هذه هي سُبُل التحايل على دراما الأناقة والوسامة... والفراغ

16 اغسطس 2015
من مسلسل "الأخوة" (العربي الجديد)
+ الخط -



منذ صار الانتقال إلى فضائية أكثر البلدان بعداً عنّا لا يحتاج أكثر من كبسة زرّ ونحن نجلس على كرسي وثير، لم تعد هناك دراما شديدة الخصوصية المحلية، ما دامت تنشد عرضها على فضائيات أخرى غير فضائيات بلادها. ذلك أنّه لكلّ فضائية رقابة، ولكلّ رقابة قيود يرسم حدودها المجتمع والنظام السياسي وبورصة المعلنين. وما من مسلسل يدرج للعرض في هذه الفضائية أو سواها ما لم يجتز هذه القيود ورقابتها.

ولأنّ مقصّ الرقيب كفيل بإزالة الزوائد التي تصيبه بحساسية الممنوع، يبقى العبور الأسهل لأيّ مسلسل هو تقديم حكاية بلا طعم ولون مميزين، تزيد اغترابها عن محيطها اشتراطات التسويق التي بدت خلال السنوات الأخيرة أسيرة شكل واحد أبطاله توليفة من النجوم العرب، بقوام رشيق تفوح منه رائحة العطر والأناقة.

ذلك الشكل التسويقي، المحكوم بهذه الرقابة، ليس قدراً، لكن لا يمكن تجاهله. المبدع الفنان هو من يمرّر أكبر قدر من الأفكار ضمن شرط الرقابة وفي غفلة منها، ما يحتاج إلى مهارة صانعي العمل. وهي تظهر في الأداء والشكل والمضمون.

اقرأ أيضاً: قراءة سريعة في دراما رمضان: كفى اقتباساً

نذكر هنا لجوء الدراما العربية، لا سيما السورية منها، إلى صياغة حكايات بلا زمن ومكان واضحين، كما في مسلسل "فنتازيا"، أو العودة إلى التاريخ وتقديم حكايات منه تحمل في مضمونها إسقاطات على الواقع. ولعل أذكى المعالجات الفنية تبقى تلك النصوص التي تكتب لمشاهد ذكيّ ورقيب ساذج. والمثال الأبرز أعمال السيناريست ممدوح حمادة "الخربة" و"ضيعة ضايعة"، والتي امتازت بعمق أفكارها وجرأة مقولاتها المغلّفة بالضحكة، وسذاجة من يقولها.

لعلّ هذه النوعية من الأعمال هي الأكثر حفاظاً على خصوصيتها المحلية، والأكثر قدرة على الوصول إلى منصّات العرض الفضائية في الوقت ذاته. إذ خارج قوانين عرض الفضائيات والرقابة فيها، أو التحايل عليها باللعب الفني، ستبدو الأعمال الدرامية كما لو أنّها تختار الانتحار الإنتاجي وكساد تسويقها. من دون أن يعني ذلك بالضرورة رداءتها الفنية. ونأخذ مثالاً الأعمال التي تناولت القضية الفلسطينية، والتي بقيت أسيرة قنواتها المحلية، ومسلسلات كثيرة أنتجتها التلفزيونات اللبنانية خلال العقود الأخيرة.

كل ما سبق، ومع إقرارنا بوجود بعض الاستثناءات، يجعل من الثابت أنّه وحدهم الواهمون من يقيمون حتّى الآن حواجز وحدوداً في الدراما العربية. فأكثر الدرامات المحلية تضبط إيقاعاتها على شروط رقابية وتسويقية تتعدّى حدود محليتها. وما يبقى من خصوصية محلية فيها يتأتّى من خصوصية البيئة التي تدور في جوانبها الحكاية، واللهجة التي تتحدّث بها شخصياتها.

بالتأكيد لا يعني كلامنا أن لا هوية للدراما بالمطلق، لكن في المقابل لا احتكار لها بالمطلق أيضاً. والعبرة دائماً بما تستطيع هذه الدراما قوله، وحجم الشريحة التي تستطيع مخاطبتها. وبمقدار ما تنجح في ذلك تكون دراما بلا حدود.. تزخر بالمعنى، لا بجوف فارغ، كما يحصل هذه الأيّام.

اقرأ أيضاً: "دبي زمان".. أرشيف الدراما العربيّة وحنين المشاهدين
دلالات
المساهمون