عن الوجه الجميل للتضامن

عن الوجه الجميل للتضامن

06 اغسطس 2023
+ الخط -

تبدو بعض الطباع الشخصية وكأنها هبة ربانية، خاصة إذا ما لبت حاجة ملحة لأشخاص يحتاجون العلم، أو أكملت شروط المعرفة والعلم والخبرة بميزات خلقية. لكنها تتحول إلى قاعدة ونظام عمل، إلى شبكة من التفاعل والتراضي، وربما تساهم بعض الطباع رغم أنها شخصية تماماً في إكمال النقص في مشهد عام يتطلب تقديم الوجه الحقيقي والجميل للتضامن الحي بين الأفراد.

من الضروري جداً لتحقيق التضامن قبل تعميمه تماهي هوية المتضامن مع مستحقي التضامن. ربى سيدة تذهب طوعاً إلى الأحياء الفقيرة، تتدخل قليلاً في مجريات حياة النساء والأطفال، شكلها يوحي بالبساطة وهذه هبة تبدو محببة بل ومطلوبة لمثل هذا العمل، تحب البطاطا المقلية ملفوفة برغيف كامل من الخبز، تأكله بنهم وبشهية عالية، وكأنها لم تذق طعاماً منذ الأمس، تعبّر كالأطفال عن سعادتها بأي نوع من الطعام، ترفض الأكل وحيدة وتحوّله إلى وليمة احتفالية مبهرة بمجرد وجود شخص آخر معها ليشاركها لذة الحضور قبل لذة الطعام، والشعور بالاكتفاء قبل الشعور بالجودة، وغنى النكهات قبل التعرف إلى مكونات الوجبات الممنوحة أو المقدمة بحب بالغ دون، أي شكليات أو كليشيهات أو مقدمات نظرية أو لوجستية.

صدقتها نساء تلك الأحياء، قلن عنها إنها حقيقية وتشبههن، إنها بسيطة وعفوية فعلياً، هي لا تحب اللحم وقد توقفت عن تناوله منذ أحد عشر عاماً، لم تخبرهم عن سبب رفضها لتناول اللحم، ولم تسمع النساء هنا ببدعة النباتيين، ولا يصدقن أن أحداً يتوفر له اللحم ويرفض تناوله.

قررت نساء أحد الأحياء إحياء حفلة كبيرة قوامها وجبة مشكلة من الخضار المقلية، نصبوا المقلى الكبير في ساحة الحي، شاركت كل النساء بشراء الخضراوات وتحضيرها

تتماهى شخصية ربى مع واقع الأحياء الفقيرة ونسائها، تغسل رأسها من الصنبور المرتجل والمركّب بطريقة بدائية على برميل بلاستيكي في العراء، فيصير مكاناً للاستحمام وللغسيل ولتنظيف الصحون وإعداد الطعام.

تغسل رأسها هناك بخفة وسعادة، تماماً مثل بناتهم وصبيتهم وبصابونة عادية أيضاً، يوزعونها عليهم في صناديق المساعدات، لم تقصد يوماً أن تبتدع طريقة خاصة للعيش، لكنها وبالصدفة البحتة وربما هذا هو طبعها الحقيقي كانت أقرب إليهم من أهلها، من أقاربها ومن طريقة عيشهم اليومية، لم تدّعِ البساطة لأنها تؤمن بخبرة الفقراء في كشف كل ادعاء.

قررت نساء أحد الأحياء إحياء حفلة كبيرة قوامها وجبة مشكلة من الخضار المقلية، نصبوا المقلى الكبير في ساحة الحي، شاركت كل النساء بشراء الخضراوات وتحضيرها، أحضروا كمية متساوية من زيت القلي وعندما أزفت ساعة البدء واشتعلت نار الموقد الكبير فاحت رائحة الزيت والخضار الطازجة وخاصة البطاطا والبصل وحبات الفلفل الأخضر والباذنجان في الأجواء.

لا أطباق فردية ولا ملاعق ولا مناضد لصف الطعام عليها، أرغفة جوالة من يد ليد، تملأ فورا من المقلى ويضاف اليها حسب الرغبة الملح وبعض قطع البندورة أو المخلل البيتي المكبوس في عبوات ماء بلاستيكية، لتشكل وجبة دسمة، وجبة مشبعة تطرد الجوع وتهزأ به.

اشترطت عليهن إعداد لفافات صغيرة من كل نوع، كي تكسب كافة المذاقات، كي تندمج في سحر النكهة وقوة اللحظة ونعمة وجودها هنا، قريبة جدا منهن ومن الأطفال ومن نفسها.

هنا وفي هذه الأماكن وفي خضم هذه الأجواء لا حاجة للسير المهنية المرتبة والمكتوبة بعناية وحرفية وربما بعدة لغات، تنتفي الحاجة هنا لتسأل عن سعر أي نوع من الخضار وعن عدد المرات التي تم فيها استعمال الزيت النباتي للقلي، مع الوقت باتت ربى تعرف وبدقة من مخلل أي سيدة تأكل، وتعرف سر كل نكهة تحفل بها لفافة دون سواها لأن إحداهن أضافت الكزبرة اليابسة أو بعض أوراق البقدونس إليها.

للتضامن وجه جميل، معطاء وبسيط، فقط امنحه فرصة للإعلان وعشه، وكأن الحياة حينها تعيش معك ولك وبك.

سلوى زكزك/ فيسبوك
سلوى زكزك
مدوّنة سورية تقيم في دمشق. تكتب مقالات وتحقيقات صحافية. وصدرت لها ثلاث مجموعات قصصية. تكتب في مواضيع النسوية والجندر وتهتم بقضايا العنف الاجتماعي.