عامٌ من الثقافة العراقية: ماذا حدث في 2021؟

عامٌ من الثقافة العراقية: ماذا حدث في 2021؟

05 يناير 2022
خلال احتفال إعادة افتتاح شارع المتنبي ببغداد، 25 كانون الأول/ديسمبر 2021 (Getty)
+ الخط -

ما هي أبرز الأحداث الثقافية التي عرفها العراق في 2021؟ هل شهد البلد إنجازاتٍ يمكن الوقوف عندها، أو تراجعاً لا بدّ من توصيفه؟ وهل من تحوّلاتٍ على المستويين الإبداعيّ والفكريّ؟ تلك أسئلةٌ توجّهت بها "العربي الجديد" إلى عددٍ من المثقّفين العراقيين.

 

لاهاي عبد الحسين: ارتفاع الصوت النقدي 

حدث الكثير في 2021. فقد شهدنا ارتفاعًا للصوت النقديّ للنّظام السّياسي، وإنْ لم يرتفع هذا الصوت بما فيه الكفاية. كما شهدنا الكثير من النشاطات، وأبرزها معارض الكتب التي لم تقتصر على بغداد، العاصمة فحسب، بل وانتقلت إلى مدن أربيل، والبصرة، والنجف. تَمَيَّزت هذه المعارض بإقامة العديد من الجلسات التي شارك فيها مختصّون، ومثقَّفون، وسياسيّون، وصحافيّون. اتّخذ بعض هذه المعارض وِجهةَ إحياء الذِّكر لقامة عراقية معروفة، مثل عالم الاجتماع العراقي علي الوردي، الذي خصّصت وزارة الثّقافة مؤتمرًا له، والروائي العراقي غائب طعمة فرمان، الذي أُطلق اسمه على "معرض العراق للكتاب"، المعقود بالتعاون بين "مؤسّسة المدى" الثقافيَّة و"الاتّحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق". وهناك الكثير من المجالس الثّقافية والمحاضرات التي عُقدت في أماكن متنوِّعة، وبخاصّة في "شارع المتنبي"، نهاية الأسبوع.

وعلى صعيد المؤسَّسات، فقد أعلن "الاتّحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق" عن إطلاق منتدى الثَّقافة النسويّة، وهو الأوّل من نوعه منذ تأسيس الاتّحاد عام 1959، والذي كُلِّفْتُ برئاسته. يهدف المنتدى إلى تشجيع الصّوت النسويّ المثقَّف لنساء ورجال يساندون قضية المرأة، ويؤمنون بتحريرها. سيصدر مع مطلع هذا العام الجديد الكِتاب الأوّل عن المنتدى، ويعقبه آخر في نيسان/ أبريل من هذا العام. يلاحَظ، أيضًا، كثرة الإصدارات النسائية، من قصّة، ورواية، وشِعر وبحث علميّ. وهذا جزءٌ من علامات التحسُّن، ودلالةٌ على الحِراك بالاتّجاه الصحيح.

أستطيع القول إنّ الثقافة العراقيّة تشقُّ طريقها في صفوف الشباب، والناس عمومًا، ليس بلا متاعب ومعوِّقات، إنّما أيضًا بنشاط وإصرار من قِبَل المهتمّين بها. هناك نشاط واضح على مستوى النَّشر، الذي تفاوت بالمستوى، بيد أنّه يُسجَّل لإرادة تَقوى تدريجيًّا، وقد تنجح بتقديم أسماء تحظى بمزيد من المتابعة والاهتمام.

* باحثة وأكاديمية ومترجمة

الصورة
لاهاي عبد الحسين
لاهاي عبد الحسين

■ ■ ■


علي حسن الفوّاز: سعيٌ للتجاوز

يسعى الثّقافي في العراق إلى التجاوز، وإلى التمرّد على عتمة المشهد العمومي. فرغم مركزيّة الخطاب السياسي وانعكاس ذلك على حيويّة الثقافي، فإن ما يجري يحمل معه هاجساً استعاديّاً لوظيفة المثقَّف الذي يواجه المراكز القديمة، عبر أحلامٍ جديدة. أحلام على مستوى توسيع فاعلية المنجز الثّقافي، أو إثارة اسئلةٍ مغايرة، تخصُّ إشكاليات الحرّية والهوية، والعلاقة مع السّلطة والآخر، والتي ظلّت جزءاً من ذاكرة "المسكوت عنه"، لا سيّما في إطار حريَّة الكتابة والسّفَر والتّظاهر والمشاركة، والتي يمكن ملاحظة بعض علاماتها الناجزة.

