ورقة ضغط في الانتخابات الفرنسية

ورقة ضغط في الانتخابات الفرنسية

21 فبراير 2017

ماكرون في الجزائر: على الفرنسيين الاعتذار للجزائريين (14/2/2017/فرانس برس)

+ الخط -
لم تغب عن ذهن مرشح الرئاسة الفرنسية، مانويل ماكرون، شراسة اليمين الفرنسي، ولا ردوده المتشنجة من تصريحاته في مقابلة مع قناة تلفزيونية جزائرية إن الاستعمار الفرنسي للجزائر جريمة ضد الإنسانية، ووحشية حقيقية، وعلى الفرنسيين أن يقدموا الاعتذار لمن ارتكبت بحقهم هذه الممارسات. قالها ماكرون بجرأةٍ قل نظيرها لدى السياسيين الفرنسيين. وليس في الذاكرة أن أحدا سبقه إليها من مرشحي كرسي قصر الإليزيه، ليفتح بذلك ثغرة في جدار طويل من النكران مارسه أهل السياسة الفرنسيون من تياري اليمين واليسار، وإنْ حاول أصحاب السياسة من أهل اليسار دغدغة مشاعر الجزائريين بتصريحاتٍ تُعدّد بعض مساوئ الاستعمار، لكنها لا تفتأ تمجد هذا الماضي البغيض الذي ما زالت آثاره قائمة، فقد أعلنت السلطات الجزائرية، قبل أسابيع، انتهاءها من عملية نزع الألغام من خطي "موريس وشال" المدججين بالأسلاك الكهربائية ومختلف أنواع الألغام، واللذان كانا مرسومين على الحدود المغربية والتونسية، وراح ضحيتهما آلاف الشهداء.
لم يتمالك اليمين الفرنسي أعصابه من أقوال مانويل ماكرون، فصب جام غضبه على الرجل، وخلفت تصريحات المرشح للانتخابات الرئاسية عن جرائم بلاده الاستعمارية في الجزائر جدلا كبيرا في فرنسا التي ترفض حتى الآن الاعتراف رسميا بجرائمها في الجزائر. وانتقد سياسيون
عديدون من اليمين واليمين المتطرّف بشدة تصريحات ماكرون. ووصفوا كلامه "بالعار" الذي لحق فرنسا، ووضعوه في خانة الشتم الذي وجه إليها، كما ادّعى آخرون أن قول ماكرون جاء بغرض تقسيم الفرنسيين، وأنه طعنٌ لفرنسا من الخلف.
أيا كانت الاتهامات التي ساقها اليمين واليمين المتطرّف لتصريحات ماكرون، فإن الحملة هذه تعيد إلى السطح وجها لا تعلوه مساحيق التجميل ليمين فرنسي سعيد بماضيه الاستعماري، أو الاستدماري على حد وصف المفكر والوزير السابق الجزائري مولود قاسم. وهو الماضي الذي حاول الجزائريون نسيانه، بعد مضي أكثر من نصف قرن على استقلال بلادهم، وهم وإن قلبوا ورقته صونا لعلاقات جديدة بين الشعبين، ومن أجل بناء مستقبل خالٍ من الأضغان، إلا أنهم لم يمزّقوها، فالتاريخ وحده كفيلٌ بإنصاف تضحيات شعب لم يساوم على حريته.
ماكرون البالغ 39 عاما نجم صاعد في الحملة الانتخابية الرئاسية، استقبلته السلطات الجزائرية بترحاب مبالغ فيه، قابله رئيس الوزراء عبد المالك سلال ووزراء عدة، منهم وزير الخارجية رمطان لعمامرة الذي أُخذت له مع الزائر الفرنسي صور استثنائية، تمتع فيها الرجلان براحتهما في التعامل غير الرسمي، وأبرزت هذه الصور في دلالتها رهان الدولة الجزائرية على مانويل ماكرون في اجتياز الدور الأول من الانتخابات الفرنسية، وربما الفوز بمقعد الرئاسة، غير أن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو عن قوة المؤشرات التي دفعت بالجزائر إلى الاستقبال الحافل الذي خصصته لماكرون.
