لماذا ينتصر الأشقياء (2)

لماذا ينتصر الأشقياء (2)

17 فبراير 2021
+ الخط -

الضوابط الأخلاقية في التعامل مع الأشرار والكوارث الإنسانية

على ضوء معارفنا المعاصرة عن القوى فوق الطبيعية، والعقائد والتعاليم والمذاهب وكتبها المقدسة التي ظهرت، وما زالت منتشرة بين المجموعات البشرية على ظهر هذا الكوكب، يمكن قصر مصطلح الدين على ثلاث عقائد فقط هي الإسلام والمسيحية واليهودية والتي نصفها بأنها ديانات سماوية، ويصفها البعض بأنها ديانات إبراهيمية نسبة إلى إبراهيم أبي الأنبياء مستلة بعضها عن بعض.

وهي ترتكز على المفاهيم الرئيسية التالية:

1- هناك قوة عليا فوق طبيعية واحدة قادرة خالقة ومسيطرة على هذا الكون، هو الله أو الرب.

2- هناك بدن وهناك روح للإنسان، البدن قد يفنی ولكن الروح خالدة، والبدن يعطي الإنسان شكله ومكوناته المادية، أما الروح فتعطي للإنسان شخصيته وما يعرف بالكاريزما الخاصة به.

3- هناك بعث وحياة أخرى بعد الموت.

4- هناك ثواب وعقاب في تلك الحياة الأخرى والثواب والعقاب يتطلبان تعريفاً متفقا عليه للصواب والخطأ، وكيفية التمييز بينهما فهماً واضحاً للحلال والحرام وحدودهما، وكل مجتمع يكون لنفسه مجموعة من القيم، أو يبني نظاماً أخلاقياً، مستمداً من عقيدته الدينية وتاريخه الاجتماعي يساعده على التمييز بين الخير والشر وينير له الطريق ويعصمه من الخطأ.

يزيد في الطين بلة أن يرد عليهم قوم لا يرون في الدين أي معنى قيمي ولا سلوك حياتي وإنما هو أكاذيب وأساطير، بل يتهمون الله بأنه سبب كل الكوارث وأن المتدين عقليته معلولة وتصرفاته مقهورة رعناء..

 

وهناك من  المجموعات البشرية من يعتقد بالحياة الأخرى ، ولکن ليس بها ثواب أو عقاب بل نعيم مقيم حيث يكفي ما لاقاه الإنسان في حياته الأولى وهذه المعتقدات إقليمية محدودة في مجموعات قليلة العدد نسبياً، وليس لها كتب مقدسة كقبائل الأزدك والأنكا من الهنود الحمر  ورغم اختلاف المجموعات البشرية  في درجة النمو والتقدم العلمي والتكنولوجي فإن  الإنسان لم يصل حتى اليوم إلى الثقة المطلقة في نتائج سلوكه وأفعاله، ولذلك يبقى الدين عنصراً رئيسياً في معظم الثقافات وعلى ضوء واقعنا المعاصر، نلاحظ أن للدين وظائف اجتماعية مهمة بجانب الوظائف الأخلاقية المعنوية المصقلة للضمير والموجهة لطبيعة العلاقة بين الإنسان وخالقه، ومن هذه الوظائف والنتائج الاجتماعية ما یلي:

1- يساهم بصورة فاعلة في وضع قيم ومعايير وقواعد تساعد الإنسان على تنظيم وتحسين حياته.

2- يساعد الإنسان على تحمل كارثة الموت للأحباء والأقرباء.

3- تنوع العقائد يؤدي إلى التدافع التنافسي لإصلاح حال الناس.

4- يضفي نوعاً من التقديس لمراسم الزواج، هذا الحدث المهم في حياة الفرد والوسيلة المتفق عليها لاستمرار بقاء المجتمع.

5- تؤدي الاحتفالات الدينية إلى نوع من التواصل الثقافي بين الأجيال.

6- يضفي نوعا من الجمال على النشاط الإنساني الهادف إلى الخير معنويا، ويدفع إلى تطوير الفنون من موسیقی وغناء ورسم وبناء وزخرفة، إلخ.

7- يلاحظ أنه في المجتمعات الفقيرة، يطلبون من الله مباشرة أن يفعل لهم ما يريدون بما يؤدي إليه ذلك من تواكل وقبول ببعض مظاهر الظلم الاجتماعي کقدر ليس فيه للإنسان دخل للعمل على إصلاحه. أما في المجتمعات الغنية فيطلبون من الله المعرفة والمقدرة على أداء العمل للحصول على ما يحتاجون.

8- يلاحظ أيضا في المجتمعات الغنية أن دور المعنويات والأخلاقيات يتقلص في الاقتصاد والمال، مما يؤدي إليه من فراغ عقائدي روحاني یزید الإحساس بعدم الأمان والضياع أمام الأزمات وكوارث الطبيعة.

9- يلاحظ أن العلاقات بين الأفراد والمؤسسات الدينية في المجتمعات الغنية أكثر تنظيما وقوة، وترتبط هذه المؤسسات مع بعضها البعض على المستوى الدولي ارتباطا وثيقا وخلاقا بعكس ما يحدث في الدول الفقيرة.

10- يلاحظ تناقص إنكار متع الحياة المادية كهدف لحركة الإنسان في المجتمعات الغنية، حيث إن الإنسان في المجتمعات الفقيرة يتسم بالزهد في متع الحياة وإنكارها کهدف؛ وذلك لسببين رئيسيين:

(أ) متع الحياة تتطلب المبالغة في الأنانية وإشباع الشهوات، مع ما يؤدي إليه ذلك من شراهة وطغيان وإفساد للحياة.