فوجود أكثر من خمسة وعشرين دار نشر وطبع في العراق، يمثّل ظاهرة كبيرة لاستعادة صورة المدينة المؤلِّفة، وانتظام أربعة معارض للكتاب خلال سنة 2021 في البصرة، وأربيل، والنجف، وبغداد، وبمشاركةٍ عربيّة لافتة، يمثّل ظاهرةً أخرى لحيويّة المشهد العراقي الثقافي. فضلاً عن دعم القطّاع المدني لإعادة إعمار "شارع المتنبّي الثقافي" خلال هذه السنة، وإقامة "مهرجان المسرح العربي"، وكذلك "مهرجان المربد" في البصرة، و"مهرجان الجواهري" في بغداد، ومئوية القصّة العراقية في النجف.

وبقدر ما نجده حيويّاً في هذه الظواهر خلال العام المنصرم، فإن ما يهدِّد الثقافيَّ يبقى قائماً، ويُنذر بأخطار محتملةٍ، ومهدِّدةٍ لما تَحَقّق في مجال الحرّيات العامّة، وعلى مستوياتٍ متعدِّدة، أبرزها الدونيّة في النظر إلى الثقافة وإلى مؤسّساتها، أو على مستوى دعم استراتيجيات التنمية الثقافيّة، وبرامجها، ومشاريعها، مقابل تغوّل الشعبويّة الثقافيّة، وإشاعة بعض هواجس الخوف من المُختَلِف، أو ما يتعلّق بحرّية الرأي والخصوصيات الثقافية، والتي تُعيد إنتاج السؤال الإشكالي القديم، حول العلاقة ما بين السّلطة والمثقّف، أو بين الحرّية وذاكرة الاستبداد والعنف.

* شاعر وناقد

الصورة
علي حسن الفوّاز
علي حسن الفوّاز

■ ■ ■


هناء خليف غني: مشهدٌ يستعيد أنفاسه

إنّ الثقافة بحدّ ذاتها، وباستمراريّتها، هي حدث مهم جدًاً في العالم. فعلى الرَّغم من الكوارث البيئيّة والصحّية، والتوتّرات الإقليمية والدولية، تبقى الثّقافة بوظيفتها الروتينية (نشر الكتب، تواصل المجلّات الورقية، معارض الفنون التشكيلية، المهرجانات الموسيقية والمسرحية...) مظلّةً دائمةً للاستقرار ودليلاً قائماً على وجود السلام.

لكنَّني أعتقد أنّ معارض الكتب في البصرة، وبغداد، والنجف، تمثّل الحدث الثّقافي الأكثر أهميّة خلال العام الماضي، ليس بسبب صفتها الثّقافية فقط، لكن بسبب آثارها الاقتصادية أيضاً، فقد جاءت بعد موجات الإغلاق الوبائيّة التي تسبَّبت بتوقُّف حركة الاقتصاد المحلّي كما العالميّ.

ومن الأحداث الثقافية البارزة، احتفالية مئوية الدولة العراقية، ولا شكَّ في أنّ سلسلة الكتب التي أصدرتها "دار الشؤون الثقافية العامّة" بهذه المناسبة تشكِّل إضافة مهمّة، لناحية عدد الكتب المنشورة، فضلاً عن قيمتها الأدبيَّة، والتاريخيّة، والقانونيّة، والسياسيّة، والطبّيّة. وهذا التنوّع في الإصدارات يشكَّل حدثاً ثقافيّاً هو الآخر. ويبدو أنَّ احتفاليّة مئوية الدولة العراقيّة قد جعلت من عودة "دار المأمون"، بمنشوراتها المُترجَمة، حدثاً ثقافيّاً مهمّاً في العام الماضي.

