بدأت موريتانيا خلال الأسابيع الماضية التحضير لاحتضان القمة العربية السابعة والعشرين، وسط سعي رسمي لاتخاذ كافة الإجراءات التي تضمن حُسن استضافة القمة، في ظل تشكيك البعض في توفر الإمكانيات الفنية اللازمة في موريتانيا لاحتضان القمة المزمع عقدها في شهر يوليو/تموز المقبل.
فقد وضع اعتذار المغرب عن استضافة القمة العربية، موريتانيا أمام تحدي احتضان أول قمة عربية في تاريخها، واستنفرت الحكومة الموريتانية جهودها في سباق مع الزمن وسط تحديات سياسية وأمنية ولوجستية. وشكّلت الحكومة الموريتانية لجنة تحضيرية برئاسة الأمين العام لرئاسة الجمهورية وعضوية عدد من الوزراء وقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية للإشراف على مختلف جوانب التحضير للقمة العربية، فيما بدأ وزير الخارجية، أسلك ولد أحمدازيد بيه، زيارات مكوكية إلى العديد من الدول العربية لتنسيق جدول أعمال القمة والتشاور حولها قبل حلول موعدها في يوليو/تموز المقبل.
وتسعى الحكومة الموريتانية لمواجهة المشككين في قدرتها على استضافة القمة العربية، معوّلة على ما تعتبره نجاحات سياسية ودبلوماسية حققتها خلال السنوات الماضية بعد رئاستها للاتحاد الأفريقي واستضافتها للعديد من القمم القارية. ويُعتبر التحضير الفني واللوجستي أبرز التحديات التي تواجه خطط موريتانيا لاستضافة القمة العربية، فالبلاد في أزمة اقتصادية، إذ تُطبّق الحكومة خطط تقشف غير معلنة بسبب انهيار أسعار الحديد والمعادن. كما أن البنية الخدمية ضعيفة وهشة إذ لا يوجد في العاصمة نواكشوط سوى مطار واحد، فيما لا يزال المطار الجديد في مرحلة التجربة. كما أن قطاع الفنادق ما زال ناشئاً وخدمات الماء والكهرباء تشهد ضغطاً كبيراً يبلغ ذروته وقت انعقاد القمة في يوليو/تموز في موسم الصيف والحر.
سياسياً، تعوّل الحكومة الموريتانية على سياسة "الحياد الإيجابي" التي تنتهجها حيال العديد من الملفات الساخنة في المنطقة العربية، وهو ما يؤهلها حسب بعض المحللين لتكون "طرفاً مقبولاً" في لعبة المحاور التي تطبع المشهد العربي حالياً. المفارقة أن الاستضافة الموريتانية للقمة جاءت بعد اعتذار المغرب، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان تأخر انضمام موريتانيا إلى الجامعة العربية عام 1973 بعد ثلاثة عشر عاماً على استقلالها عن فرنسا وبعد صراع سياسي ودبلوماسي مع المغرب الطامح آنذاك لضم موريتانيا إلى أراضيه.
اقرأ أيضاً: وزير الخارجية الجزائري: الجامعة العربية تحضر لعقد قمتها بموريتانيا
وعلى الرغم من أن موريتانيا أدت أدواراً دبلوماسية مهمة خلال مرحلة السبعينيات نظراً للعلاقة التي جمعت بين الرئيس الموريتاني الراحل المختار ولد داداه، والزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، إلا أن الأنظمة العسكرية التي تعاقبت على موريتانيا منذ العام 1978 جعلت الجهد الدبلوماسي الموريتاني ينصب على الدفاع عن الأنظمة العسكرية وشغل المقاعد الدبلوماسية بروتوكولياً، ما جعل الحضور الموريتاني داخل الجامعة العربية هامشياً وضعيفاً.
