الخطاب الإسرائيلي المعاصر في "طوفان الأقصى"

الخطاب الإسرائيلي المعاصر في "طوفان الأقصى"

11 أكتوبر 2023
+ الخط -

"نحن نحارب حيوانات بشرية" 

(وزير الدفاع الإسرائيلي) 

إنّ  "طوفان الأقصى" ليس عملية فحسب، بل هو مكان "الأقصى" كما يدلّ اسمه، وللمكان خطابه الخاص، أو هو يُخاطب بطريقة خاصة. "الأقصى" اليوم، له خطاب تنفيذي، هو الخطاب الفلسطيني الأوّل من نوعه، من حيث حقّ تقرير الفعل والتوقيت مع بقائه في حيّز السرية بأمان عن التجسّس الاستخباراتي. ولكن هناك تحوّلاً بنيوياً في الخطاب الإسرائيلي الموّجه للفلسطينيين، بحيث انحرف عن مساره السياسي والعقائدي ليغدو خطاباً عنصرياً بحتاً يستعمله الإسرائيلي في تبرير جرائم حربه، أو تحديداً لإضفاء الشرعية الإنسانية في الهجوم، لا الدفاع عن نفسه، ليكون أيّ عمل عنفي مبرّراً أخلاقياً ودولياً. 

من اللافت أنّ هذا الخطاب قد أدّى غايته، إذ رأينا التعاطف الدولي الأوروبي والعربي مع الإسرائيلي؛ فالأوّل دافع عن حدود إسرائيل المزعومة، في حين الآخر دافع عن ضرورة حقن الدماء في الوطن العربي بعدم التعرّض لإسرائيل!

 إنّ الإيمان بحقن الدماء في القضية الفلسطينية ما هو إلّا اعتراف مقنّع بشرعية إسرائيل بطريقة أو بأخرى، نحن نحقن الدماء في حالة الأخوّة، ولكن بين فلسطين وإسرائيل حالة عداوة، بل اعتداء صريح واستيلاء واستلاب للهوية الفلسطينية، لذلك لا يمكن أن نقول "حقن الدماء"، بل يمكن أن نصطلح عليه "تواطؤ" من أجل تمرير سلام مزيّف وواهم مع إسرائيل. كما أنّ بعض الدول التي عانت من تقسيم "سايكس بيكو" كان لها موقف في دعم طوفان الأقصى، وإن سياسياً على الأقلّ، لأنّها تدرك أنّ التقسيم هذا وإسرائيل وجهان لعملة واحدة. فكما قسّم الغرب الشرق، فإنّه أيضاً قسّم الشرق الأوسط بناءً عليه، وكأنّ العالم جبنة "بيكون" وهناك مُستعمِرة أحادية مسعورة لتأخذ القطعة الأكبر. 

من الجدير بالذكر في تحرّك "طوفان الأقصى" أنّه برزت المسافة بين السياسي والعسكري؛ فالأوّل مجرّد مخاوف وهمية وقلق ارتيابي وتشوّش ذهاني، في حين الآخر (العسكري) قرار ميداني وحزم عقائدي وشجاعة إنسانية، إذ أثبت "الطوفان" للجميع أنّ تحرير فلسطين هو قرار عسكري بالدرجة الأولى لا حسابات سياسية. وإذا كنّا نخاف من الوهمي واللعوب في السياسة، فنحن جبناء يليق بنا أن يُستحدث عنّا مسلسل "توم وجيري الشرق"، وإذا كنّا نقرّر مصيرنا بأياد مسلّحة، وبعقول تكتيكية، فنحن تليق بنا سلسلة جيمس بوند العربية، أمّا في حالتنا هذه، الانشطارية بين مؤيّد ومعارض لطوفان الأقصى، مخالفين فيها الحلم والضمير العربيين، فلا تليق بنا إلّا لعبة "pubg" الافتراضية.

أثبت "طوفان الأقصى" للجميع أنّ تحرير فلسطين هو قرار عسكري بالدرجة الأولى لا حسابات سياسية

من اللافت أيضاً في تحرّك طوفان الأقصى هو أنّ الخوف منزوع من قلوب الفلسطينيين، فالفلسطيني تعايش مع المحتلّ الإسرائيلي لدرجة فهمه فهماً تاماً إلى أن أصبح لا يخاف منه، ونستحضر هنا بيت عنترة في العصر الجاهلي: "ومدجج كره الكماة نزاله.."؛ فنحن لا نخاف من شيء نعرفه حقّ المعرفة. هذا إن دلّ على شيء، فإنّه يدلّ على اندماج اجتماعي سالب لا موجب مع الإسرائيلي، ولن يكون موجباً على الإطلاق، هو حيث من المفترض أن يكون، بالطريقة التي ينبغي أن تكون، ومؤيّد لما يكون حالاً وفعلاً.

في الختام لا يسعني إلّا أن أستحضر أوبريت الضمير والحلم العربيين رغبة في إقامة وحدة عربية في اتحاد وطن عربي واحد:

ماتت قلوب الناس/ ماتت بنا النخوة/ يمكن نسينا في يوم/ إنّ العرب إخوة/ أنا عايزة العالم كلّه يمدّ كفوفه سلام/ والسلم العربي يكون سلام مش استسلام/ أجيال ورا أجيال هتعيش على حلمنا/ واللي نقوله اليوم محسوب على عمرنا/ جايز ظلام الليل يبعدنا يوم إنّما/ يقدر شعاع النور يوصل لأبعد سما/ ده حلمنا طول عمرنا/ حضن يضمنا كلّنا كلّنا.

مصطفى أمين
مصطفى أمين
كاتب وشاعر من لبنان، حاصل على بكالوريوس في اللغة العربية وآدابها من الجامعة اللبنانية. مهتمّ بالفكر والأدب والفنون والمسرح.