الهواية... وعشق الاحتراف!

الهواية... وعشق الاحتراف!

04 مارس 2019
+ الخط -
تتسابق شركات الأسطوانات دائماً لتقديم كل ما هو جديد في عالم الموسيقى والغناء، والأسطوانة الوحيدة التي استثنتها منذ زمن، وحجزت لها مكاناً في الواجهات العربية راضيةً ومختارة، هي الأسطوانة ذات الوجهين، والقديمة قِدَم كرة القدم العربية نفسها: الهواية والاحتراف. ولما كان لكل مطرب أنصار، كان طبيعياً أن يكون للهواة أنصار، وللاحتراف أنصار أيضاً.

ولا يهمّنا في هذا العرض أي الأنصار أكثر، وأيهم على حق، بمقدار ما يهمّنا المفاضلة بينهما، ومعرفة أيهما أكثر مناسبةً ومواتاة لجسر الكرة العربية مع بداية القرن الحادي والعشرين، مع أنَّ الهواية قمّة، والاحتراف قمّة، وبين هاتين القمّتين هوّة سحيقة ترفد الكرة العربية.. في هدوء!!

ومما لا شكّ فيه أنَّ الهواية بمبدئها السامي هي "الكمال في المتعة"، لأنّها هي المعيار الحقيقي الذي يُقاس بواسطته مدى "حبّ" الرياضي لرياضته المفضّلة، ومدى إخلاصه واندفاعه، وتفانيه في ممارستها، والتضحية من أجل حبّه لها.. وهل هناك أحلى وأغلى وأسمى من الحب!
أما الاحتراف، فلا شك أنّه الوسيلة الأنجع لتطوير أيّ رياضة من الرياضات، ضاق مجالها أم رحب، وكثر عُشاقها أم قلّوا، ويكفي دليلاً أنه، أي الاحتراف، كان وراء كل هذه النهضة الرياضية، والكروية بالذات، في أوروبا وأميركا اللاتينية وحتى الدول الخليجية، وبصورةٍ خاصة قطر، وغيرها كثير.

على أنه لا بد لتطبيق الاحتراف من مقدمات، إذ يفترض مثلاً لتطبيقه في أي بلد من البلدان أن تتوافر أساسيات عدّة في مقدمتها الإمكانات المادية والإدارية والفنية!

هذا بين الدول، أما بين الأفراد، فإنَّ تطبيقه يفترض في أيّ ممارس أن يتحوّل إلى جندي نظامي يؤدي رسالته سعياً وراء هدف... وهذا الهدف هو الاكتفاء المعيشي، والاستقرار الحياتي اللّذان يدفع ثمنهما اللاعب المحترف بـ "عملة صعبة" ذات وجهين أيضاً.

وجهها الأول الانتماء، ووجهها الثاني الالتزام، وإذا نظرنا نظرةً فاحصةً وشاملة في آن، نجد أنَّ تجربة الاحتراف قد نجحت في شتى بقاع الدنيا، ونجاحها لم يكن مقصوراً على الدول الكبيرة دون الصغيرة، أو الغنية دون الفقيرة.

ولنضرب الأوروغواي مثلاً.. فهي على صغر حجمها السكاني، ومساحتها على الخارطة 176.215 كلم مربع، وعدد سكانها 3.5 ملايين نسمة، فإنها ثاني أصغر دولة في أميركا الجنوبية، وسبق أن توّج المنتخب الأوروغوياني بلقب بطل كأس العالم لكرة القدم في عام 1930 التي أقيمت في الأوروغواي، كما نالت الفوز في البطولة ذاتها للمرة الثانية في عام 1950 التي احتضنتها البرازيل، فضلاً عن إحرازها الميدالية الذهبية في دورتي الألعاب الأولمبية عام 1924 في باريس، و1928 في أمستردام، ويحمل المنتخب الرقم القياسي في عدد مرات التتويج بلقب بطولة "كوبا أميركا" برصيد 15 لقباً.. وفي كأس العالم الأخيرة في روسيا فازت على مصر بهدف مقابل لا شيء، وعلى السعودية بنفس النتيجة، وفازت على روسيا بثلاثة أهداف مقابل لا شيء، وتغلبت على البرتغال بهدفين مقابل هدف واحد، وخسرت في الدور ربع النهائي أمام فرنسا بهدفين مقابل لا شيء، كما وأثبتت وجودها بالفعل على المسرح العالمي من خلال الاحتراف، حيث أكدت للدنيا قاطبةً من أقصاها إلى أقصاها أنها بفضل الاحتراف جاءت مراراً وتكراراً بين أفضل 16 فريقاً على وجه الأرض.. ومن أفضل اللاعبين الذين مثلوا المنتخب الأوروغوياني لويس سواريز لاعب برشلونة الإسباني، وادينسون كافاني لاعب سان جيرمان الفرنسي، وخوسيه ماريا خيمينيز لاعب أتليتيكو مدريد، وماكسميليانو غوميز لاعب سيلتا فيغو الإسباني، ودييغو غودين، وغيرهم.

