موظفو لبنان بلا سند:الآلاف يُطردون تعسفياً بلا إنذار

موظفو لبنان بلا سند:الآلاف يُطردون تعسفياً بلا إنذار

19 يوليو 2016
في تحرك عمالي في لبنان (جوزف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -
وصل الاستهتار بحقوق الموظفين والعمال اللبنانيين إلى مراحل متقدمة جداً من الظلم والذل. المئات منهم يتبلغون أسبوعياً قرارات بالفصل من المؤسسات من دون سابق إنذار، وبتعويضات هزيلة. بعضهم يتوجه نحو القضاء المختص، فيجد نفسه أمام معضلة تزيد فوق همومه هموماً، ألا وهي التأخير في صدور الحكم الذي يمكن أن يمتد لسنوات قبل تحصيل الحقوق. في حين وصلت الحركة النقابية إلى الحضيض، يتزامن ذلك مع شهر عسل يعيشه الاتحاد العمالي العام مع الهيئات الاقتصادية (تجمع أصحاب العمل)، منذ سنوات. 

خلال الأشهر الماضية، وصلت عمليات الصرف إلى مستويات مخيفة. وأعلنت وزارة العمل اللبنانية أنها تلقت طلبات للتشاور من مؤسسات محلية ودولية عاملة في لبنان لصرف 1470 موظفاً،
إضافة إلى طلبات من 11 مؤسسة وجمعية أخرى تفيد بصرف مئات الموظفين. إلا أن مصادر "العربي الجديد" تؤكد أن حالات الصرف تتعدى هذا الرقم بكثير، خصوصاً أن عدداً كبيراً من الموظفين وكذا المؤسسات، لا يلجأ إلى وزارة العمل، حيث يدفع التعويضات مباشرة للمصروفين، أو يعتمد أسلوب ابتزاز الموظف من ناحية إلزامه بتوقيع استقالته مقابل حصوله على التعويض.
وتشرح المصادر أن حالات الصرف تطاول غالبية القطاعات الاقتصادية، وأن عدداً كبيراً من المؤسسات يلجأ زوراً إلى المادة 50 من قانون العمل التي تتيح الصرف في حال "اقتضت قوة قاهرة أو ظروف اقتصادية أو فنية، كتقليص حجم المؤسسة أو استبدال نظام إنتاج بآخر أو التوقف نهائياً عن العمل". أما استسهال الصرف، فيعود وفق المصادر إلى وهن المنظومة القانونية التي تحمي الأجراء والعمال في لبنان، وانحياز السلطات إلى الأقوياء أي أصحاب المؤسسات.
إضافة إلى حرمان الأجراء من آخر ورقة تضمن حقوقهم، وهي اللجوء إلى الدعاوى القضائية أمام مجالس العمل التحكيمية. فالأخيرة هي هيئة قضائية مكلفة بالبت حصراً بالنزاعات المرتبطة بقضايا العمل، وقد تم إضعافها بشتى الطرق، بحيث تقبع الدعاوى في أروقتها لأشهر وأحياناً لسنوات قبل صدور حكم ينصف المصروفين. وذلك على الرغم من أنها أنشأت أساساً لكي تبت بدعاوى العمال بسرعة بدلاً من تحمّل هؤلاء الإجراءات الروتينية للمحاكم العادية...

