد لحضور الجمهور إلى الفضاء الفيزيائي، ومِن ثمَّ للمردود المادّي الذي يحقّقه العمل.

نتذكّر هنا كيف أنَّ توفير كتبٍ إلكترونية مجانية على الشبكة العنكبوتية يُؤثّر بشكلٍ سلبي على مبيعات تلك الكتب، كما أنَّ عرض الأعمال التلفزيونية والسينمائية عبر يوتيوب أو المنصّات متخصّصةٍ ببثّ المحتوى المرئي يُؤثّر سلباً على ارتياد قاعات السينما كما أثّر فيه من قبلُ ظهور التلفزيون ودخوله بيوت المشاهدين. وإنْ كان المنتجون خارج البلدان العربية يجدون منصّاتٍ مدفوعةً لعرض أعمالهم، بما يغنيهم عن عرضها في قاعات السينما، فإنَّ الأمر لا ينطبق على المنتجين في البلاد العربية، في غياب منصّات مشابهة.

في وقتٍ وجيز، بدأ ذلك الواقع يتغيّر بشكلٍ ملحوظ؛ حيثُ لجأت العديد من المؤسّسات الثقافية - مع تفشّي وباء كورونا في العالَم - إلى مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقات التراسُل الفوري لعرض فعالياتها وإنتاجاتها الثقافية، سواءٌ كانت ندواتٍ ومحاضرات أو أعمالاً مسرحية وسينمائية، كما وفّرت مؤسّساتٌ أُخرى مواد ثقافية (مثل الكتب والمجلّات) بشكلٍ مجّاني، وإنْ لفترةٍ محدودة، للاعتبارات التجارية نفسها.

هذا الواقع الجديد قد لا يستمرّ إلى ما لا نهاية؛ إذ أنَّ الفعاليات الثقافية ستعود (على الأرجح) إلى فضاءاتها التقليدية و"الطبيعية" بمجرّد انتهاء الوباء، لكنَّ المؤكّد أنه سيُسفر عن مقارباتٍ جديدة في التعاطي مع الفعل الثقافي، بحيث يكون للفضاء الرقمي حضورٌ أكبر فيها.

المساهمون