ورقة اقتراع أو كرت مؤن

ورقة اقتراع أو كرت مؤن

12 مايو 2014

جانب من مخيم الزعتري للاجئين السوريين (إبريل 2014 أ.ف.ب)

+ الخط -
قريباً من الذكرى السادسة والستين للنكبة الفلسطينية، يتكاثر اللاجئون في الدول العربية، ولا تثير إضافة البيانات الإحصائية مليوناً آخر إلى الملايين السابقة حفيظة أحد، ولا يبدو المليون الجديد أمراً مفصلياً في مسيرة دول اللاجئين، أو الدول المستضيفة. وفي أحسن الأحوال، تنشط الحركة الإغاثية بكل ما حولها، وما معها من شبكة مصالح وولاءات، لتغدو المعالجة الأبرز لحالة اللجوء المتفاقمة، من دون توفّر وقت، ولا متّسع في معالجات أخرى ملحّة، ويحوّلها تقادم الأيام والسنوات إلى معضلات إضافية.
لا شك أن تجربة لجوء الفلسطينيين، مع الأخذ بأوجه افتراقها، أو اقترابها، من تجارب اللجوء الحالية، شكلت حالة وافرة بالعبر وكفيلة بإدراك حقيقة اللجوء، كعملية متواصلة من نزع الصفة السياسية والمدنية عن اللاجئين، لصالح تعريفهم كضحايا يحتاجون إغاثة، وتسفر هذه العملية المستمرة، أول ما تسفر، عن تحويل هذا الخزان البشري المعذّب من بيئة تعيد إنتاج مشروعها الوطني إلى عبء عليه.
ويمكن من رصد أكثر من ستين سنة من اللجوء الفلسطيني، تبيّن كيف مرّ اللاجئون بكل هذه الحالات، من أقصاها إلى أقصاها، من كونهم البيئة الحاضنة، والمنتجة لفعل الثورة الفلسطينية ونضالها، وصولاً إلى البيئة المخترقة لصالح أنظمة الحروب بالوكالة. ورافق ذلك دوماً سعي جهيد لإعادة تعريف اللجوء، مسألة إنسانية بحتة، من دون معان سياسية، وظلت هواجس الدمج، أو التذويب، تعصف بوجود اللاجئين الهشّ، في كل مرة تراجع فيها المشروع الوطني الشامل للفلسطينيين، أينما كانوا.
ويفاقم مأزق اللجوء الطابع المؤقت الزائف الذي يُضفى عليه أول الأمر، والتخوّف المتوهَّم من أن التعامل مع اللجوء كحقيقة واقعة، سيساهم في تثبيته، وإطالة أمده، مع أن كل التجارب في منطقتنا العربية تفيد بقابلية عالية لإيجاد مجتمعات لاجئة، واستقبالها، ولعلّ هذه القابلية ناجمة، بالدرجة الأولى، عن مقدار الفائدة التي تعود على الدول المستضيفة، على شكل يد عاملة في قطاعات الخدمات، أو بالمساعدات التي تجد طريقها سريعاً إلى خزائن تلك الدول، أو من خلال شبكات المصالح، الناشئة على هامش العمل الإغاثي.
وحيال حالات متكررة من اللجوء، في نزوح جماعي، أو في تهجير لسكان مناطق بعينها، أو هروب فردي لأعداد هائلة تشكل، بعد حين، حالة لجوء نشأت على مهل، يبدو أن إدراك القيمة السياسية للجوء، وحق اللاجئين الأصيل في الاحتفاظ بحقوقهم المدنية والسياسية حيال أوطانهم، لا يزال غير مترسخ، ولا يبدو أولوية لدى الأطر السياسية التي تعمل ـ أو تدعي أنها تعمل ـ ضد النُظُم التي تسبّبت بلجوء مواطنيها.
وتظهَرُ الحالة السورية، اليوم، مع الإحصاءات المريعة عن أعداد اللاجئين منذ اندلاع الثورة، الأشد وضوحاً حيال الكيفية التي تتعامل بها النُظُم التي تتسبّب بأزمات اللجوء مع اللاجئين. فالمعروف أن بقاء المدنيين في مناطق المواجهات والمعارك ضمانة أولية لعدم إطالة مداها، وترحيلهم عنها هدف الجهة التي تريد خوض حرب طويلة بين الخرائب، أو تريد خوض الحرب من دون ضجيج وإزعاج من المنادين بوقف قتل المدنيين وإزهاق حيواتهم، فيكون لجوء المدنيين وتهجيرهم فصلاً أول في إدارة المعركة، ثم يأتي اليوم فصلٌ لا يقلّ خطورة، ويتمثّل في حرمانهم من حقوقهم السياسية والمدنية، حين تتم الدعوة إلى انتخابات رئاسية بالضرورة، لا شأن ولا علاقة لملايين اللاجئين بها، كأن حاضر سورية ومستقبلها لا شأن لهم به. وما يزيد الأمر سوءاً أن حراكاً ينطلق من بين صفوف اللاجئين السوريين لم يتشكل بعد، ولا "أمارات" على تشكّله.
بعد ست وستين سنة من اللجوء الفلسطيني، لا تزال المراوحة قائمة بين المطلبين، الإغاثي الإنساني والسياسي، وقد تمتد هذه المراوحة سنين طويلة، من دون مخرج كان قريباً في فترات ماضية. ولعلّ أقسى ما يمكن أن ينزل باللاجئين أن تظل قضيتهم في دوامة المراوحة تلك، فكيف الحال بلجوءات كثيرة، مفتوحة على خيارات مريرة، تحيلها دوماً إلى ملفٍّ باهت على مكتب جمعية إغاثية، أو كرت مؤن يستجدي شاحنة أغذية.
2BB55568-EFEE-416B-934D-5C762181FE7F
عبّاد يحيى

كاتب وباحث وصحفي من فلسطين