فوضى المصطلحات (2)

فوضى المصطلحات (2)

19 فبراير 2024
+ الخط -

مصطلحات وافدة لها مقابل مطابق

هذا النوع من المصطلحات يكون التطابق بين الوافد والموجود لدينا في اللفظ فقط، وهنا (نتوهم) أن لفظتنا العربية هي نفس المصطلح الوافد، والواقع أن ترجمتنا العربية وضعت لفظتنا العربية مقابلاً (شكلياً) للمصطلح الوافد، ولعل كلمة (الذرّة) دليل على ذلك؛ فالذرة هي الترجمة للفظة اللاتينية (atom)، وتعني غير القابل للانقسام إلى أجزاء أصغر، وقد صاغ هذا المصطلح الفيلسوف اليوناني ديمقريطس في القرن الخامس قبل الميلاد.

فهل ترجمة هذا لمصطلح بـ (الذرّة) صحيحة؟

وهل تقوم لفظة الذرة بهذا المعنى؟

جاء في لسان العرب: "الذرّة ليس لها وزن، ويُراد بها ما يُرى من شعاع الشمس الداخل من النافذة"، ويضيف ابن عاشور في تفسيره أن لفظة الذرّة تُطلق على "ما يتطاير من التراب عند النفخ".

فأين هذه المعاني من دلالة مصطلح الذرّة العلمي؟

إذا علمنا أن ابن فارس في مقاييس اللغة يرى أن الجذر "(ذرر) الذال والراء المشددة أصل واحد يدل على لطافة وانتشار، ومن ذلك الذَّرُّ: صِغار النَّمل، الواحدة ذَرّةٌ، فأين ذلك من مدلول atom ؟

أليست الترجمة الأصح لها هي (الجوهر الفرد) كما يقول صاحب الحدود الأنيقة: "الجزء الجوهر الفرد: الذي لا يتجزأ"، أليس هذا عين كلمةatom ؟!

ولو أن الأمر اقتصر على مصطلح تداول بين أهل الاختصاص من رجال الفيزياء والكيمياء وغيرهم من أصحاب العلوم التطبيقية لهان الأمر، ولتم قبول لفظة (الذرّة) كمصطلح متعارف عليه، لكن الأمر خرج إلى نطاق نص مقدّس – وهو القرآن الكريم – فتم (تطويع) الآيات التي تتضمن لفظة (ذرّة) في الدلالة على (سبق القرآن الكريم للعلوم الحديثة)، وأن تلك اللفظة هي مراد القرآن في تلك الآيات!

متناسين أن لفظة (ذرّة) هي ترجمة لمصطلح وافد، وليست كلمة أصيلة في لغتنا العربية بنفس دلالة المصطلح الوافد.

أليس الأولى التريث قبل الاستعجال في (اعتماد) الإعجاز العلمي على ألفاظ من مثل هذه الألفاظ حفاظاً على مكانة القرآن الكريم وألفاظه من التلاعب فيها؟

مصطلحاتنا الخاصة

وكما أشرنا إلى أن الضابط  للتعامل مع المصطلحات الوافدة هو أخذ مدلول المصطلح من بيئته التي ولد فيها، فيجب علينا أن (نصدّر) مصطلحاتنا الإسلامية والعربية الخاصة بنا إلى (الآخر) على حسب مدلولها الحقيقي في بيئتنا، لا كما أراد مترجموها لديهم، حتى لا تتشوه معاني تلك المصطلحات؛ فمصطلح مثل (الجهاد) ذي المدلول الواسع غير (القتال) لدينا (فيشمل جهاد النفس والآخرين المال والكلمة إلى جانب الجهاد العسكري في حالاته الخاصة)، تم ترجمته بمعنى مشوه، تقول الدكتورة أمينة أدردور: "جُل المعاجم الفرنسية تترجمه بـ « la guerre sainte» مما يضفي على هذا المفهوم معنى سلبياً. إذ أنها عممت مظهراً واحداً من مظاهر الجهاد، أي الجانب العدواني (العنف، الصراع، الحرب)، وطمست بقية المظاهر الأخرى. وهذا ما نلمسه في عدة كتابات تطعن في الإسلام بحجة أنه دين عدواني "انتشر بحد السيف"، على حد تعبير ماكدونالد في دائرة المعارف الإسلامية".

وأخيراً كلمة (رب) أو (إله) التي تقابل في الإنجليزية God، لكن تعاملنا مع هذه اللفظة الإنجليزية لا أراه صائباً، لأن اللفظة عندهم لا تدل على الإله إلا من وجهة نظرهم – القائم على الثالوث المقدّس – لا كما هو الحال عندنا القائم على التوحيد الخالص، والذي يندر أن نجده في ملة غير الإسلام، لذا الأفضل أن نتعامل مع لفظ: رب أو إله بالمفردة Allah كمصطلح خاص بنا.

والله أعلم.

عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
كاتب ومهندس من اليمن، مهتم بالعلوم ونشر الثقافة العلمية. لديه عدّة كتب منشورة إلكترونيا. الحكمة التي يؤمن بها: "قيمة الانسان هي ما يضيفه للحياة ما بين حياته ومماته" للدكتور مصطفى محمود.
عبد الحفيظ العمري