وكذلك الحال، اليوم، بالنسبة إلى دولة قطر التي تصل مساحتها إلى 11.571 كيلومترا مربعا، وعدد سكانها 2.639 مليون نسمة، والتي استقطبت، أعداداً لا بأس بها من اللاعبين المخضرمين في العالم، وضمّتهم إلى أنديتها، وأخذت دورها، وبشكلٍ لافت، واستطاعت أن تؤسّس لقاعدة كبيرة، كما تم تصنيفها عالمياً من قبل الفيفا في المرتبة 38 بفبراير/ شباط 2019.

وتأسس الاتحاد القطري لكرة القدم في العام 1960، وانضم إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم عام 1970.. وفازت قطر ببطولة كأس آسيا لكرة القدم الأخيرة التي نظمتها الإمارات العربية المتحدة، في نسختها السابعة عشرة، بمشاركة 24 فريقاً، ولأوّل مرّة، من 5 يناير/ كانون الثاني إلى 1 فبراير 2019. فازت قطر بالبطولة بعد تغلبها على اليابان 3–1 في المباراة النهائية، وحصلت قطر على حق المشاركة في كأس القارات 2021، الذي ستستضيفه جمعية الاتحاد الآسيوي لكرة القدم بعد أن خسرت قطر، الدولة المضيفة لكأس العالم 2022، حقوقه. كما فاز المنتخب القطري ببطولة كأس الخليج ثلاث مرات، المرة الأولى عام 1992، والمرة الثانية عام 2004 والثالثة عام 2014، والمرتان اللتان فاز بهما كانتا في الدوحة، والثالثة في الرياض.

وفي كأس العرب لكرة القدم التي استضافت العاصمة القطرية الدوحة منافسات بطولتها عام 1998 في نسختها السابعة بمشاركة اثني عشر منتخباً، حل المنتخب القطري وصيفاً في البطولة التي فاز بها منتخب السعودية بالبطولة للمرة الأولى.

واستطاع المنتخب القطري للشباب في عام 1981 الوصول مع المنتخب الألماني الغربي إلى المباراة النهائية لبطولة كأس العالم للشباب التي أقيمت في أستراليا والتي فاز ببطولتها المنتخب الألماني الغربي. وفي عام 2014 حقق بطولة كأس آسيا للشباب في ميانمار ضد منتخب ميانمار، كما نجح المنتخب القطري الأولمبي في الفوز بلقب دورة الألعاب الآسيوية 2006 والتي نظمت في الدوحة حيث توّج فيها بلقب مسابقة كرة القدم، وقد درّب المنتخب القطري العديد من المدربين العالميين مثل: الفرنسي برونو ميتسو، والبرازيلي إيفرستو، والبرازيلي لابولا، والفرنسي فيليب تروسيه، والهولندي جو بونفرير.

وقد مثل المنتخب القطري على طول تلك المرحلة عدد من اللاعبين المتميزين، ومنهم: مبارك مصطفى، منصور مفتاح، حسن الهيدوس، المعز علي، خلفان ابراهيم، عادل خميس، محمود صوفي، محمد سالم العنزي، سباستيان سوريا، بسام الرّاوي، أكرم عفيف، عبد الكريم حسن.

هذا الواقع ساهم، وبشكلٍ فعّال في تهيئة الصورة الجميلة للكرة القطرية، وتطوّرها، ما جعل أنظار العالم اليوم تلتفت إليها، وتعيش فترة عصرها الذهبي من خلال المتابعة الرسمية والشخصية لأنشطتها، وهذا ما جعل المشاهد العربي، وبصراحة، يُتابع، وعن كثب دوري المحترفين القطري الذي شكّل حالة غير عادية، بالنسبة للجماهير المتابعة، والمهتمة بكرة القدم، التي شقّت طريقها، وبصورةٍ لافته، بالرغم من كل الصعاب.

وتبقى، آمالنا، تتجاوز كل ما هو جميل ورائع في عالم الكرة اليوم، والأنظار باتت تتجه إلى احتضان قطر لبطولة كأس العالم 2022، هو انتصار حقيقي للكرة القطرية ككل، التي نجحت، وألهبت -بالتالي- جراح الجماهير، وعشقها!

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.