يوم الملك الهولندي بالبرتقالي

27 ابريل 2016
تحيا الملكة... يحيا الملك (Getty)
+ الخط -

إنه السابع والعشرين من نيسان/أبريل. اليوم، تحتفل هولندا كما في كلّ عام، بأحد أهم أعيادها الوطنية. إنه "عيد الملك" (كوننغزداخ)، بعدما كان على مدى أكثر من قرن "عيد الملكة"، إذ حكمت البلاد ملكات ثلاث خلال 123 عاماً، قبل أن تتنازل والدة الملك الحالي ويليام ألكسندر قبل ثلاثة أعوام عن عرشها لولي عهدها.

الاحتفال بيوم الملك أو الملكة يحلّ كحدث استثنائي في البلاد، ويستقطب سنوياً نحو 700 ألف زائر في أمستردام وحدها. خلاله، تعمّ الاحتفالات الموسيقية والترفيهية طول البلاد وعرضها، فتُنصب المسارح في الساحات العامة والحدائق. إلى جانب الموسيقى التقليدية الهولندية والكلاسيكية الأوروبية، تستحضر تلك الاحتفالات ثقافات الشعوب التي اختارت هولندا بلداً ثانياً لها، كالمغربية والتركية والكاريبية وغيرها.

في هذه المناسبة، يجتاح اللون البرتقالي شوارع البلاد ومشهدها العام، كأنّ المملكة تتحوّل إلى برتقالة ضخمة. يُذكر أنّ البرتقالي هو اللون الرسمي للملكية ولمقاطعة أورانييه، التي عادة ما يكون ولي أو ولية العهد وملوك المستقبل أمراء وأميرات لها. ويعود اعتماد هذا اللون إلى ويليام أورانج الذي حرّر البلاد من الوصاية الإسبانية والكنيسة الكاثوليكية التي سيطرت على هولندا لقرون.

خلال العقود الأخيرة، راحت شعبية العائلة المالكة تتذبذب، لتتعرّض في السنوات الماضية إلى هجوم من قبل نواب في اليمين دعوا إلى تقليص صلاحيات الملكة/الملك السياسية، وهي صلاحيات محدودة في المملكة الدستورية. على الرغم من ذلك، يواظب عموم الهولنديين على الاحتفاء بهذا اليوم بطرق عديدة، فيما تختلط العائلة المالكة بالشعب وتشاركه احتفالاته، بالتزامن مع فتح أبواب القصور الملكية أمام عموم الزائرين والمهنئين.




من جهة أخرى، يُعد هذا اليوم فرصة استثنائية للشعب الهولندي لممارسة أعمال تجارية بحريّة كاملة، وسط إعفاء ضريبي للهولنديين وسكان البلاد، فتتحول المدن والقرى والشوارع وجوانب الأقنية إلى أكبر سوق سنوي. يُذكر أنّ الهولنديين بدأوا بأكثرهم، أولى صفقاتهم التجارية خلال هذا اليوم، الذي تعرض خلاله العائلات ما لديها للبيع أمام أبواب البيوت أو في الحدائق الخاصة والعامة.

ينتشر الناس في تلك الأسواق وعلى جنباتها وفي الساحات والحدائق برفقة العائلة والأصدقاء، ويتناولون الأطعمة المتنوعة ويستمعون إلى الموسيقى ويشاهدون عروض فنون الشارع. لكنّ ثمّة مشاكل تواجه المحتفلين، من حوادث وأعمال شغب وعنف وتحرّش، لذا ينتشر رجال الشرطة والبلديات وموظفو السلامة العامة وسيارات الإسعاف بتأهب كامل. وللحدّ من تلك المشاكل، تحظر السلطات العامة تناول الكحول في أماكن عديدة، لا سيّما تلك التي من المتوقّع تجمّع الأطفال واليافعين فيها، وكذلك في محطات القطارات قبل ثلاثة أيام، فيما تُجري الشرطة فحوصاً عشوائية لمراقبة نسب الكحول لدى المارة وسائقي المركبات.

مذ تولى الملك الحالي منصبه، وعد بالتمسك بتقاليد أسلافه إذ هي "ضمانة لاستقرار البلاد واستمراريتها". لكنّه أعرب أيضاً عن تطلعه ليكون "ملكاً من القرن الحادي والعشرين"، يمكنه جمع الناس من حوله وتمثيلهم وتشجيعهم. وشدّد على أنّه غير متمسك بالبروتوكول، ومن حق الناس أن ينادوه مثلما يشاؤون. تجدر الإشارة إلى أنّ الملك وأسرته اعتادوا على تمضية وقت طويل برفقة الأطفال الهولنديين في تلك الاحتفالات، فيحظى الصغار بالوقت الأكبر من العائلة المالكة التي تشارك في حصص الألعاب والمهارات في المدارس وتزور مدينة معيّنة في كل عام للرقص واللعب والاحتفال.

هذا العام، تحتضن مدينة زفولّة شمال البلاد احتفال العائلة المالكة. وكان الملك والملكة قد زارا قبيل هذا اليوم، مدرسة في أمستردام وأمضيا وقتاً برفقة التلاميذ أثناء الحصص الداخلية والألعاب في الهواء الطلق.

إلى ذلك، فإنّ صخب الاحتفال المتوقّع خصوصاً مع الطقس الربيعي وانتشار اللون البرتقالي، لن يحجب اللون الأحمر لدرجة الحيطة والإنذار التي سبق وأطلقت في مختلف أرجاء البلاد، خصوصاً في ضوء التهديدات المتصاعدة التي أعقبت هجمات باريس وبروكسل الأخيرة. في هذا السياق، أعلن المنسّق الوطني الهولندي لقضايا الإرهاب عن إجراءات احترازية إضافية خلال الاحتفالات السنوية. يُذكر أنّ في أعقاب هجمات بروكسل الأخيرة (22 مارس/ آذار 2016)، زار الملك سوقاً شعبياً يرتاده مهاجرون عرب ومسلمون، معرباً عن تضامنه مع الضحايا وعن رفضه زجّ الإسلام كمتّهم في جرائم الإرهاب. وقد دعا إلى الوحدة والتماسك أمام دعوات التفرقة والتشدد.

في السياق، يُذكر أن التهديدات التي تصاحب "عيد الملك/ة" وتحترز الأجهزة الأمنية من وقوعها، لا تقتصر على الإرهاب أو التطرف الديني، بل تشمل أيضاً الناقمين على العائلة المالكة أو الدولة الهولندية. في احتفال عيد الملكة في عام 2009 على سبيل المثال، قاد أحد الهولنديين سيارته وسط الجموع التي كانت ترحّب بالحافلة المكشوفة التي تقل العائلة المالكة، الأمر الذي أسفر عن سقوط ستة قتلى، من بينهم سائق السيارة الذي قضى في اليوم التالي. وقد توقّفت الاحتفالات على الأثر وأُعلِن الحداد العام في البلاد وسط صدمة وموجة من الحزن.

دلالات