"على المجلس التحكيمي أن يبت بالقضية بمهلة لا تتجاوز الثلاثة أشهر"، هذا ما تنص عليه الفقرة "ب" من المادة 50 من قانون العمل اللبناني. في حين تنص المادة 80 على أنه: "ينظر المجلس التحكيمي في القضايا المرفوعة إليه بالطريقة المستعجلة". إلا أن هذين البندين مجرّد فقرات من قانون لا يطبّق. ومن سبق له أن قام برفع دعوى على المؤسسة التي كان يعمل فيها، يعرف أنه سينتظر سنوات حتى يصدر الحكم في قضيته.
تزوجت وأنجبت ولم يصدر الحكم!
"رفعت الدعوى منذ ثماني سنوات. خلال هذه المدّة، تزوجت وأصبح لدي ابنة عمرها ثلاث سنوات، وحتى اليوم لم يصدر الحكم، والقضيّة تراوح مكانها"،
هذا ما تقوله يارا، التي عملت كمسؤولة للموارد البشرية في إحدى الشركات المعروفة لمدّة سبع سنوات. راتب يارا الفعلي كان مختلفاً عن الراتب المصرّح عنه للضمان الاجتماعي كحال رواتب الموظفين الآخرين في هذه الشركة. وبعد سبع سنوات من العمل طردت من شركتها وتمّ التعدي عليها بالضرب من قبل مديرة شؤون الموظفين.
أمّا دينا، من شركة أخرى، فبقيت في عملها عشر سنوات قبل أن تطرد. "كنا نعمل ما يزيد على ساعات العمل القانونية، من الثامنة صباحاً حتى السابعة مساءً. كما كنا نمنع في بادئ الأمر، من أخذ إجازاتنا السنويّة، لاحقا سُمح لنا بعشرة أيام سنوياً. ظروف العمل كانت قاسية والمعاملة لم تكن جيّدة". بعد طردها من العمل، قامت دينا برفع دعوى في مجلس العمل التحكيمي، مرّت سنة ونصف وما زالت تنتظر البتّ فيها. "المدّة التي تفصل بين جلسة وأخرى طويلة جداً"، تقول دينا.

خلافا ليارا ودينا، رنا قضت وقتاً أقصر في عملها، إلا أنها كانت تضطر في كثير من الأحيان إلى العمل أيام العطل. هذا عدا عن أنها لم تحصل مرّة على زيادة الراتب السنويّة إسوة بغيرها من زملائها في العمل. بقيت في العمل ثلاث سنوات قبل أن تطرد. المدّة نفسها مضت وهي ما زالت تنتظر صدور الحكم في الدعوى التي تقدمت بها. "لا أعلم أين أصبحت قضيتي، فكل مرة يتم التأجيل لسبب مختلف".
المشكلة نفسها تواجه يارا، التي تؤكد أن "المدّة الزمنية التي تفصل بين جلسة وأخرى قد تمتد إلى ستة أشهر، هذا طبعا عدا التأجيل الناتج عن عدّة أسباب منها، عدم وصول التبليغ إلى الشركة، أو عدم معرفة عنوان أحد الشهود، عدم حضور محامي الشركة، أو بسبب تغيير القاضي مما يتطلب من القاضي الجديد وقتاً لدراسة القضيّة. الأمر ذاته بالنسبة إلى محامي الشركة الذي يتغير كل فترة، وفي كل مرّة يستبدل المحامي يطلب البديل وقتاً إضافياً للاطلاع على القضية. في الجلسة الأخيرة مثلاً أجلت الجلسة لهذا السبب".

دينا ليست متفائلة، "قمت برفع دعوى لأنني لا أتنازل عن حقي، ولكني بكل صراحة لا أتأمل شيئاً، لأنه وبحسب تجربتي، لم يقوموا بشيء حتى الآن. لم أوكل محامياً لأن وضعي المادي لا يسمح بذلك، بل أتابع دعواي بنفسي
، ومحامية الشركة تحاول قدر المستطاع أن تماطل في القضية". تخبر دينا عن جلستها الأخيرة، حيث "طلبت محامية الشركة مهلة إضافية مجددا، لكنني رفضت ذلك بسبب المهل العديدة التي سبق أن أخذتها، إلا أن محامي الضمان الاجتماعي وبدلاً من الاصطفاف إلى جانبي أنا الموظفة، أشار إلى المحامية بأن تحولها إلى مرافعة".
تروي دينا عن حادثة أخرى حصلت معها في المحكمة، "لدي تسجيل يظهر حديثاً مع مديري الشركة، عن المبلغ الذي يجدر بهم دفعه كتعويض، إلا أن محامية الشركة قالت إنه يجدر بي تفريغ الحديث لدى خبير مختص. تكلفة التفريغ مليون ليرة، لم أوكل محامياً لأني لا أملك مالاً، من أين آتي بالمليون ليرة؟ رفعت دعوى كي أحصل على تعويضي، لا كي أدفع. أخبرت القاضي أنني لا أستطيع تحمّل كلفة التفريغ، ولم يكن متعاوناً معي، رغم أن الحادثة حصلت في دعوى أخرى، وقد أخذت القاضية على عاتقها مهمة التفريغ".
الوقت الطويل والمماطلة، هما السببان اللذان دفعا بجولياني إلى إسقاط دعواها بعد أن طردت من عملها.
"قد أبقى ثلاث سنوات في المحكمة، فاضطررت إلى التفاوض ولم أحصل إلا على مبلغ 500 دولار، كنت بحاجة ماسة للمال، أبي مريض وأمي تعاني من السرطان، هذا عدا عن أني ملزمة بالدفع شهرياً للمصرف لأني أقوم بتقسيط منزل. هكذا تنازلت عن حقي".

