فيروس كورونا السياسي في العراق

10 مارس 2020
+ الخط -
(1)
في بدايات التعريف بفيروس فقدان المناعة المكتسبة (إيدز – سيدا)، قال الطب إنه يقضي على مناعة جسم الإنسان بحيث لا يعود قادراً على الدفاع عن نفسه ضد المرض، لأن وسائل الدفاع قد تم تحطيمها، واليوم عند الحديث عن كورونا يقول الطب إنه يستقر في الحنجرة فيصيبها بالالتهاب الحاد، ويستقر في الرئة فيمنع الإنسان من التنفس، مع التأكيد أن من يموتون جراء الفيروس هم من يكون جهاز المناعة لديهم ضعيفاً.

هذه القاعدة البيولوجية نقلها مالك بن نبي إلى البعد الاجتماعي للإنسان، مؤسساً لقاعدة القابلية للاستعمار، بمعنى أن الانسان المستعمَر – من فقد القوة الدفاعية، فهو فاقد المناعة تجاه الغزو الخارجي، يستسلم.

في العراق، الفيروس متجذر في العقول، فقد القدرة على النهوض والمقاومة، الخراب داخلي، وما يتم بثه في الإعلام ليس إلا مظهر التحطيم الجواني للقيادة السياسية التي خلقت وضعاً خرِباً، في السنوات القريبة جداً عندما كان العراقيون يتساقطون جراء التفجيرات الإرهابية، صرفت الحكومة مئات الملايين على استيراد أجهزة كشف المتفجرات، كانت الشوارع تختنق من الازدحام، لكن لم يمر يوم إلا وحدثت تفجيرات ومات أشخاص يعتمدون على الحكومة لحمايتهم، تبين فيما بعد أن الأجهزة كانت فاسدة، والمستوردون كانوا من رجال الحكومة.

واليوم بما أن الداخل فاقد للمناعة الإنسانية، يشكو من تم الحَجر الصحي عليهم من رداءة الخدمات المقدمة في بعض المستشفيات، كأنه في الزنزانة، لأن الفيروس السياسي قد دمَّر ضمير الحكم.


(2)

الخراب الداخلي هو ما يسبب الانهيار على مستوى المؤسسات الحكومية، القابلية للاستعمار نتيجة فقدان المناعة. لو كان الداخل ممتنعاً لما كانت الحاجة ماسة للدور الخارجي من أجل تشكيل حكومة محلية، لكن الداخل الخرب هو الذي يضع المنهاج، لا حكومة دون موافقة الجهات الخارجية، الأبواب مشرعة عراقياً للقوى الخارجية، كما الأبواب البيولوجية مشرعة للفيروسات، فهي نفسها، القابلية للاستعمار العقلي والجسمي، اتفاق طبي فكري، في هذه الأيام كثيرون يؤشرون إلى أن غياب قاسم سليماني مؤثر في الوضع، وسبب للتشرذم الراهن، لِمَ؟

العراقي يبدو أنه غير قادر على ترتيب بيته الداخلي دون تلقي دعم اللقاح الخارجي، فالجسم العقلي الفكري لا يمتلك المناعة الكافية للدفاع عما يدعي أنه يفعله، مرة بحجة الجيرة، ومرة بحجة الأخوة، ومرة بحجة الدين والمذهب، ومرة بذريعة أن القوى الوطنية تحت التهديد فلا بد من اللجوء إلى القوى الصديقة، وما زيارة علي شمخاني إلا دليل على الفشل باختيار رئيسٍ للوزراء. تشكل الطائفية أحد أهم أسباب فقدان المناعة الوطنية، كما يقول المثل الفرنسي؛ إن الإيمان الهَشّ هو الذي يُختَرَق. فيروس كورونا السياسي جعل السفينة العراقية لا ترسو على برّ، فلا موانئ وطنية، الرَّسو يكون فقط على الموانئ الخارجية، الخارج الذي لن يقبل بتقديم لقاح العلاج سوى بثمن باهظ يدفع، من الأرض أو النفط، أو من قيمته كدولة، فيكون النقص في السيادة.

في مدينة السليمانية في إقليم كردستان، ومع الاعتراف بأن الخدمات أفضل من باقي البلاد، إلا أن المشاريع الحكومية من سماتها التلكؤ والترهل الإداري والفساد في التنفيذ، لكن عند انتشار وباء الكورونا تم بناء مستشفى خاص يتسع لخمسة وستين سريراً، البناء استغرق عشرة أيام فقط على مسافة 5000 متر مربع، لكن ليست الحكومة هي من قامت ببنائه، بل متبرعون من أهل المدينة، فلأن الحكومة مصابة في قلبها وضميرها، جاء مكانها من له العقل والقلب السليم الخالي من الأمراض والفيروس.

(3)
الطبقة الفاسدة، ولأنها محتلة ضميرياً، لم تسرع إلى غلق الحدود مع الدول الجارة كمصدر رئيس لنشر الوباء في المنطقة، إلى أن قام المتظاهرون وأغلقوا مطار النجف والحدود في البصرة. تحركت الحكومة لاحقاً، فالشعب كان صاحياً على خلاف المرضى السياسيين -المستعمَرين-. إن من نقاط الضعف العراقي قلة الإنتاج في كل شيء، فهي حكومة استهلاكية بالكامل، حتى الأرض الزراعية الشاسعة، فالخضروات تأتي من إيران وتركيا، وهي سبب رئيس لنشر الوباء داخل المجتمع، والفساد الإداري والإنساني يمنع الاعتماد على الذات وإلا ما الحاجة إلى فتح الأبواب بصورة نسبية مع دولة تقول منظمة الصحة العالمية إن الوباء فيها ترسخ؟ ومن يضمن القادمين من إيران من سائقي الشاحنات التجارية أو البحارة الذين ينقلون البضائع إلى مختلف مناطق العراق.

هي المعادلة ذاتها، تعمل في جميع مجالات الحياة، بيولوجياً، واجتماعياً -سوسيولوجياً-، وثقافياً، وسياسياً، وكل جسم هش قابل للاختراق. ما قلته يمكن قياسه على الدول الأخرى في منطقتنا وكثير من الدول المتعثرة، فهي ليست في حال أفضل، ما عليك سوى تغيير الاسم، من العراق إلى اسم الدولة التي تريد.. خلاصة الكلام (عزّز مناعتك).