ولن ننسى أنّ منشورات "الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق" تشكِّل حدثًا ثقافيّاً بارزاً، فقد ازدادت أعداد الكتب المنشورة للاتّحاد زيادةً واضحة، بل إنّ مشاركة الاتِّحاد بمعارض الكِتاب في الدول العربية، كالشارقة والرياض (كان العراق ضيف شرف المعرض)، تمثّل حدثاً ثقافيّاً يساعد في انتشار الكتاب العراقي خارج محلّيته.

لكن، تبقى التّرجمة الجنس الأدبيّ الأقلّ حظًّاً في الثقافة العراقية. فعلى الرغم من عودة "دار المأمون"، بمنشوراتها القليلة عدداً، يبقى عدم وجود مشروع وطني للترجمة في العراق خللاً فادحاً في الثّقافة. فإذا قارنّا بين المشروع القومي للترجمة في مصر، ومنشوراتنا المُتَرجَمة في العراق عن طريق وزارة الثّقافة، لما وجدنا وجهاً للمقارنة! ولا شكَّ في أنّ لدينا الكثير من الطاقات الكامنة، وإذا أحسنّا إدارتها وتنظيمها وفْق مخطَّط ثقافيّ وأكاديميّ، لخرجنا بنتائج طيّبة في مشروع الترجمة العراقية.

ولعلّ "جائزة الإبداع العراقي" هي الحدث الثّقافي المهمّ الأخير في 2021، رغم حاجتها إلى جملة من الإجراءات الإضافية، مثل الإعلان عن الأعمال والنصوص المُقدَّمة للجائزة ومعرفة مَن وصل منها للقائمة القصيرة.

* مترجمة وأكاديميّة

الصورة
هناء خليف غني
هناء خليف غني

■ ■ ■


عارف الساعدي: تعافي الثقافة العراقيّة

لم تحدث أشياء كبيرةٍ نَطمَحُ لها على المستوى الثّقافي، لأسبابٍ عديدةٍ، تقفُ جائحة كورونا في مقدَّمَتِها. ولكنْ مع وجود الجائحة، وتعرُّض البلاد للغلق التّام لأشهر عدّة، فإن هناك إشارات جيِّدة تدلُّ على عافية الثقافة العراقيّة، منها أن العراق كان ضيف شرف "معرض الرياض الدولي للكتاب" في شهر أيلول/ سبتمبر، وقد ذهب وفدٌ ثقافيّ كبير ومهمّ، أحيا ندوات وجلسات تحتفي بالثّقافة العراقيّة ودورها الرياديّ في العالم العربي، حيث أعدَّت وزارة الثقافة العراقيّة، مع الجانب السعودي، برنامجًا ثقافيًّا أضاءَ الكثير من جوانب ثقافتنا.

رغم الجائحة، فقد أُقيمَ في بغداد معرضان للكتاب، الأوّل في شهر حزيران/ يونيو، والثاني في كانون الأول/ ديسمبر، كما أقيم لأوَّل مرةٍ معرضٌ للكتاب في البصرة، ومعرض للكتاب في النجف، وآخر في السليمانيَّة.

أيضًا، أقامت وزارة الثقافة مؤتمرًا عِلميَّا للعلوم الإنسانية، حمل اسم عالم الاجتماع علي الوردي. كما أُطْلِقَت مشاريع مهمّة، مثل مشروع ترجمة المائة كتاب في "دار المأمون"، وسلسلة "طبعة بغداد" في "دار الشؤون الثقافية"، حيث استحضرت الدار كبار الكتّاب العرب، وطبعت لهم أعمالهم الفكريّة، والفلسفيّة، والثقافيّة. فضلًا عن ذلك، استأنف "اتّحاد الأدباء والكتّاب في العراق" نشاطه في إقامة "مهرجان الجواهري" بعد انقطاع دام لأكثرَ من عامين.

