واشنطن "المستنفرة" تتّهم أوروبا بتمويل الإرهاب

واشنطن "المستنفرة" تتّهم أوروبا بتمويل الإرهاب

11 يناير 2015
التضامن المعلن وراءه خلافات وتبادل اتهامات (جيم واتسون/فرانس برس)
+ الخط -
ما جرى في فرنسا خلال الأيام الماضية، ليس شأناً داخلياً خالصاً، وانما شأن أوروبي وأميركي، بما أنّ هذه "التهديدات الإرهابية" تستهدفهم جميعاً. لكن اللافت أنّ الولايات المتحدة ألقت اللوم على عدد من الدول الأوروبية في ما يجري، وذلك عبر تسامحها في دفع أموال كبيرة لتنظيمات "إرهابية" مقابل تحرير رهائن أوروبيين لديها على مدى السنوات القليلة الماضية، وهو ما ساهم في تمويل الإرهاب وساعد في إعادة تفريخه وانتشاره في الغرب، بحسب ما ذكرت مصادر أميركية موثوقة، لـ"العربي الجديد"، فضّلت عدم نشر أسمائها.

ولم يتوقف الأمر عند "اللوم" الأميركي لأوروبا في دعم "الإرهاب"، وانما تبادل الطرفان اتهامات أخرى تتعلق بعدم الالتزام باتفاقات تبادل المعلومات حول التحويلات المالية ضمن الاجراءات المتعلقة بتمويل مكافحة الإرهاب والاتفاقات الأمنية الماضية.


وعلمت "العربي الجديد" أنّ خلافات أميركية ـ أوروبية شديدة تسود بين أجهزة مكافحة الإرهاب التابعة للولايات المتحدة ونظيرتها الأوروبية، نتيجة لهذه الاتهامات، على الرغم من التضامن العلني القوي الذي أبدته واشنطن مع باريس عقب الهجوم الإرهابي الأخير. وقالت مصادر في وزارة الأمن الداخلي الأميركية، إن وزير الأمن الداخلي، جيه جونسون، لن يشارك مع نظرائه الأوروبيين في اجتماع باريس الوزاري، المرتقب اليوم الأحد، بل سيوفد نائبه أليخاندرو مايوركاس لحضور المؤتمر نيابة عنه. لكن المصادر نفسها أكّدت أنّ تخفيض مستوى المشاركة الأميركية لا يعني عدم الاكتراث الأميركي بما جرى في باريس، إذ إنّ وزير العدل الاميركي، إريك هولدر، سيشارك في الاجتماع، فيما قرر وزير الأمن الداخلي البقاء في بلاده للإشراف على الاجراءات المشدّدة الجديدة في الولايات المتحدة تحسباً لأي خطر قادم من القارة الأوروبية. ولوحظ أنّ جونسون تنقل في اليومين الأخيرين بين مطارات أميركية دولية عديدة، وتفقد بنفسه الإجراءات المشددة مع الواصلين من الدول الأوروبية.
وفي الوقت الذي تحتضن فيه العاصمة الفرنسية، باريس، المؤتمر الأوروبي ـ الأميركي الطارئ حول محاربة الإرهاب، فإنّ السلطات الأميركية بدأت تنفيذ إجراءات جديدة تشدّد فيها على ضرورة جمع أكبر قدر من المعلومات عن الركاب القادمين إلى الولايات المتحدة، قبل وصولهم إلى الأراضي الأميركية، خصوصاً مَن يحملون جوازات سفر صادرة من دول لا يحتاج مواطنوها إلى تأشيرات دخول لزيارة الولايات المتحدة.
ومن بين الإجراءات، التي لم يتسنّ لـ"العربي الجديد" التأكد ممّا إذا كانت قد وُضعت قيد التنفيذ، أم أنّها لا تزال ضمن الخيارات المطروحة، فرض الحصول المسبق على تأشيرة دخول لمواطني الدول الأوروبية الذين يحملون جنسيات مزدوجة. وأبلغ مسافرون قادمون من باريس ولندن، "العربي الجديد"، بأن السلطات الأميركية طلبت منهم معلومات تفصيلية قبل صعودهم الطائرات المتجهة إلى واشنطن. فيما ذكر مسافرون آخرون بأنّ السلطات الأميركية بدأت تروّج لتطبيق يجري تحميله عبر الهواتف الذكية، ويمكن من خلاله لأي مسافر أن يرسل عن طريقه كافة المعلومات المتعلقة بجواز سفره ورحلته قبل وصوله إلى المطار الأميركي كي يتسنى للسلطات الأميركية تسهيل دخوله السريع أو إعادته على الطائرة نفسها التي قدم على متنها، إذا كان في المعلومات المرسلة ما يستدعي الشك، مثل مكان الولادة أو الانتماء الديني والعرقي، الذي تتم معرفته بتوجيه أسئلة مباشرة أو غير مباشرة.