كما ساهمت السياسات الخارجية "المرتجلة" التي انتهجتها الأنظمة العسكرية الموريتانية في بقاء حضور نواكشوط شكلياً على المستوى العربي والإقليمي، فقد أيّد نظام العقيد معاوية ولد الطايع، العراق خلال حرب الخليج الثانية، ما أغضب دول الخليج التي كانت تمثّل الثقل الاقتصادي في الجامعة العربية آنذاك. وكان قراره بتطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي سبباً في الإساءة إلى سمعة موريتانيا رسمياً وشعبياً. كما شكّل انحياز الرئيس السابق محمد خونه ولد هيداله للجزائر وجبهة البوليساريو ضد المغرب خلال الصراع على الصحراء خرقاً لسياسة "الحياد" التي كان قد انتهجها الحكام العسكريون للبلاد بعد انسحاب موريتانيا من أزمة الصحراء بعد انقلاب 10 يوليو/تموز 1978.
في العام 2007 سلّم قادة الجيش السلطة لأول رئيس مدني منتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وشكّل ذلك حدثا تاريخياً للبلاد، ودشن الحكم الجديد دبلوماسية نشطة واحتفى المانحون بموريتانيا وتم إعفاؤها من بعض ديونها وتقديم مساعدات اقتصادية ضخمة لها. غير أن الجيش لم يلبث أن عاد للسلطة وانقلب على ولد الشيخ عبد الله، لتعود السياسة الخارجية الموريتانية إلى الانشغال بمعركة الدفاع عن شرعية الانقلاب.
وفي 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، استلم الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي وترأس العديد من لجان الوساطة الأفريقية خلال الصراع على الرئاسة في ساحل العاج بين لوران غباغبو والحسن وتارا عام 2011، وخلال أحداث الثورة الليبية ضد معمر القذافي، حين قاد ولد عبد العزيز لجنة أفريقية لإقناع القذافي بالتنحي. كما أشرف على توقيع اتفاقية كيدال في مايو/أيار 2014 بين الحكومة المالية والحركات المتمردة في الشمال.
كما قدّم نظام ولد عبد العزيز نفسه خلال الأعوام الأخيرة باعتباره قوة دبلوماسية أساسية في منطقة شمال غرب أفريقيا، بعد نجاح نواكشوط في احتضان عدد من القمم الأفريقية حول الأمن في منطقة الساحل والصحراء.
على المستوى العربي والإقليمي، تأرجح الموقف الموريتاني في العديد من المحطات تبعاً للمصالح، فقد عزز ولد عبد العزيز علاقته بإيران بعد وصوله إلى السلطة عام 2009 وقام بأول زيارة لرئيس موريتاني إلى طهران، وافتتحت إيران أول سفارة لها في نواكشوط، ووقّع البلدان العديد من الاتفاقيات الاقتصادية. غير أن موريتانيا حرصت أيضاً على علاقة جيدة بالمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، ودخلت البلاد في علاقات اقتصادية وعسكرية مع السعودية منذ عدة أشهر وانضمت مبكراً إلى التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب.
مغاربياً، اتسمت العلاقة مع الجارين العربيين الأكبرين، المغرب والجزائر، بـ"التقلب والتأرجح"، فقد بقيت العلاقة بالمغرب متوترة طيلة الأعوام الماضية. وعلى الرغم من المحاولات الأخيرة لرأب الصدع بين البلدين، لم يعيّن أي منهما سفيراً له عند جاره حتى الآن. فيما وُصفت العلاقات بين موريتانيا والجزائر بـ"المتميزة" خلال الأعوام الثلاثة الماضية، إلا أنها لم تسلم هي الأخرى من التوتر، فقد تبادل البلدان طرد الدبلوماسيين، كما تحدثت مصادر إعلامية موريتانية أخيراً عن تعليق الجزائر تعاونها العسكري مع موريتانيا.
وفيما تواجه استضافة موريتانيا للقمة العربية تحديات مختلفة، يُعدّ الهاجس الأمني حاضراً بقوة من خلال مشاركة قادة الجيش والأجهزة الأمنية في اللجنة التحضيرية الموريتانية للقمة، إلا أن تحدي إنجاح قمة عربية من دون بروز الخلافات العربية للعلن، يُعتبر الطموح الذي تتمناه موريتانيا وربما تعتبره كافياً في هذا الظرف العربي العسير.
اقرأ أيضاً: موريتانيا مستعدة لاستضافة "القمة العربية" بعد اعتذار المغرب