إليك والدي

13 يناير 2019
+ الخط -

إليك والدي، القدوة الحسنة الذي فقدتها يوماً برحيلك القسري، إلى حيث سدرة المنتهى.

إليك أيها الغائب الحاضر، المستأنس الخطوة والنظر، وأنا العاجز عن الشكر والاحترام والتقدير لجهودك وتعب السنين التي أرّقت مضجعك، وأنت تدفع بكل ما لديك حتى تفرش أمامنا طريقاً معبداً بالورود والرياحين، الطريق السهل، وتبعد عنا لعنة الحاجة، واستعطاف الناس، وتؤمن لنا المستقبل الذي رسمته بعنفوان شبابك، وبروحك النبيلة، وبإنسانيتك، التي تفيض بدواعي سروري واحترام كبريائك، وتضفي على حياتنا الآسرة الراحة والدلال الذي رسمته بالعمل الدؤوب، وهو العنوان الذي يُسعدنا أن نستأنسه ويفرحنا سماعه في كل حين.

والدي العزيز الذي نفاخر به..

أستميحك العذر من قبل ومن بعد. بطيبتك، وحنوك، وصوتك الدافئ الذي كان يملأ دنيانا حباً وشوقاً واندفاعاً نحو حياة متجدّدة، كنت آمل أن يتجدد لقاؤنا وأن نغوص أكثر في عالم مليء بالمتناقضات.

حياة، فيها من الحب ما يكفي، بعيداً عن الحقد والحسد والصراعات الطائفية، بل أكثر ما كان يهمك زرع بذور المحبّة والانفتاح على العالم الآخر بتواضعك الجم، وروحك الصافية الصادقة العذبة التي رسمت طريقي، وألهمتني الحب، ونبذ كل ما يسيء إليها ويحط منها.


حبّ الناس، والتعرّف إلى خصالهم، وفهم مقصدهم برضا العاشق، وبنفسٍ متخيّل مجبول بالحب ينفثُ بأريجه على عموم الناس، بألوان من البهاء وفضل العطاء، بما أجدته علينا، وغمرتنا به بحبك واحترامك ونور ظلك الذي يذكّرني بك، وبعطائك الذي لا ينضب.

نعم، أرجو أن تسامحني، متوسلاً إليك، طالباً رضاك وعفوك.
إنّ وهجك، وابتسامتك، وإطلالتك، وخطواتك، وكلامك البريء الصادق كان سرّ تفوقي ونجاحي، واحترامي لشخصكم، وبتوجيهاتك لي كلها كانت مدارس، وأي مدارس تعلمت فيها أصول الذوق، واستفدت منها بحضوركم الذي يبهرني، وبتوازن منطقكم الذي أحب. نعم، ها هي طباعكم وخصالكم الحميدة التي عرفها البعيد قبل الغريب، وترسّخت في أذهان كل من عرفكم.

والدي الكريم..

ستظل وبدون منازع مدرستي الأولى. وأنت حبي الأول. وأنت شخصيتي التي أجدُ أنّه بفراقكَ عنها انحسرت، وانزوت، وتراخت، وانغمست في بحورٍ من الشعر تردد، وتتفوه بحبك.

نعم، أحبك وبكل اللغات وتعاريفها رغم أنف الجميع. وفراقك الأبدي أجّج فيَّ شوقاً لرؤياك ثانية.

دلالات
6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.