الجيل القادم... قادمٌ يا غزّة!

الجيل القادم... قادمٌ يا غزّة!

17 ابريل 2024
+ الخط -

يجلسُ محدِّقًا بسقفِ الخيمة، أو بسقفِ المستشفى، أو بسقفِ السماء التي تتشكّل من "زنانات" متجاورة، يتذكر صور أهله الذين استُشهد منهم من استُشهد، وبقي هو وحده، يبحث عن الحياة في أوراق الخبيّزة البائسة، وبالقرب من هدفه المرجو، وشبعه الموهوم، حيث يحول الجنود بينهما، كان نصيبه خمس رصاصات في جسمه الصغير، لتتحوّل مأساة الجوع إلى مأساة الموت، التي لم تتوقف عند ذلك الحد، وإنّما اكتملت باعتقالِ جسده الذي على وشك التحوّل إلى جثمان، لولا الله!

ثم بعد مدّة أُفرج عن "نمر"، وحين سأله المصوّر عمّا يريده، قال إنّه يريد أن يكبر ليضرب من ضربه بالشكل نفسه، وليدوس على رأسه كما داس رأسه، ولينتقم من الاحتلال. يتحدّث نمر، وليس في جسمه الصغير موضع سالم من ندبةٍ أو جرحٍ أو موضعِ رصاصةٍ، وليس في قلبه الكبير متسعٌ لحزنٍ أكثر من ذلك، وليس في صدره الصغير مساحة إلا لطفولةٍ من حقه أن يعيشها، لكنه يدع ذلك جانبًا، ويترك الطفولة لأطفالها، أمّا هو فيخزّن في مكانٍ لا يعلمه غيره، ذلك الثأر متقدًا، وذلك الانتقام المطبوخ على مهل، لأعوامٍ قادمة، لن تطول، لكنه حين يخرج من مكمنه، ويغادر النمر عرينه، فستكون ضرضرته مُدوية، وانتقامه تاريخيًّا.

ستُفاجأ إسرائيل في معركتها الأخيرة للزوال، بجيشٍ كامل من الأيتام

الجيل الأول رأى أهله يُسحلون في النكبة، ويُذبحون، ويُغدر بهم على حين غرّة، دون انتباه ولا حساب، فتعلّم إمساكَ الحجارة، ثم الجيل الثاني الذي عاش النكسة وفصولها، ورأى المزيد من فلسطين يضيع، ويُنهب، ويُسرق على مرأى من الجميع، تعلّم أنْ يُمسك السكين، وانتفض بعدها بعشرين عامًا انتفاضته الأولى، وتعلّم كيف يقلب أمن إسرائيل، ثم الجيل الثالث الذي رأى المستوطنات تتفشّى، والحصار يشتد، والاحتلال يتوغّل، والأقصى يُنتهك، والمقدّسات والبشر يُبادون، تعلّم تفجير الباصات، وعرف صنع البارود، وتمرّس في حفرِ الأنفاق، وتجرّأ على اقتحام إسرائيل بدلًا من انتظار اقتحامها. كلّ تلك الأجيال رأت من مجازر الاحتلال ما رأته، وعايشوا المذابح والمسالخ، لكنهم لم يعيشوا إبادةً بهذه الدرجة، ولا بمعشارها، ولا في أيّة حربٍ سابقة، ولا في أيّ عدوان، ولا في أيّ مكان، ذلك الفيضان الدامي منذ ستة أشهر، والإعدام الجماعي، والمقابر المنبوشة، والمجنزرات التي تسحق العظام، والجثث التي يُمثّل بها، والأعراض التي تُنتهك، والملابس الداخلية التي يُمثّل بها الجنود، والشرف الذي يحاولون تدنيسه، حاشا لغزّة وشرفها وشرفائها، كلّ ذلك سينتج عنه جيل، رآه، وعايشه، وسيُفاجئ إسرائيل، بل وأقول إنّه سيُفاجئنا جميعًا بحجم الثأر الذي خزّنه، وبشكلِ الثأر الذي سيأخذه، وبطريقةِ الثأر التي سينتهجها!

ذلك الجيل القادم يا غزّة، يا عالم، لن يمهلنا الكثير حتى يفتك بجميع من أهانوه وطعنوه وخذلوه وذبحوه، لن يترك مساحةً للشكّ، ولن يدع مجالًا للرأفة، ولن يعتمد على المبالغة في أخلاقيات المقاوم، ستكون أخلاقه أن يثأر لعرضه وأرضه وشرفه وأهله الذين رحلوا، ستُفاجأ إسرائيل في معركتها الأخيرة للزوال، بجيشٍ كاملٍ من الأيتام!