الأميركي والكردي... ما بعد طالبان!

الأميركي والكردي... ما بعد طالبان!

16 سبتمبر 2021
+ الخط -

تتشدق بعض النخب السورية بالنباهة السياسية والأستاذية على العرق الكردي، ومن ثم يقومون بامتهان القومية الكردية واتهامها بأنها كانت وراء دخول القوات الأميركية إلى شمال شرق سورية، ومن بعد ذلك يقومون بالتنظير واتهام الكردي بأنه "حمار الأميركي"..

تتداول هذه الأوهام قواعد شعبية عريضة، وتتصدر وسائل الإعلام ومنصات المعارضة، بل ورأس النظام السوري، الأمر الذي يعمق الشتات السوري والتفرق والكيد البيني، فهل حقاً أرغم الكرد الأميركيين على احتلال مناطق في سورية؟ وهل الكردي هو بيدق أميركي؟ وهل نشر مثل هذه التقارير يفيد في بناء وطن واحد ونسيج متلاحم؟ وما قصة الحضور الأميركي في الداخل السوري ومتى بدأ؟ وما هي استراتيجية أميركا في سورية؟

يمكن تلخيص الاستراتيجية الأميركية في سورية بالأسباب المباشرة المعلنة، وتتمثل بمقاتلة "داعش" وأخواتها، وغير معلنة، كالوصول إلى تسوية سياسية تفضي إلى إنهاء حكم الأسد ومواجهة النفوذ الإيراني والحيلولة دون إقامة ممر بري يربط إيران ولبنان.

دخل الأميركيون إلى سورية في أكتوبر/تشرين الأول 2015، ونشرت الولايات المتحدة أول دفعة من جنود القوات الخاصة بواقع "خمسين جنديا" من القوات الخاصة في سورية في دور استشاري غير قتالي كأول حضور عسكري أميركي على الأرض منذ بدء الحرب السورية وتشكيل التحالف الدولي في أغسطس/آب 2014 بعد أحداث الموصل في العراق.

إذاً، كان الدخول الأميركي إلى سورية وفق توافقات دولية وتحالفات وليس بناء على رغبة ودعوة من كردي ولا عربي، بل كان بالتنسيق الأميركي والتركي والروسي والإيراني ونظام الأسد..

تظهر تلك التحالفات الميل المتزايد من قبل الفصائل الصغيرة والمشتتة والتي لا تتبنى السلفية الجهادية لتشكيل تحالفات أكبر تستفيد من السياسة الأميركية الجديدة

بل كانت أحد وعود ترامب الانتخابية القضاء على "داعش"، ومع استلام دونالد ترامب إدارة البيت الأبيض أوعز للبنتاغون في 27 ديسمبر/كانون الأول 2016 بإعداد خطة هجومية بقدر أكبر لمحاربة التنظيم في سورية وتقديمها خلال شهر، وخطة أخرى حول مناطق آمنة، في غضون 3 أشهر، في توافق تام مع ما سبق أن أعلنه خلال حملته الانتخابية، التي أكد خلالها على امتلاكه "خطة سرية" لمواجهة تنظيم "داعش"؛ وقدمت وزارة الدفاع خطتها للرئيس الأميركي تضمنت تدمير التنظيم على نطاق واسع، وتكثيف محاربته، ليس في سورية والعراق فحسب، إنما في العالم بأسره، تشمل حزمة من الإجراءات العسكرية والدبلوماسية والمالية، مع إعطاء القادة العسكريين صلاحيات أوسع لتسريع عملية اتخاذ القرارات.

هل اقتصر التعاطي الأميركي مع المشهد السوري على الكردي فحسب؟ لا، لم يكن كذلك، حيث قيل إن البنتاغون أنفق خلال بضعة أشهر من عام 2015 أكثر من 384 مليون دولار على تدريب وتسليح 180 عنصراً من المعارضة السورية، لكن سرعان ما انقطعت العلاقة مع فصائل من "الجيش الحر" بعدما قام الأخير بتسليم الدعم المالي والعسكري الأميركي إلى "جبهة النصرة" عام 2015.

بعد عشرة أيام فقط على التدخل العسكري الروسي، أعلنت الإدارة الأميركية في التاسع من أكتوبر التحول لدعم وحدات من المعارضة العربية التي تقاتل حالياً في سورية. وقد دفع ذلك بعض مجموعات المعارضة، التي تأمل بالاستفادة من التطور الجديد في السياسة الأميركية، إلى تشكيل تحالفات وطنية متخلية عن الأسماء والشعارات الدينية.

إحدى تلك المجموعات كان "جيش الشام"، إذ تأسس في التاسع من أكتوبر 2015، ويضم "عشرات الكتائب الصغيرة والمبعثرة في عموم الساحة"، كما قال قائد التشكيل الجديد محمد طلال بازر باشي. واتخذ "جيش الشام"، والذي كان مؤسسوه أعضاءً بارزين في "حركة أحرار الشام" و"جبهة النصرة"، شعار "ثورة على الطغاة والغلاة"، في إشارة إلى نظام الأسد والتنظيمات المتشددة، كما اتخذ من علم الثورة السورية راية له في ما يمكن أن يعتبر تحولاً هاماً يتمثل بالتخلي عن الرايات السوداء والبيضاء التي تحيل إلى "السلفية الجهادية".

كما أعلنت ثلاثة فصائل من "الجيش السوري الحر" عن توحدها واندماجها تحت راية "جيش النصر"، وذلك في 24 أكتوبر. كما تشكلت خلال تلك الفترة "قوات سورية الديمقرطية" و"جيش سورية الجديد"، والتي تلقت أسلحة وذخائر من الولايات المتحدة، كما أعلن المتحدث باسم التحالف الدولي ضد "داعش". وكذلك الحال، في الثامن من ديسمبر 2015، قبل يوم واحد فقط من انطلاق مؤتمر في الرياض لتوحيد الفصائل المعارضة للنظام السوري، أعلنت كل من "فرقة المشاة 101" و"لواء فرسان الحق" الاندماج وتشكيل "الفرقة الشمالية". تظهر تلك التحالفات الميل المتزايد من قبل الفصائل الصغيرة والمشتتة، والتي لا تتبنى السلفية الجهادية، لتشكيل تحالفات أكبر تستفيد من السياسة الأميركية الجديدة.

في نهاية هذا الاستعراض السريع، يظهر سعي كل الفصائل السورية لكسب الدعم الأميركي، كما لا بد من التأكيد على أن:

1. الحضور الأميركي لم يكن حسب الطلب السوري بعربه وكرده.
2. الكل لم يتمنع من الغزل وخطب ود الأميركي.
3. بقاء الأميركي ليس بقوة الكردي وأن حضوره ليس بطلب الكردي.
4. الساحة السورية تخضع لتقاسم الدول المجاورة، فالبعض تحت:

• إمرة التركي، والتركي لا يعمل إلا ضمن الدور الوظيفي الأميركي.
• البعض تحت إمرة الأميركي مباشرة.
• البعض مع إيران وروسيا.

أي أن الجميع بيادق مأمورة وبنادق مأجورة.

يتبع..

دلالات