حدث ويحدث في فلسطين

12 أكتوبر 2023
+ الخط -

عند كلّ منازلة تحدث بين فصائل المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني، أخوض أنا وصديقي الليبرالي، حواراً فكرياً صاخباً حول ما يجري؛ إذ يتهمني بأنّي عاطفي، وأفكّر بطريقة العنتريات القديمة عندما أعبّر عن تضامني مع ما تقوم به المقاومة، في حين يرى هو أنّ ذلك بمثابة انتحار، وعدم حساب لموازيين القوى غير المتكافئة! وطيلة فترة المواجهات، لا تقف المواجهات بيني وبينه!

الواقع، ليس هذا منطقه وحده، بل هو منطق قطاع عريض من "العقلانيين" الذين يتحدثون عن الموضوع بطريقة عميقة، وقد حشدوا الكثير من الأدلة التي تثبت أنّ ما تقوم به المقاومة الفلسطينية مجرّد حرث في البحر، وأنّها بذلك تعطي للكيان الصهيوني المبرّر لضرب المدنيين العزّل في غزة!

أقول، العدو الصهيوني كان سيهاجم ويقتل ويدمّر بوجود صواريخ أو بدونها، ومنْ يقرأ الماضي القريب سيجد أنّ العدوان هو نفسه، فليست صواريخ المقاومة هي السبب! وماذا تريدون من أهل غزة أن يفعلوا؟ أن يسلّموا رقابهم طيّعة للذبح والقتل بأيدي عدوهم؟

إنّ المقاومة تقوم بواجبها فلا تخذلوها! وكذلك هذا الصمود الأسطوري لأهل غزة ضد آلة القتل الصهيونية بطياراته ومدافعه، هو ما يجب أن نقف معه ولو بالكلمة، بدلاً من حالة الخذلان التي شلّتنا جميعاً.

العدو الصهيوني كان سيهاجم ويقتل ويدمّر بوجود صواريخ أو بدونها، ومنْ يقرأ الماضي القريب سيجد أنّ العدوان هو نفسه، فليست صواريخ المقاومة هي السبب!.

أما عن حساب العقل والتعقّل، فمتى كانت الحرب، أيّ حرب، عقلانية؟ وكذلك لا أظنّ أنّ المقاومة كانت ستدخل هذه المواجهة بدون مراجعتها لواقع الأرض، الذي هم يعرفونه أكثر منّا. 

فلا داعي للتنظير الكثير والمزايدة على ما تقوم به المقاومة، وإذا لم يكن منّا دعوة خير لهم، فلنمسك عنهم ألستنا، بدلاً من التشكيك بما يعملونه، والدعاوى التي تصبّ في مصلحة عدوهم لا غير، سواء صنعنا، هذا بحسن نية أو بسوئها!

إنّ الكيان المحتل للأرض لا يفهم أيّة لغة غير لغة القوة والسلاح، وما صنعته المقاومة في فجر السبت 7 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، كان مبهراً بكلّ المقاييس العسكرية، وأظهر أنّ هذا "البعبع" الذي صوّرته لنا وسائل الإعلام الغربية، ومن ورائها وسائل إعلامنا العربية للأسف، ليس سوى دمية منفوخة لا أكثر.

وإلى الذين يستغربون من التصريحات الغربية التي صدرت وكانت منحازة للجانب الصهيوني المعتدي على أصحاب الدار المقاومين أقول: أنا لا أستغرب أبداً؛ فإنكم لو قرأتم التاريخ، وبالذات تاريخ نشوء الصهيونية واحتلالها لفلسطين منذ البداية، فلن تستغربوا، ولكن منْ لا يقرأ التاريخ لا ذاكرة له!

دعونا من الاستغراب لما تقوم به دول الغرب، بل إنّ الأغرب هو ما لا تقوم به أنظمتنا العربية التي لم تنبس ببنت شفة حول ما يجري!

دعونا من الاستغراب لما تقوم به دول الغرب، بل إنّ الأغرب هو ما لا تقوم به أنظمتنا العربية التي لم تنبس ببنت شفة حول ما يجري!

لقد ولى عصر الشجب الجميل، كما يشرحه الكاتب أحمد خالد توفيق، بقوله: "لم نكن راضين عن عصر الشجب قديماً، عندما كانت الحكومات العربية تكتفى به ولا تفعل أي شيء.. الآن من يعيد لنا عصر الشجب الجميل هذا؟ لم نعد نطلب سوى الشجب".

 حتى هذا السلاح الفتاك تخلّت عنه حكوماتنا المحترمة! أما جيوشها الجرارة، فها قد عرفنا لمنْ تدخرها تلكمُ الحكومات المحكومات، إنّها لقمع الشعوب المغلوبة على أمرها، ولتثبيت كرسي الحاكم بأمره، وفي أحسن الأحوال للاستعراضات الميدانية!

أخيراً، يقول الشاعر عبدالله البردوني: 

فلتسلمْ فلسفةَ الأيدي … ولتسقطْ فلسفةَ الأذهانْ

كلُّ الأوراقِ بما حملتْ … تشتاقُ إلى ألفي طوفانْ.  

عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
كاتب ومهندس من اليمن، مهتم بالعلوم ونشر الثقافة العلمية. لديه عدّة كتب منشورة إلكترونيا. الحكمة التي يؤمن بها: "قيمة الانسان هي ما يضيفه للحياة ما بين حياته ومماته" للدكتور مصطفى محمود.
عبد الحفيظ العمري

مدونات أخرى