ذكريات كؤوس العالم

ذكريات كؤوس العالم

24 نوفمبر 2022
+ الخط -

جاء العشرون من نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، وانطلقت صافرة البداية لمباريات كأس العالم لكرة القدم 2022، التي ستجرى لأوّل مرّة على أرضٍ عربية، في دولة قطر.

وهنا أسجل استغرابي من بعض وسائل الإعلام التي تُصرّ على وصف الموضوع أنه أول مونديال يُقام على أرض مسلمة! ما دخل الإسلام في الموضوع؟ والأعجب، بالنسبة لي، استخدام لفظة مونديال بدلاً من بطولة كأس العالم!

ولأن كأس العالم لكرة القدم له تاريخ ممتد منذ ثلاثينيات القرن الماضي، فإنّ له ذكريات ارتبطت بنا، نحن جيل الثمانينات، الذي لم تسرقه التكنولوجيا الحديثة من الشاشة الصغيرة، وهنا أسجل خواطر منها. 

انتهت مباراة كأس العالم 2018، وحاز الفرنسيون الكأس للمرة الثانية في تاريخهم؛ بعد أن فازوا به لأوّل مرة عام 1998م، أي قبل عشرين سنة كاملة.

هكذا نحن العرب، لا نذكر مبدعينا إلا حينما يلمع نجمهم في بلد الغربة!

أتذكر أوّل مباراة عملاقة شاهدتها للمنتخب الفرنسي، كانت ضد منتخب البرازيل في الدور ربع النهائي في كأس العالم 1986، آنذاك كنتُ في السادس الابتدائي، وتوقيت المباراة عشية أول أيام الامتحانات، ومع ذلك، تابعتُ المباراة في أشواطها الأربعة، الأصلية والإضافية، قبل العمل بالهدف الذهبي؛ إذ انتهى الوقت الرسمي بنتيجة سلبية ولم تحسمها إلا ضربات الترجيح، التي رجّحت كفة فرنسا على البرازيل، بالرغم من أنّ كبار اللاعبين من الفريقين أضاعوا ضربات جزاء؛ أمثال ميشيل بلاتيني الفرنسي (الذي أصبح رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بين عامي 2007 و2015) وسقراط دي أوليفيرا البرازيلي (الذي مات عام 2011).

بيد أنّ فرنسا خسرت أمام ألمانيا بعد ذلك، فتأهلت هذه الأخيرة لتلعب النهائي مع الأرجنتين، التي فازت بالكأس آنذاك، وسطع نجم اللاعب الأسطورة دييغو مارادونا.

ومرّت السنوات، وجاءت نهائيات كأس العالم 1998، أي بعد 13 سنة، والتي أقيمت في فرنسا. وفي النهائي، التقى المنتخبان الفرنسي والبرازيلي لتفوز فرنسا، ويصبح أوّل كأس تحرزه في تاريخها. يومها سطع نجم اللاعب ذي الأصول الجزائرية زين الدين زيدان. وعندما سطع نجمه، تذكّرنا أن زين الدين زيدان جزائري! تمامًا، كما حدث عندما فاز الدكتور أحمد زويل بجائزة نوبل في الكيمياء عام 1999، فتذكّرنا أنه مصري! وأيضا، عندما أصبحت نجاة بلقاسم وزيرة لحقوق المرأة والناطقة الرسمية باسم الحكومة الفرنسية عام 2012، تذّكرنا أنها مغربية!

هكذا نحن العرب، لا نذكر مبدعينا إلا حينما يلمع نجمهم في بلد الغربة! ولم نسأل: لماذا تألّقوا هناك خارج الحدود، وخفتوا في بلدانهم؟

نعود لمباراة عام 1998، حينها كنتُ طالبًا أدرس الهندسة الميكانيكية في مستوى ثالث في العراق، وكانت سنة 1998 سنة مفعمة بالأحداث التي اجتاحت بغداد، لعل أهمها ضربات الصواريخ والطائرات عليها في شهر رمضان الكريم آنذاك، ولهذا حديث آخر ربما في قابل الأيام. 

يوم المباراة، كنتُ ساكنًا في حي الأثوريين في منطقة الدورة، جنوب بغداد، وكان أصدقائي ينتظرونني لمشاهدة المباراة معهم في منطقة القاهرة، شمال بغداد، فتوّجب عليّ أن أجتاز بغداد من طرفها إلى طرفها لمشاهدة المباراة، وهذا ما تم!

لم يلبس أيّ حاكم عربي قميص منتخب بلاده في كأس العالم

مشوار طويل عبر طريق القادسية السريع الذي أوصلني مع صافرة البداية، لكن المباراة بدت فاترة من جانب الفريق البرازيلي، فريقي المفضّل!.

اللافت للنظر أنّ الرئيس الفرنسي الأسبق، جاك شيراك، كان حاضرًا المباراة ومرتديًا قميص المنتخب الفرنسي، وفازت في النهاية فرنسا بكأسها الأول.

صار حضور السياسيين المباريات الختامية أمرًا تقليديًا؛ فلا نزال نذكر حضور المستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل، نهائي كأس العالم 2014. يومها، فازت ألمانيا، وكرّمت المستشارة ميركل المنتخب، لكنها لم تلبس قميص الفريق بل ملابسها المعهودة.

وفي نهائي كأس العالم 2018، حضرت الرئيسة الكرواتية، كوليندا كيتاروفيتش، ومع ذلك، فقد خسر فريقها المباراة أمام فرنسا.

لم ألقَ حاكمًا عربيًا لبس قميص منتخب بلاده في مباراة كأس العالم، ربما لعلمهم أنّ أي فريق عربي لن يتأهل حتى دور الـ8 (منتخب المغرب هو المنتخب العربي الوحيد الذي تأهل إلى دور الـ16 في كأس العالم 1986)، فما بالكم بالمباراة النهائية؟!

شاهدتُ مباريات كأس العالم لأعوام 1986 و1998 و2014 و2018، فلو استثنيا عام 2014، فإن الجامع بين الأعوام الثلاثة الأخيرة هو الرقم 8، وهو رقم الدور الذي لم يصل إليه العرب حتى اليوم!

وكل كأس عالم وأنتم طيبون.

 

عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
كاتب ومهندس من اليمن، مهتم بالعلوم ونشر الثقافة العلمية. لديه عدّة كتب منشورة إلكترونيا. الحكمة التي يؤمن بها: "قيمة الانسان هي ما يضيفه للحياة ما بين حياته ومماته" للدكتور مصطفى محمود.
عبد الحفيظ العمري