يسعى بشار الأسد إلى استباق التطورات، لكي يفرض إعادة التجديد له رئيسا للمرة الرابعة منذ عام 2000 في الانتخابات الرئاسية المقرّر إجراؤها في الربيع المقبل خيارا لإيران وأمرا واقعا لروسيا التي ما زالت تراهن عليه ورقة التفاوض مع واشنطن.
انتصار زعامات السنة في لبنان لرئيس الحكومة حسان دياب نماذج بدع وروائع تحالف زعماء المليشيات والطوائف ورجال الأعمال في لبنان تجعلنا نعتقد أن الانتفاضة الشعبية، أو الثورة العفوية كما يحب أن يسميها بعضهم، ما زالت في بداية طريق طويل ووعر.
مع جولات التفاوض اللبنانية الإسرائيلية لتعيين الحدود البرية والبحرية، يجد حزب الله نفسه في محاولة يائسة أشبه بورطة لإقناع جمهوره بصحة ما برح عقودا يعبئهم ضده، وكأن استبدال كلمة إسرائيل بمصطلح كيان العدو يجعل التفاوض محللا لمن شيطنه وشعوذه!
وقع رئيس التيار الوطني الحر في لبنان، جبران باسيل، في شباك العقوبات الأميركية. وكانت قد وصلت إليه أكثر من رسالة تحذير أميركية في الأشهر الماضية، وخصوصا عندما كان وزيرا للخارجية، بضرورة الابتعاد عن حزب الله، حليفه الأول منذ نحو خمس عشرة سنة.
ما يجري في لبنان تفصيل في الكباش القائم بين الولايات المتحدة وإيران على مساحة المنطقة، من العراق إلى سورية مرورا بلبنان وفلسطين وانتهاء باليمن، غير أن هذا اللبنان الصغير يكتسب أهمية خاصة، ويتعرض لكل هذه الضغوط.
إن منع أي محاولة للإصلاح ودفع لبنان إلى حافة الانهيار الاقتصادي، ومنع قيام الدولة، وتدمير مصالح الناس الحيوية، يدفع كثيرين إلى الهجرة، وها هم المسيحيون يتدفقون بالمئات والآلاف نحو السفارات كل أسبوع، فهل بدأت مرحلة التطهير والتهجير؟
أزمات اقتصادية، انهيار مالي، عجز في الخزينة ومديونية كبيرة، فضائح فساد ونهب للمال العام بالعشرات تزكم الأنوف.. ولم يشعر أحد من نخبة لبنان بأن عليه أن يتحمّل المسؤولية، أن يستقيل، أن يعترف بخطأ ما، بل هاهم يستقوون بالوصاية متخلين حتى عن الممانعة!
لعل بإمكان الـ15 سنة انتظاراً لصدور حكم المحكمة أن تعين لبنان على مواجهة تحدٍّ جديد، زلزال مرفأ بيروت، الأصعب والأشد ألماً، والذي بدأت مضاعفاته تحفر عميقا في جسم التركيبة اللبنانية الشديدة الحساسية والتعقيد، وبالأخص إذا كان المسبب والفاعل هو ذاته!
اللبنانيون اليوم بعد كارثة الإنفجار في بيروت غارقون في أحزانهم، وفي بلسمة جراحهم، وفي مواساة أهلهم وأقاربهم وأصدقائهم، وفي معالجة أضرارهم وإعادة دورة حياتهم قبل التفكير أو إعطاء الاهتمام للمحكمة، أو لأي حدث آخر، مهما عظم شأنه، مثل تحقيق العدالة!
سرعة الانهيار السياسي والاقتصادي والمعيشي في لبنان، والبحث عن رغيف الخبز في بعض الحالات وبعض المناطق، ومكابرة الفريق الممسك بزمام السلطة، وضعت شرائح واسعة من اللبنانيين على حافّة المجاعة، وأدخلت اليأس والإحباط إلى النفوس، من دون أن يظهر أي أفق للحل.