ومن المتوقع أن يشهد المؤتمر الأمني الطارئ الذي تحتضنه باريس، نقاشاً أوروبياً ـ أميركياً ساخناً بشأن الاتهامات المتبادلة، والتشدّد الأميركي حيال دخول مواطنين من دول معينة أعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى أراضيها، علاوة على رفض جوازات السفر الأوروبية التي لا تحتوي على شرائح إلكترونية مخفيّة. ويستطيع معظم مواطني الدول الأوروبية الدخول إلى الولايات المتحدة للسياحة أو العمل التجاري والإقامة لمدة 90 يوماً، دون حاجة إلى الحصول على تأشيرة دخول، طالما أنّ المعلومات المدرجة في جوازات سفرهم يمكن أن تقرأ إلكترونياً. لكن الدول التي انضمت حديثاً للاتحاد الأوروبي يواجه مواطنوها صعوبات في دخول الولايات المتحدة بدون تأشيرات مسبقة. ويحدد الكونجرس ووزارة الخارجية الدول التي لا يحتاج مواطنوها إلى تأشيرات دخول.

ويأتي عقد المؤتمر الأوروبي ـ الأميركي على مستوى وزاري بدعوة من وزير الداخلية الفرنسي، برنارد كازنوف، لمناقشة كافة الخلافات البينية، إضافة إلى تبعات الهجوم الدامي على صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية، الذي أودى بحياة 12 شخصاً بينهم ثمانية صحافيين. ويشارك في المؤتمر وزاراء الداخلية في الدول الأوروبية المعنية، إضافة إلى المفوّض الأوروبي للشؤون الداخلية، ديميترس أفراموبولوس، ومنسق مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي، جيل دي كيرشوف.

وتطالب الولايات المتحدة بتكثيف تبادل المعلومات حول الشباب الأوروبيين الذين يتجهون للقتال في سورية والعراق، لكن بعض الدول الأوروبية تبدو مترددة في إعطاء هذه المعلومات لأسباب خاصة بها. ومن غير المتوقع أن تقدم الولايات المتحدة أي تنازل في هذا الجانب من أجل الحفاظ على الدور الأوروبي في التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، (داعش)، إذ إن مسؤولي مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة يعتبرون الخطر الآتي من أوروبا يستهدف الأراضي الأميركية مباشرة، في حين أن خطر "داعش" لا يزال بعيداً عن الأراضي الأميركية، وإن استهدف المصالح الأميركية في العراق.
ورغم خشية المسؤولين الأميركيين من العمليات الإرهابية "الفردية"، والتي لا يقف وراءها تنظيم بعينه، غير أن مسؤولين أميركيين بارزين، بينهم عضو لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور المستقل أنجوس كينج، اعتبروا أن منفذي هجوم باريس لهم علاقة بتنظيم "القاعدة في جزيرة العرب"، لكنهم لم يقدّموا أدلة واضحة عن علاقة المنفذين بهذا التنظيم سوى معلومة مقتضبة عن سفر أحدهم إلى اليمن في الماضي. وقال كينج إنه اطّلع، في لجنة الاستخبارات، على تقارير سرية عن هجوم باريس، لكنه لم يجد فيها ما يزيد عمّا ذكرته الصحافة، مضيفاً بأن التقارير الإعلامية كانت أكثر شمولاً ودقة في تغطيتها للحدث مقارنة بالتقارير الاستخبارية.

تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وقعا اتفاقية لمكافحة الجرائم المتنقلة، بما في ذلك الإرهاب، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2006، بهدف تحسين التنسيق بين المدعين العامين في أميركا وأوروبا، وتعزيز  القدرة على محاربة الجريمة الدولية والتصدي للإرهاب الدولي.

المساهمون