الهادي التركي.. العودة عبر فضاء ثقافي جديد

الهادي التركي.. العودة عبر فضاء ثقافي جديد

15 مارس 2022
لوحة لـ الهادي التركي، من مجموعة "مؤسسة كمال لزعر"
+ الخط -

منذ الثامن من الشهر الجاري، انضاف إلى شبكة الفضاءات الثقافية في تونس العاصمة فضاء جديد يحمل اسم "ثقافة وفن الهادي التركي" بمبادرة من سميرة التركي؛ ابنة الفّنان التشكيلي الراحل. وقد تضمّن حفل الافتتاح عرض مقتطفات من فيلم بعنوان "الرجل التجريدي"، وهو إنتاج حفيد الفنّان حيدر الحسين التركي، وإخراج رامي الجربوعي.

لوهلة، بدا أنّ رحيل الهادي التركي (1922 - 2019) سيُدخله إلى منطقة النسيان، مثل كثير من الفنّانين، بعدما كان أحد أشهر الأسماء التشكيلية في البلاد، حتى ليمكن القول بأنّه الفنّان الوحيد الذي يمكن أن يذكره أيّ مواطن تونسي، حتى أولئك الذين لا يتابعون المشهد الفنّي ولا الحياة الثقافية بشكل عام. 

لم تكن هذه الشهرة نابعة من معرفة بلوحات التركي أو تجربته التشكيلية، بل من خلال حضوره التلفزيوني، حيث جرى استثمار نبرته الأبوية المحبّبة كلّما جرت الحاجة لتمرير رسائل إلى التونسيّين، حول التعايش ونبذ الخلافات والعناية بالتراث والأشياء البسيطة الجميلة. كما كان الرجل صاحب طرفة تمتزج بدماثة خلق جعلت منه مقصد الكثير من الإعلاميّين وهم يبحثون عن وجوه ثقافية تجذب انتباه الجمهور.

لم تأتِ شهرته من تجربته التشكيلية، بل من حضوره التلفزيوني

لا يشبه ذلك الوجه الذي قدّمه التلفزيون التونسي تجربة التركي الفنّية، والتي كانت راديكالية في قطعها مع الخيارات البصرية المكرّسة في تونس، خصوصاً ضمن "مدرسة تونس" التي ذهبت إلى النهل من التراث المعماري وغير المادي.

الخطوط والأشكال الهندسية المجرّدة هي العنصر البصري الأساسي في لوحة الهادي التركي، ومن خلالها قدّم تنويعات جمّة تُظهر الأفق الذي يصنعه التشابك باعتباره استعارة كل ما يحدث في الحياة اليومية، اجتماعياً وثقافياً وسياسياً، فكلّ هذه الفضاءات إنما هي حصيلة تشابُك لا يمكن تفكيكه تماماً مثل العناصر البصرية الواردة في لوحات الفنان التونسي.

لكنّ التركي لم يختزل تجربته في الخطوط وحدها، بل نوّع في أطروحاته الفنّية. ولعل الفضاء الجديد الذي يحمل اسمه يتيح أن تُستعاد تنويعات تجربته، وتنقذه من الاختصار في منهج فنّي واحد، وقبل ذلك تنقذه من الصورة الشعبوية التي أُلصقت به.
درس التركي الفنون التشكيلية في روما ثم في الولايات المتّحدة، منتصف القرن الماضي، وتأثّر بالصيحات الفنّية الصاخبة هناك، خصوصاً تجربة جاكسون بولوك التي بدا وكأنه يقوم بترجمتها - لدى عودته إلى تونس - في مفردات الثقافة العربية، وإن من الضروري الإشارة إلى أنّه تجاوزها إلى آفاق أوسع.

كان للهادي التركي أيضاً اجتهادات تنظيرية جعلت منه نقطة جذب داخل البيئة الفنّية في تونس، خصوصاً لدى الشباب من التشكيليّين ممن يبحث عن موقع تحت الأضواء، ومن المؤكّد أن هذا الدور لم يستند إلى البعد التنظيري وحده، بل إلى العنصر الأبوي المذكور آنفاً، وتوفُّر فضاء عرض دائم له في ضاحية سيدي بوسعيد.

المساهمون