يحدث في دولة كأن!
يحدث في دولة كأن!
كأن المتهم يحال إلى مَنْ كأنهم قضاة العدل، فإذا بنا نجدهم لا يستمعون إلى المتهم، ولا دفاعه، بل ولا يقرؤون القضية أساساً، ثم نفاجأ بأحكام تسلبه الحق في الحياة. وكأننا أمام إعلام كأنه ينقل الحقيقة، ويدافع باستماتة عن حرمان حق الآخرين في الحياة، بل ويطالبهم بأن يصمتوا في انتظار الموت. وكأن من الواجب على منظمات المجتمع المدني أن تنتصر لقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان، لكننا نجدها، هي الأخرى، تلتزم الصمت المطبق، ولو تحرجت، نجدها تدين مسلك السلطات وكأنها تؤيده، ولو تبرمت، نجد تبرمها يأتي شهادة ضد المتظاهرين الأبرياء. كأننا على غير يقين من أن المجتمع الدولي سينصف هؤلاء المتظاهرين، فهو يغمض عينيه وأذنيه تماماً عنهم، بل نجده شريكاً في كل هذا الظلم.
لا ينطبق مسمى دولة (كأن) على دولة في العالم، كما يطابق حال الدولة في مصر. كأننا نشعر بمن يتحدث بألسنتنا ويعيش بيننا، لكن عقله مجرف بالخرافات الصهيونية، وصار يخلط بين خدمة إسرائيل والقوى الإمبريالية وخدمة الشعب، بل إنه حينما يقوم بعمل، لا يعنيه من هو المستفيد من ورائه، طالما أن النفع يطال جانباً من جيوب حاشيته.
كل ما يحدث في مصر الآن تسبب في شعور ملايين المصريين بأنهم أسرى، أو ربما أقل، بعد أن تعززت الوطنية والكرامة الإنسانية في قلوبهم، طوال ثلاث سنوات مضت منذ ثورة يناير/كانون الثاني الموءودة، مما يذكرني بمسلسل "لا" لكاتبه الراحل، مصطفى أمين، حيث نشكو القاتل لنفسه، ونستغيث بمن ظلمنا إليه. سألني صديق عن تفسيري للإفراج عن الصحافي، عبد الله الشامي، بعد اعتقاله 10 أشهر من دون أية تهمة أو محاكمة، قلت له إنني أتوقع أن تكون قناة الجزيرة قد هددت السلطات المصرية بحرمانها من الحصول على بث مباريات كأس العالم، ما لم يتم الإفراج عن طواقمها المحتجزين من دون تهمة، أو أي جرم، وبالطبع نظام السيسي في حاجة ماسة إلى إلهاء الشباب عن الاشتغال بالشأن السياسي، تماماً كما كان يفعل نظام حسني مبارك، فقرر الموافقة على الصفقة، وكان الإفراج عن الشامي أول الثمار.
أما نشطاء الحنجورية المتحركة بالريموت كونترول، والذين كانوا يتظاهرون ضد السعودية أيام موضوع أحمد الجيزاوي، وملأوا الدنيا ضجيجاً بسبب مشاهدتهم علم المملكة السعودية يرفعه سلفيون في ميدان التحرير، اختفوا نهائيا هذه الأيام، بعد أن كان ضجيجهم يملأ الفضائيات، على الرغم من أن الجيزاوي لم يخرج من محبسه بعد.
يساورني اعتقاد جسيم بأن كل حكام العرب يحفظون كتاب "الأمير"، لصاحبه ميكافيللي، عن ظهر قلب، ولا يوجد حاكم على وجه الأرض لم يقرأ هذا الكتاب ويتمثله، باستثناء الرئيس، محمد مرسي، الذي لم ينتبه إلى أنه يمكن تحميل الكتاب عن الشبكة العنكبوتية. على سبيل مثال آخر، ما يحدث في العراق، الآن، يشكل لحظة تاريخية، تطرح سؤال إمكانيات توحد كامل لجناحي الأمة العربية، أي التيارين الإسلامي والقومي، فهذه تجربة يمكن أن تشكل أساساً للتفكر والتأمل، من أجل إطلاق مشروع حضاري كبير، يعيد أمتنا العربية إلى سالف مجدها بوحدة الإسلاميين والقوميين، مع تجنب إتاحة فرصة للبلطجية والدخلاء من الطرفين. فلا لدول الطوائف، ولا لأنظمة المستبدين، ونعم لأمة عربية قوية بعروبتها وإسلامها، لكي نخرج من دائرة ظرف (كأن).