مختبر للهجرة في أوروبا

مختبر للهجرة في أوروبا

22 مارس 2016
طالبو لجوء ينتظرون دمجهم في هولندا (فرانس برس)
+ الخط -

"مختبر الهجرة" يتيح فرصة ومساحة للقاء ما بين سكان المدن الأوروبية والمهاجرين الوافدين إليها واللاجئين الذين استقروا فيها. أما الهدف من ذلك، فاستكشاف الثقافات واختبار توثيق التواصل في ما بينها. باختصار، هو يوفّر فضاء وحيزاً جغرافياً تتقابل فيه الثقافات القاطنة في مدن أوروبا. وهذا الفضاء يأتي تحت مسمّى "غرفة المعيشة"، أي المكان الذي يتشاركه أهل أو أصدقاء. وفي غرفة المعيشة تلك، يجتمع مهاجرون ولاجئون وأهل تلك المدن المضيفة، للتعرّف وجهاً لوجه إلى بعضهم بعضاً والاستماع إلى قصص وتجارب إنسانية مختلفة، بقوالب فنية متعددة.

هكذا تعرّف لاورا بانا "رومانية المولد وعالمية الجنسية" بحسب ما تقول، منظمة "مختبر الهجرة" التي أسستها بعدما اكتشفت بُعد هويتها الرومانية الشرقية في فضاء القارة العجوز. قبيل انهيار الشيوعية في بوخارست، انتقلت إليها وهي في الثانية عشرة من عمرها. وفيها، تابعت دراستها وتخصصها في اللغات الحية، قبل أن تعمل في السنوات العشر الأخيرة في شركات اتصالات ومنظمات دولية مختلفة.

تقول لاورا إن تجربتها الشخصية كانت الدافع، "فأنا ولدت في رومانيا ثم تنقلت في مجتمعات أوروبية متعددة وتعرّفت إلى ثقافات مختلفة. أمضيت سنوات شبابي بأكثرها في العاصمة باريس مع زيارات قليلة إلى رومانيا بحكم الدراسة. وفي السادسة والعشرين، انتقلت للعيش في العاصمة النمساوية فيينا حيث أسست عائلة. عشت سبعة أعوام في النمسا، أمضيت جلها في تلقي ملاحظات ترتبط بالماضي الشيوعي لنظام الحكم في رومانيا وبأفكار نمطية سطحية عن المجتمع الروماني. كان الناس ينظرون إليّ كرومانية تحمل تجربة الشيوعية. وفي أحيان كثيرة كانت معلوماتهم خاطئة وفي أخرى سطحية، وكل ذلك ليقنعوا أنفسهم بأن هدفي الوحيد هو الارتباط بشخص من غرب أوروبا بسبب الفقر في بلادي، أو بأنني جئت لأسرق وظائف الآخرين". تضيف: "بوخارست كانت قد انضمت إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2007، لكن مواطنيها ومواطني بلغاريا ظلوا في حاجة إلى تصاريح عمل في غرب أوروبا لغاية عام 2014، أي قبيل موجة الهجرة الكبيرة التي تسجَّل حالياً".

اقرأ أيضاً: "كتيّب اللجوء" للاندماج في هولندا

بدأ مشروعها بتدوينة على الإنترنت في عام 2014، طرحت لاورا فيها أفكارها علناً وتواصلت مباشرة مع الناس، ناقلة تجربتها الشخصية أو مشاهداتها من خلال سفرها وتنقلها في أرجاء القارة الأوروبية، من قبيل مصاعب الحصول على عمل وعلى وثائق بسيطة متعلقة بحساب مصرف أو رقم هاتف محمول أو سكن، بالإضافة إلى كل الأفكار المسبقة والنفس المعادي للأجانب. وفي عام 2015 نُظمت أول أمسية من ضمن فعاليات "غرفة المعيشة"، في فيينا. النقاشات والفعاليات التي جرت على مدى أيام، تركّزت حول قضايا التمييز في سوق العمل وحرية الحركة ومواجهة الأصوات المعادية للأجانب. أتى تفاعل الناس جيداً مع المتحدّثين، سواء أكانوا لاجئين أم سكاناً ومواطنين. وفي أعقاب ذلك، أبدى عدد ممن حضر الفعالية الأولى رغبة في انضمامهم إلى فريق "المختبر".

وتشير لاورا إلى أن "في الخريف الماضي، في ذروة وصول آلاف المهاجرين إلى محطات القطارات في النمسا وحركة التضامن الواسعة التي استقبلت اللاجئين وأيضاً الأصوات المتشددة التي ترفض فتح الأبواب أمامهم، لم تعد قضايا التمييز والعمل والسكن هي الطاغية على نبرة المتخوفين من المهاجرين والمعارضين لوجودهم". تضيف أن "النبرة مرتفعة وهي الهواجس نفسها التي كانت رائجة ضد مشرقيي أوروبا. اليوم، تستهدف الأفكار المسبقة والمحاكمات الجاهزة المهاجرين الوافدين من مناطق النزاعات والحروب. وقد بدا ذلك واضحاً خلال الفعاليات التي نظمناها في السويد وهولندا. لاحظنا أن الوضع مشابه لما كان قبل موجة الهجرة الحالية، بمعنى تحويل الهواجس من شرق أوروبا ومن قضايا العمل والوظائف، إلى اللاجئين المتحدرين من بلدان النزاعات والمخاوف الأمنية والتوجّس من الاختلاف الثقافي".

وتتابع لاورا أن "أثناء الاستماع إلى القصص والأحاديث والأفكار التي طرحت في غرفة المعيشة، اتضح لي ولآخرين مدى أهمية هذا التواصل المباشر الذي نعمل عليه في مختبر الهجرة. الحوار كان وسيلة لتقريب المسافة بين اللاجئ والمضيف، من دون تنميق أو مضمون دعائي. إحدى المشاكل التي نواجهها اليوم هي الخطاب الإعلامي ضد المهاجرين واللاجئين، وجعل البشر ومصيرهم مادة خبرية أو أداة دعائية لاستجلاب أصوات الناخبين والحصول على السلطة". وتشدّد على أنه "بدلاً من أن يقدّم اللاجئ عبر شاشات التلفزة وعلى صفحات الجرائد بلا ملامح أو صوت أو قصة أو اسم، بل كمجرّد تهديد ومصدر استنزاف للثروة، يبغي مختبر الهجرة وضع الناس في سياقهم البشري، من خلال لقاء دافئ وشعور بالراحة والطمأنينة وآذان صاغية وقلوب مفتوحة. بالتالي يكون الخروج برؤى وأفكار مشتركة يساهم كلا الطرفين في صقلها وتحويلها إلى واقع ونتيجة".

لم يعد التحضير لنشاطات وفعاليات "مختبر الهجرة" من قبل اللاجئين والمهاجرين فحسب، بل صار فعلاً مشتركاً يساهم فيه المجتمع المحلي. إلى ذلك، يستعد "المختبر" لإطلاق فعاليات "غرفة المعيشة" الصيف المقبل في العاصمة الهولندية أمستردام، بهدف ردم الهوة وتخفيض حدّة الهواجس والتوتر.

اقرأ أيضاً: "كتيّب اللجوء" للاندماج في هولندا

المساهمون