القضيَّة الأخرى المهمّة تتمثّل في ترميم شارع المتنبّي، حيث عملت مجموعة من الشركات الأهلية ورابطة المصارف مع "البنك المركزي العراقي" على ترميمه، وقد بدأ العمل فيه منذ بداية العام واكتَمَلَ قُبيل نهايته، وافتُتِح الشارع بأجمل ما يكون: مهرجانان كبيران للمسرح، الأوّل أقامته "نقابة الفنانين"، والثاني "دائرة السينما والمسرح".

* شاعر

الصورة
عارف الساعدي
عارف الساعدي

■ ■ ■

محمد هادي: الانفتاح عربياً

سأجيب على السؤال بما يتّصل بعملي ومن وجهة نظري كناشر. المشكلة الأبرز حاليّاً، والتي تواجه كلّ القطاعات، هي استمرار فيروس كورونا وتحولاته، حيث ارتبطت حياتنا كثيراً بمسألة الإغلاق تارةً، والحجر تارة أُخرى، ثم الانفتاح النسبي في النصف الثاني من العام المنصرم. لذلك جاءت الأحداث الثقافية رتيبةً وبترقُّبٍ لعودة الحياة.

أبرز هذه الأحداث، في رأيي، هو بروز النشر العراقي في العالم العربي، حيث كانت المشاركات العراقية في معارض الكتب العربية ــ على قلّتها ــ سِمةً واضحة، ليس بالكمّ، إنما بالنوع. وواحدةٌ من أهمّ محطات النشر والكِتاب العراقيّيَن، الاحتفاءُ بالعراق كضيف شرف في "معرض الرياض الدولي للكتاب"، بما صاحب هذه الاستضافة من حفاوة لوفد عراقي يمثّل شريحة كبيرة من مثقفي العراق، ومن فعاليات مصاحبة شعراً وآثاراً وتاريخاً ونثراً. كما أن فوز "دار الرافدين" بجائزة المسار العالمي للترجمة، خلال فعاليات المعرض نفسه، يكرّس ما أذهب إليه بأن النشر العراقي ــ وهو أهمّ مخرجات الثقافة والإبداع الفكري في هذا البلد ــ يشهد دفعاً جديداً وجيّداً.

كما أعتبر أن إقامة معرضٍ دوليّ للكتاب في مدينة البصرة، أقصى جنوب البلاد، مع فعاليات متنوعة وثريّة، من أهمّ سِمات المنجز الثقافيّ للسنة المنقصية، وختامها في "معرض العراق الدولي للكتاب"، حيث أُقيمَ في شهر كانون الأوّل/ ديسمبر ببغداد، الذي أبهرَ مرتاديه وضيوفه العرب بنجاحه على كافّة الأصعدة.

ولا بدّ من الإشارة إلى تحوّل ممتاز من قبل أمانة العاصمة بغداد، حيث تمّت إعادة إعمار شارع المتنبّي بما يتلاءم مع روح العمارة العراقية، والمزج بين ما هو معاصر وتراثي، وتمّ الإعلان عن أنّ هذا الإعمار هو انطلاقة نحو إعادة لبناء بغداد. لذلك، هذا الحدث أعطى روحاً جديدة لشارع الثقافة، وجعل منه مركزاً للعاصمة، ورمزاً لبُعد بغداد الثقافي، وقِبلة زائري بغداد، ولأهلها من مختلف شرائح المجتمع.

* ناشر

الصورة
محمد هادي
محمد هادي

■ ■ ■


مريم العطّار: أجيال تتواصل

أظنّ أنّ أشياء كثيرة حدثت على المستوى الثّقافي في العام المنصرم: نِتاجٌ كثير، ووجوهٌ جديدة تحاول إثبات ذاتها من خلال ما تَكتب، مع أنّ الأمر ليس هيِّنًا - وأعني بذلك الكتابة والنّشر. لكنّ كلّ ذلك لم يُشكِّل عائقًا أمام مسعاهم، ورحلتهم في العثور على الطريقة لإثبات وجودهم وذواتهم.