(ب) فقر الحياة وصعوبة تغييره وإلى الزهد في متعها، إذ إن ذلك هو الوسيلة الوحيدة للتوازن النفسي واستمرار الحياة.

من الملاحظ أنه نتيجة لتنوع الممارسات الدينية والعبادات على خلفية من نوع البناء الثقافي بين المجموعات البشرية، قد يظن البعض أن دينه يمتاز عن الأديان الأخرى، ومن بين هؤلاء البعض من يبحث في الأصول ویبرز نقاط الخلاف، والتي ظهرت في فترات زمنية متنوعة وظروف حياتية مختلفة، ولأسباب نفسية يجمع ويتعصب لها، مدعيا بأنها الحق كله، وما يؤدي إليه ذلك من انغلاق فکري، متناسياً نقاط المشاركة العديدة، وخاصة بين الديانات السماوية الثلاث، ومتناسياً كذلك النقاط  المشتركة العديدة المرتبطة بأعماق طبيعة النفس الإنسانية.

يذهب باحثون إلى أن نشوء الظاهرة الدينية كان لمواجهة المصاعب والمصائب التي تضرب الحياة الإنسانية، بيد أن الملفت حقاً أنه وبعد كل كارثة طبيعية أو حدث كوني مدمر ينقسم الناس إلى مذاهب عدة في قراءة ما حصل، فالبعض يرى أن  نظام الطبيعة إنما هو قوى عمياء ينبغي لجمها، ولا رب لها إلا العلم والإنسان، بينما يرى آخرون أن الوقائع الطبيعية المؤلمة إنما هي في حقيقتها تطهير من الآثام أو زجر للطغيان وهي سياط تأديب إلهي وانتقام رباني من المفسدين أو ابتلاء من الله، واختبار لصبر المؤمنين، وعمق إيمانهم، وفي مقابل أصحاب هذا التوجه يقف آخرون فيهينوا من يؤمن بتلك النظرة ويتساءلون عن حقيقة هذا الرب المزاجي والظالم الذي يتأثر بأفعال الناس التي هي بالأصل داخلة في علمه وقدره.

فلماذا  إذن تظهر تلك  الكوارث كعقوبة؟  ثم لماذا تقع على الناس أجمعين وليس على المقترفين الآثمين؟

ويستمر الجدل العبثي فيثير كل فريق غبار الكلمات المؤذية المضللة والمشوشة والتي تزيد من تيه الإنسان وهو ما سيدعم وجود استفسارات مستهزئة كمثل:

هل سيقبل المسلم أن يأخذ مصلاً ضد ذلك الوباء وقد صنعه الكفار؟ وأين الرب الذي يؤمن به هؤلاء كي يضع حداً لهذا الوباء؟

والمقتل في التفاسير المتناقضة لا يختزل في الجهل المزدوج بالحياة والكون والطبيعة الإنسانية وماهية الدين ولا في الضعف الفكري فحسب - ولا في عمق السطحية بل في:

1- الافتقار إلى المعنى الأخلاقي الذي يختزل الالتزام الديني والتصور الأخلاقي بازدراء أو احتقار الطرف الآخر والشماتة به.

2- القصور في الفهم الذي يصب في قهر الداخل الإنساني وإصابته في معاطب ومعايب عميقة جراء التناقض بين المواقف.

3- التشوه في التعامل مع المقدس فإما أن يقرأ الدين وكأنه حالة ترهيب أو تسفيه للعقول أو أن الدين لا معنى له غير الشماتة وقلة الفهم وعدم الجدوى والتواكلية.

لا بد من التأكيد  أن المعنى السياسي هو الحاضر الغائب في كل التفاسير وأنه الخيط الجامع بينها، حيث الدين المنوم والإنسان التائه المتردد والمتمرد على هويته من أكبر خدمة تسييد سلطات التوحش والظلامية، وإنما الكهانة الدينية والمافيا السياسية تنمو أعشابهما الشيطاينة في مساحات وعي مخدر يجعل من الدين حبة منوم فالله هو المنتقم وكل ما عليك هو الخلاص الفردي، والرب المنتقم سوف يخذل من يعاديك ويدمره كل ما عليك هو سبحة وأذكار ومواعظ وكفى وإن وجدت استعلاء من الآخرين عليك وأذية فهو ابتلاء وإذا حلت كارثة بقوم غير مؤمنين بدينك فاشكر الله على ذلك واشمت بهم.

وإن حلت كارثة أو وباء عليك فهو من تقصير في عبادتك وهو ما يلج بنا إلى نفق مظلم ودهليز مجتمعي يسكنه دراويش يرشدوننا إلى دروب اللاعقلانية.

ويزيد في الطين بلة أن يرد عليهم قوم لا يرون في الدين أي معنى قيمي ولا سلوك حياتي وإنما هو أكاذيب وأساطير، بل يتهمون الله بأنه سبب كل الكوارث وأن المتدين عقليته معلولة وتصرفاته مقهورة رعناء..

وبدل أن يعالج هذا الصنف من التدين المغشوش يقوم الطرف الآخر الذي يدعي العلمية بنسف الدين بأكمله ومن ثم ليقع الإنسان في ورطة أخرى فوق الكوارث الكونية الخواء الروحي والخوف أيضاً من المجهول والركون إلى ذاته هو بنفي استحضار معية الله ولطفه فيقتل ذاته ويؤله تصرفاته فيدفع ضرائب باهظة..

يتبع..

دلالات