نادي الأسطوانات المشروخة

نادي الأسطوانات المشروخة

03 ديسمبر 2016
+ الخط -
شهدت الساحة الدولية، أخيراً، تغيّرات كبيرة على مستوى مراكز اللاعبين الدوليين، وأوزانهم، وقدرتهم على التفرّد بالقرار وصناعته، فبعد أن تفرّدت الولايات المتحدة الأميركية، سنوات طويلة، باللعب كما تشاء، في جميع بؤر الصراع والتوتر في العالم، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وصولاً إلى سنوات قليلة خلت، باتت روسيا اليوم لاعباً استعاد كثيراً من إمكانيات والده، الاتحاد السوفييتي، حتى أصبحت، بقيادة فلاديمير بوتين، قوة يُحسب حسابها، ليس في سورية فحسب، وهي ساحة باتت روسيا قريبةً من التفرّد بها، بل في أماكن أخرى، لعل أهمها الجمهوريات التي انفصلت عن الاتحاد السوفييتي السابق.
وكما هو مفترض، رافق صعود النفوذ الروسي تراجع كبير لنفوذ الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذين تجرأوا، في وقت سابق، على مد أيديهم إلى عمق مناطق نفوذ الكرملين التقليدية.
لكن هذا التراجع في نفوذ الولايات المتحدة وحلفائها وصل إلى مستوياتٍ قياسيةٍ أخيراً، وهو ما كشفت عنه مجريات الأوضاع في سورية، حيث تتجه روسيا إلى إلحاق هزيمةٍ كبيرة بالمعارضة السورية، الحليف المفترض للغرب في سورية، في حلب، أكبر المدن السورية التي باتت، منذ أربع سنوات، مركزاً للصراع بين قوات المعارضة السورية وحلفائها من طرف، وقوات النظام السوري وحلفائه من طرف آخر، حيث نجحت قوات النظام والمليشيات التابعة والحليفة لها، بالانقضاض على مناطق سيطرة المعارضة في حلب، لتسيطر على 40% من مساحتها خلال أيام، وبعد ثلاثة أشهر من الحصار الذي فرضه قصف روسي، أجبر المعارضة السورية في حلب على التراجع، ووضعها بوضعٍ لا تحسد عليه، بعد أن دمّر بنيتها التحتية، واستنزف قواها.
وفي وقتٍ كانت فيه روسيا تحشد أساطيلها على السواحل السورية، وتستبيح بطائراتها أجواء
المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، كان سادة البيت الأبيض والإليزيه وحلفاؤهم في "الناتو"، يواصلون تكرار عبارات شجب المجازر التي ترتكبها طائرات روسيا والنظام السوري في حلب، ويواصلون التنديد باستهداف المشافي والمدارس ومحطات المياه والكهرباء، مطلقين كل يوم مزيداً من التصريحات التي وصلت إلى حد وصفهم ما يجري في حلب بأنه "جرائم ضد الإنسانية".
تكرّرت هذه التصريحات من المسؤولين الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين، وحتى الألمان، إلى درجة أصبح معها سماع مثل هذه التصريحات معتاداً، ليس فقط بالنسبة للصحافيين الذين يعكفون على تغطية الشأن السوري، وإنما حتى للمتابعين العاديين الذين ملّوا من سماع عبارات الشجب والتنديد من قادة دول "الناتو" الكبرى التي باتت تبدو عاجزةً عن وضع أي حد للاستفراد والتغوّل الروسي في سورية.
ومع حالة انعدام الجدوى من الشجب والتنديد بما يجري في سورية، من إبادة وتدمير لمناطق سيطرة المعارضة، عقد مجلس الأمن الدولي، بدعوةٍ من فرنسا، جلسة جديدة لمناقشة "الوضع الإنساني في حلب"، وباعتبار أن أعضاء المجلس باتوا يعرفون أن أي مشروع قرار سيكون من شأنه التخفيف من المأساة الجارية في سورية، سيقابل باستخدام روسيا حق النقض (الفيتو)، دخل الأعضاء وهم يحملون في كرّاساتهم أوراقاً كتب عليها مزيد من عبارات الشجب والتنديد، إلا أن السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، سامنثا باور، وهي تمثل الدولة الأقوى في الحلف الذي يفترض أنه داعم للمعارضة التي تباد مع حاضنها الشعبي في سورية، كتبت في أوراقها كلاماً جديداً.
قالت، أمام العالم، موجهة كلامها إلى حلفائها "بتنا اليوم أعضاءً في نادي الأسطوانات المشروخة، نحن الآن لا نملك إلا الحديث عن حل سياسي في سورية، ولا نملك إلا شجب الجرائم المرتكبة، بينما تنفذ روسيا والنظام السوري خطةً عسكريةً وضعت بهدف تنفيذ حسم عسكري في سورية".
صارحت باور نفسها، وصارحت العالم، بحقيقة ما تجري عليه الأمور في مجلس الأمن، حيث باتت القرارات الدولية الخاصة بسورية، وعبارات الدول العظمى الداعية للحل السياسي والمفاوضات، مجرد هباء منثور أمام القرار الروسي الذي اتخذ للعودة بقوة إلى الساحة الدولية، من باب الأزمة السورية، وعلى حساب السوريين. وفي مقابل هذه العودة، الواضحة والجادة، لم تتردّد ممثلة الدولة الكبرى والأقوى في "الناتو"، بمخاطبة ممثلي حلفائها بأن أعضاء الحلف، الموجودين في مجلس الأمن، لم يعودوا إلا مجرد أعضاء في نادٍ للأسطوانات المشروخة، ملّ السوريون من حديثهم العقيم عن حلٍّ سياسي في سورية، وملّوا أيضاً من عجزهم، وتنطّعهم بعبارات التنديد بالمجازر وعبارات التعاطف مع الضحايا الذين يتزايد عددهم يومياً.
7A81DF96-D4DF-4447-B4DF-E3B0041104DA
رامي سويد

صحافي سوري من حلب، يحمل إجازة في القانون وماجستير في عقود التجارة الدولية. من أسرة "العربي الجديد".يقول: الكتابة أداة تواصل وفعل لتوثيق الفكرة والحدث. نحن نكتب لنحاول أن نصنع التغيير من خلال التعبير..