هنالك أيضًا فعالياتٌ كانت تَصبُّ في صالح الثقافة بشكلٍ عام: مهرجانات تدعم القراءة وتشجِّع على اقتناء الكِتاب، بالإضافةِ إلى فعّاليّات تدعم الشِّعر والمسرح والرَّسم. كلُّ ذلك يُبَشِّر بالخير، يُبَشِّر بأنَّ الثّقافة العراقيّة، وإن كانت منخورة من الباطن، بسبب التراكمات وسوء الإدارة، لكنّها ما زالت تتنفّس. كما أنّ تلك الفعاليّات، تترك خيطًا للتواصل بين الأجيال القادمة ومَن كان قبلها. السّلَف مهّد الطّريق للخَلَف، وما على هذا الأخير إلّا أن يستلم الرسالة ويُكمِل مسيرة الذين قبله.

* شاعرة ومترجمة

الصورة
مريم العطّار
مريم العطّار

■ ■ ■


علي محمود خضيّر: جهود "ترميمية"

تقوم الإجابة على التباسٍ مركّب، لأنها تعتمد، مبدئياً، على تعريف كلّ منّا للحدث الثقافيّ. وفي بلد مأزوم سياسياً كالعراق، فإن لكلّ حدث نصيباً من الأزمة بالضرورة، وله، بالتالي، مريدين ومسفّهين، تأويلاً وإجراءً. تحت هذه المظلّة تمكننا قراءة الجهود الحكومية في مجال الثقافة مثلاً، وهي جهود "ترميمية" في فضاء عام طارد ومتشنّج.

شخصيّاً، أعدّ إصدار كتاب جديد لمحمد خضيّر ("العشّار: أساطير الميل الواحد") حدثاً ثقافياً في المشهد على الدوام. فأعمال الكاتب الأخيرة، كلّها، تقدّم اجتراحات مبتكرة في الكتابة السردية. على الصعيد الاجتماعي كان "معرض البصرة الدولي للكتاب"، بدورته الأولى، لحظة خاصّة وعاطفيّة نأمل لها أن تشكّل تحوّلاً مقبِلاً في مدينة تَنوس بين قوسي التحدّي الاقتصادي والنموّ المتفجّر في كلّ شيء.

ليس ثمّة سؤال فكريّ مطروح على المشكلة العراقية خلال العام الماضي، ولا أظنّنا نملك، بعْدُ، المنظّمة الثقافية التي يمكن لها طرح سؤالٍ نقديٍّ جاد. أمّا "الإنجازات"، فهي فرديّة، كالعادة، ولا تختلف عمّا حدث في السنوات السابقة.

* شاعر

الصورة
علي محمود خضيّر
علي محمود خضيّر

■ ■ ■

قاسم سعودي: في نهاية النفق الطويل

لا تمتلك الثقافة العراقية عصا سحريّة لتواكب التحوّلات الكبيرة التي يشهدها العالم والثقافة والمعرفة بشكل عام، لكنّها تعمل وتُثابر وتجتهد في ملامسة منظومة الرافعات الفكرية التي تأتي عادةً من جهود فردية أو مجتمعية حالِمة بزمن معرفة وتحرّر واستنارة في نهاية النفق الطويل. 

الحدث الأكثر جِدّية في عام 2021، والذي لا يخضع للتكرار واللاجدوى، هو ظهور عشرات دور النشر الشبابية في جميع مدن العراق؛ دور نشر استطاعت، رغم عمرها القصير، أن تُعيد شجرة المعرفة العراقية إلى القارئ العربي بشكل عام والعراقي بشكل خاص. كما لا ننسى الحدث الثقافي في إعمار وتأهيل شارع المتنبّي، وتنظيم معارض الكتب في بغداد والمدن العراقية، وظهور الشوارع الثقافية، وحصول بعض المُبدعين على جوائز، وصدور ترجمات من الأدب العراقي في لُغات عديدة.