صحيح أن في خطابه الناقد للماضي الفرنسي الاستعماري في الجزائر، وحديثه عن تنقية هذا الماضي على حد قوله، دغدغة لمشاعر الجزائريين في رؤية فرنسا الاستعمارية تعترف أخيرا بخطاياها في الجزائر، ولكن هل يُعد هذا الخطاب كافيا لارتماء الجزائر الرسمية في مساندة علنية لمانويل ماكرون، وهل من الحكمة وضع بيضها كله في سلة واحدة؟ صحيح أيضا أنه يقول إن رغبته ترقية مستقبلية للعلاقات بين البلدين، يكون محورها التنمية الاستراتيجية، وأنه مشروع يقع ضمن نظرته الاستراتيجية في علاقات فرنسا مع بلدان المغرب العربي. ولكن ألم يقل الرؤساء السابقون لفرنسا الكلام نفسه في مناسبات عديدة، وهل تكفي الوعود وحدها في رسم علاقات دولية متوازنة بين بلدين يجمع بينهما ماض أليم وحاضر غير واضح المعالم؟
جاء مانويل ماكرون الذي ترشحه الاستطلاعات للانتقال إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية في 7 أيار/ مايو إلى الجزائر، وفي ذهنه استنجاد بوعاء انتخابي كبير من الفرنسيين ذوي الأصول الجزائرية، والذين يمكن أن يضاعفوا حظوظه في الفوز بكرسي الإليزيه، إن تم استغلال الموضوع جيدا. ولكن، هل يعلم السيد ماكرون أن أمر هؤلاء المهاجرين بيد فرنسا أكثر مما هو بيد السلطات الجزائرية التي ابتعدت كثيرا عن شأن جاليتها منذ موت جمعية "ودادية الجزائريين في أوروبا"، والتي كانت تلعب دورا مهما في تعبئة المهاجرين الجزائريين في فرنسا في قضايا وطنية عديدة، على أيام حكم نظام الحزب الواحد في الجزائر. وقد تلاشى هذا التأثير رويدا رويدا مع مرور الوقت، ومع تآكل طبقة المهاجرين الأوائل، وبروز جيل جديد لا يمت للجزائر بصلة، إلا من باب الأصول الأبوية، أو حملهم الجنسية المزدوجة التي تنص عليها الاتفاقيات بين البلدين. ومما زاد الطين بلة في غياب التأثير الجزائري على الجيل الثاني من المهاجرين عدم دعمهم من أجل إنشاء "لوبي" جزائري مؤثر في فرنسا، حيث لم يصل أي منهم إلى مناصب حساسة في هيكلية الدولة الفرنسية، بعكس دول أخرى، وصل أبناء مهاجريها إلى مصاف الوزراء، على الرغم من أن عددهم في فرنسا أقل من المهاجرين من أصول جزائرية، والذين قال عنهم "المعهد الفرنسي للإحصائيات والدراسات
الاقتصادية" إن عددهم بلغ 5 ملايين و500 ألف في سنة 2015 يقطن 460 ألف منهم العاصمة الفرنسية باريس، ويحتلون بذلك المركز الأول بين الفرنسيين من أصول أجنبية في هذا البلد.
أدى هذا الغياب إلى تشتّت مجهوداتٍ فردية لبعض المتميزين من المثقفين والأطباء والمهندسين وبعض الجمعيات الأهلية، في وقتٍ تعاني فيه الغالبية العظمى من المهاجرين، ومن مختلف الأجيال من البطالة والتهميش من السلطات الفرنسية المتتالية. وهو ما دعا وزير خارجية الجزائر رمضان لعمامرة إلى مطالبة الطبقة السياسية في فرنسا بالإصغاء لهذه الجالية، مؤكدا عزم بلاده الإصغاء للجزائريين المقيمين في فرنسا، وهو انتباه إلى ضرورة الإصغاء تمليه مصلحة ظرفية، فالمهاجرون يشكلون وعاء انتخابيا متميزا للطرفين، الجزائري والفرنسي.
تتقاطع هنا مصلحة الطبقة السياسية في البلدين، فلأعضاء الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا، وبحكم تمتعهم بالجنسيتين الجزائرية والفرنسية معا، الحق في التصويت الانتخابي في البلدين. ومن هنا، تبدو الحاجة ملحة في استمالتهم قبيل موعدين انتخابيين متزامنين في كل من الجزائر وفرنسا، حيث ستشهد الجزائر انتخابات برلمانية في الخامس من مايو/ أيار المقبل، تعقبها الانتخابات الرئاسية الفرنسية يومين بعد ذلك في السابع من مايو/أيار.
خليل بن الدين
خليل بن الدين
إعلامي جزائري، من مواليد 1962، عمل في الصحافة المكتوبة، وفي التلفزيون الجزائري، وأستاذا مشاركا في قسم الإعلام جامعة وهران، وعمل في تلفزيون دبي كبير مراسلين ومشرف نشرات، ويعمل حالياً في قناة الجزيرة.