فؤاد أيضا قبل بالتسوية مع شركته، "لم أكن أعرف حقوقي، بالإضافة إلى أنهم هددوني بتوجيه تهمة سرقة إذا لم أقدم استقالتي بنفسي. بعد سنوات وبالصدفة علمت أني حصلت على أقل بكثير من حقي، هذا بخلاف الظلم الذي يلحق بنا لأن راتبنا المسجل في الضمان أقل بكثير مما هو عليه".
بعد سبع سنوات لم تمل يارا من متابعة دعوتها "قضيتي هي حق اجتماعي. دعوتي ضد النهج الذي تتبعه الشركات مع الموظفين. لو لم يكن نهجاً لما كنا شهدنا عدداً كبيراً من الشركات تطرد موظفيها بهذه الطريقة. من حقي أن أستمر في المطالبة بحقي وسأفعل".

أزمة في أروقة المحاكم
يؤكد أسعد سمور، من المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين، أنه "بحسب القانون يجب أن تبت قضايا العمل المتعلقة بالطرد التعسفي، خلال مهلة ثلاثة أشهر"، مشيراً إلى التأخير الفعلي بإصدار الأحكام. الا أن سمور يؤكد أن المسألة تختلف بين المحافظات. ففي حين أن القضايا في محافظة بيروت من الممكن أن يبت فيها بشكل سريع، تتأخر الدعاوى في محافظة جبل لبنان بسبب الضغط عليها. مشكلة التأخير بحسب سمّور متعددة. أولا بسبب عدد الجلسات، "فالمحكمة تجتمع مرة واحدة أسبوعياً، ما يعني أن هناك العديد من الدعوات المتراكمة التي لا يمكن حلّها في أسبوع واحد".

المشكلة الثانية هي "قلة القضاة والغرف والمباشرين"، يضيف سمّور. أما المشكلة الأكبر بحسب سمور فهي في طريقة تعاطي القضاة مع قانون العمل: "لا يوجد إلمام ومعرفة كافية بقانون العمل، لا سيّما أن القضاة هم من خلفيات مدنيّة، وينظرون إلى عقود العمل على أنها بين طرفين متساويين، وهذا الأمر غير صحيح، فصاحب العمل يمتلك قوة وسلطة معينة على الأجير. كما أن قانون العمل يأخذ بالاعتبار الخلفية الاقتصادية والاجتماعية للأجير، ما يعني أن الحكم يجب أن يراعي هذا الأمر".
كما يشير إلى أنه في الشكاوى التي تلقاها المرصد منذ بداية هذا العام، تبلغ نسبة الطرد التعسفي فيها 43%، و5% منها صرف أثناء الحمل، وحالة واحدة تعرضت فيها الموظفة للاعتداء بالضرب في الشركة.
من جهة أخرى يشرح مارون الخولي، ممثل العمال في مجلس العمل التحكيمي، طريقة سير الأمور، التي تبدأ "بتعيين أول جلسة الذي يأخذ ثلاثة أشهر، إضافة إلى ثلاثة أشهر لتبادل لوائح التبليغات، هذا عدا عن تذرع صاحب العمل بعدم تعيين محامٍ في أول جلسة، ما يمنحه ثلاثة أشهر إضافية".
"المعدّل الوسطي للوقت الذي يتطلبه البت في الدعاوى هو بين ثلاث وأربع سنوات"، يقول الخولي، الذي لا يخفي أن هناك دعاوى قد يطول البت بها ثماني سنوات أو أكثر.
هذا المعدل الوسطي للوقت الذي تستغرقه عملية البت بالدعاوى، تؤكده نارمين سباعي من خلال عملها محاميةً: "أحياناً لا يكون هناك مجالس، أو يكون هناك نقص في الهيئة (المؤلفة من قاض وممثل عن العمال وآخر عن أصحاب العمل)، أو يحصل أن يتوفى أحد القضاة، فيتوقف عمل المجلس إلى حين تعيين قاض آخر.

المساهمون