رغم ذلك، يبدو لنا أن المنجز الأهمّ هو ابتكار عربة العيش من الكائن العراقي البسيط ورؤيته نحو العالم وفرحه الكبير عندما يُصدر أحدهم كتاباً أو يؤلّف أغنية أو يرسم أو يعزف... تلك السعادات الصغيرة هي الحدث الأنبل ربّما، بعيداً عمّا يغزو العالم من نظريات التوحّش الثقافي. فهناك شيءٌ يُسمّى "جاذبية التوحُّش"، وَحْشَنَةُ كلّ شيء في هذه المرحلة من تاريخ البلاد، مثلاً: وضع قطعة قماش كبيرة على العيون والعقول لتمرير "فلاسفة التوحُّش الثقافي" الذين يظنّون أن الحياة مجرّد سباق للطاعة والصمت والرزق الأيديولوجي، وهي أبعد من ذلك بكثير، أو بالأحرى على العكس من ذلك. الحياة في الصمت والمواجهة والصبر والكشف والمغامرة والخسارة والحبّ، لكنّك تمشي فيها مرفوع الرأس رغم كلّ شيء. ربّما أكون مخطئاً، نعم، ربما أكون مخطئاً.

* شاعر وناشر

الصورة
قاسم سعودي
قاسم سعودي

■ ■ ■

حسن أكرم: مئوية السرد العراقي

بهذا العام تختتِم السردية العراقية مئويّتها؛ مئة سنة في التجريب والمحاولة. وللأسف، مرّ هذا الحدث مروراً سريعاً على الباحثين والنقّاد، ما عدا إشارات بسيطة. ويمكننا الإشادة بدور الكاتب محمد خضير، الذي ألّف ــ مُراقباً تلك السردية ــ ثلاثة كتب نقدية ("تاريخ زقاق"، و"الحكاية الجديدة"، و"السرد والكتاب")، حيث قال خضيّر في حوار جديد معه إنه قد تخلّى عن كتابة سيرة ذاتية (أوتوبيوغرافية) لأجل كتابة سيرة مستقلّة (بيوغرافية) لمئويّة السرد العراقي.

في المقابل، هناك اسمٌ آخر أشعر أنّني شخصياً، وغيري من المهتمّين، مدينون له بالثناء، وهو المترجم العراقي المقيم في موسكو تحسين رزّاق لِمَا يقدّمه للثقافة العراقية والعربية من جهد. فقد أخذ على عاتقه العمل على نقل الأدب الروسي الحديث إلى العربية، إذ ترجم في العام الماضي حزمةً من الكتب الممتازة من هذا الأدب العظيم، نذكر من بينها كتاب "تولستوي ودوستويفسكي: الحياة والإبداع" لديمتري ميريجكوفسكي، و"أبنائي" لغوزيل ياخينا، و"الطيّار" ليفغيني فودولازكين، و"الجنازة المرحة" للكاتبة البارزة لودميلا أوليتسكايا. جُهد هذا الرجل الشخصيّ يعادل عمل مؤسّسة ثقافية كاملة.

* كاتب من العراق

الصورة
حسن أكرم
حسن أكرم

■ ■ ■


رنيم العامري: حركة الترجمة ومعارض الكتب الصغيرة 

على المستوى الشخصي، أتممتُ خلال2021 ترجمة ثلاثة كتب: "روبنسون كروز"، و"الصبي ذو البيجامة المقلّمة"، و"نادي الانتحار"، وقد نُشرت هذه الكتب في دار "تكوين" الكويتية ودار الرافدين العراقية. أمّا على مستوى الساحة العراقية عامة، فيجب أن أذكر إقامة معارض الكتب، في بغداد والعديد من المحافظات العراقية، سواء برعاية مؤسّساتية أو بجهود شخصية، إذ الإضافة إلى معارض الكتب الكبيرة، يجب ألّا ننسى معارض الكتب الصغيرة التي أُقيمت داخل مولات التسوّق أو على الأرصفة في الشوارع أو في الحدائق العامة أو الجامعات والكليات.

الصورة
رنيم العامري
رنيم العامري

ويمكن الإشارة إلى مهرجان "أنا عراقي أنا أقرأ"، ومشاركة الوفد الثقافي العراقي في معرض الرياض الدولي للكتاب. كما أُشير أيضاً إلى حركة الترجمة في العراق التي بدأت ــ وأخيراً ــ تتحرّك بوتيرة أسرع من السابق، بعد الوقفة الطويلة التي أصابتها، وهذا ما يصبّ في الشأن الشخصيّ أيضاً.

* مترجمة

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون