هل الآتي أعظم؟

22 ديسمبر 2014
+ الخط -

تنهال المصائب دفعة واحدة.. هذا لسان حال الغزيين في القطاع، مع دخول فصل الشتاء بعواصفه وصقيعه، حيث ما زال حمل الحرب الثقيل تنوء الناس بحمله، فالجرح ما زال مفتوحاً ينزف دماً، والقلب مدمى، والفقر والبطالة تجتاح الناس، والتهجير غالب على أهل القطاع، فبيوتهم مدمرة، وآلية إعادة الإعمار بطيئة، من حيث دخول المواد والشركات الموكلة بالإعمار قليلة الحيلة، إعمار لا يعلم متى يصل إلى خواتيمه، ليضاف إلى تلك المصائب خبر غير سار، عبر لسان روبرت تيرنر، مدير عمليات "أونروا" في قطاع غزة.
ما أنبأنا به تيرنر خطير ومحزن في الوقت نفسه، لن يكون هناك أموال في يناير/كانون الثاني، وسيصبح الغزيون المهجرون في الشارع، فلا بدل إيجارات، ولا مساعدات، فالأموال ستنفد، لأن الدول المانحة لم تف بتعهداتها.
أضاف تيرنر إلى خبره غير السار رقماً مزعجاً جديداً إلى عدد المباني المدمرة في القطاع، لتصبح 96 ألف مسكن، بعد أن كانت 42 ألفاً، وهذا ما أظهرته صور الأقمار الصناعية والعمل الميداني، أي، ببساطة، ضعف الرقم السابق، أما المباني المتضررة، فهي 89 ألفاً.
قدرت "أونروا" مجموع التمويل المطلوب لدفع الإيجارات للأسر المهجرة، وإصلاح المباني المدمرة وإعمارها بمبلغ يصل إلى 720 مليون دولار، والتعهد حتى الآن بـ100 مليون دولار، ما يترك فجوة بـ620 مليون دولار، وقد نص البيان الختامي لمؤتمر إعادة الإعمار في القاهرة على أن الاجتماع المقبل سيكون في بروكسل في مارس/آذار المقبل، حيث سيتم تقييم الوضع المالي لفلسطين، فهل باستطاعة الغزيين الانتظار إلى ذلك الموعد بلا مأوى ولا مساعدات؟
تعهدت الدول المانحة بتقديم مساعدات للفلسطينيين بقيمة 4.5 مليارات دولار، حيث تم تخصيص نصف هذه المساعدات لإعادة إعمار غزة، وقد شدد بورغ بورديني، وزير خارجية النرويج آنذاك، على أن الدول ألزمت نفسها بالسداد في أقرب وقت ممكن.
وبالعودة إلى التصريحات السابقة، فقد عبّر وقتها كريس غانيس المتحدث باسم "أونروا" عن تفاؤله لأن عدداً من كبار المانحين أعلنوا تعهدات مالية عامة، كما رحب نائب رئيس الوزراء، رئيس لجنة إعاة الإعمار، محمد مصطفى، بذلك، قائلاً إنها نتيجة عظيمة.
لم يبدد هذا الترحيب بالمساعدات شكوك مراقبين وكتاب عديدين، توقعوا أن لا تفي الدول بالتزاماتها، ومن الذين توقعوا ذلك قبل انعقاد المؤتمر المسؤولون الأميركيون في وزارة الخارجية الأميركية، الذين موّلت بلادهم الحرب على القطاع. وشاركوا، في الوقت نفسه، في مؤتمر إعادة الإعمار في القاهرة، حيث ربطوا عدم التزام الدول بالخوف من العودة، مجدداً، إلى مؤتمر آخر في عام أو عامين، ما لم يتم إنهاء الصراع.
وبقدر ما، ليس مستغرباً ألا تفي الدول الغربية بتعهداتها، إلا أن الخبر المحزن أن الدول العربية المتخلفة عن الالتزام بتعهداتها بموقفها هذا تبرئ إسرائيل من دم يعقوب، وتحمل الفلسطينيين عبء الصراع، وتكلفة الحرب، كأنهم طلاب صراع، وكأنه لا يكفي أن يتحملوا عبء تحرير الأرض بأنفسهم، ولا تكفي ضريبة الدم، ليضاف إليها العبء المالي، وحتى الموقف السياسي بتحميل الذنب.
هو خبر خطير، لأنه يشجع إسرائيل التي تتعافى سريعاً من آثار الحرب بالمساعدات الأميركية العاجلة والدائمة، على ضرب غزة، تحت أي حجة، مراراً وتكراراً، لشلها وإضعاف مقاومتها وإدخالها في صراع مع أهلها وإشغالها بقضية الإعمار وتلبية حاجات الناس عن القيام بمهامها الأساسية، فلا دول عربية مستعدة للوقوف مع الفلسطينيين بالمال، الذين يشكلون خط الدفاع الأول أمام الأطماع الإسرائيلية في المنطقة.
انكفأت الدول العربية عن قتال إسرائيل، فهذا لم يعد وارداً، وعن تقديم الموقف الداعم للمقاومة فهذا مكلف، والجديد تحميل الفلسطينيين عبء الصراع، والانكفاء عن القيام بأدنى واجباتها، وهو تقديم المساعدة المالية الإنسانية.. فهل الآتي أعظم؟

F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
أحمد الصباهي (فلسطين)
أحمد الصباهي (فلسطين)