مهزلة قضائيّة تهدّد أمن مصر

09 مايو 2014

مصريون وأتراك يتظاهرون ضد أحكام الإعدام في مصر (أرشيفية)

+ الخط -
في وقت تسعى فيه منظمات حقوق إنسان، دولية وقُطرية، إلى إلغاء عقوبة الإعدام، تشهد مصر مجزرة قضائية، بإصدار قاضي محكمة المنيا، سعيد يوسف صبري، قراراً بإعدام 683 مصرياً، بينهم مرشد جماعة الإخوان المسلمين، محمد بديع، في محاكمةٍ أقل ما يقال عنها، إنها صورية، أقرّت الأحكام قبل محاكمة المتهمين.
وعلى الرغم من العاصفة الدولية بالتنديد والشجب، ودعوة السلطات المصرية المؤقتة إلى إلغاء القرار، تُمعن هذه في الدوس على أبسط حقوق الإنسان، الحق بالحياة، والذي كفلته الشرائع السماوية والمواثيق الدولية، وتحيل أوراق المحكومين بالإعدام إلى المفتي، وتوضح في قرار الإحالة أن "رأي المفتي استشاري، لا يغيّر القرار"، وإذا كان هذا الرأي كذلك، ولا قيمة له، لماذا إحالة القرار على المفتي أصلاً؟ هل لرفع العتب؟
وكانت المحكمة نفسها قد أقرّت، قبل نحو شهرين، إعدام 528 مصرياً، بالتهم الواهية نفسها، والتي برعت السلطات الفاشية في العالم العربي على سَوقها، من قبيل "وهن إرادة الأمة"، و"تشكيل جماعة إرهابية"، و"زعزعة الاستقرار"، وغيرها من تهم لا يمكن التحقّق من صحتها، ولا من سندها الفعلي بالقانون الجنائي، طالما أن قوات النظام جزء من المواجهة مع الخصوم السياسيين.
ولعلّ لائحة المحكومين المصريين بالإعدام، والمؤبد 25 عاماً سجناً، تدلّ على الاستخفاف بأرواح الناس، مثلاً "حُكم بالمؤبد عبد الرحمن إسماعيل، وهو من ضحايا فض قوات الأمن المصرية الاعتصام في ميدان رابعة العدوية في أغسطس/ آب الماضي"، حسب حصيلة رسمية، كيف يحكم القاضي على ميت بالإعدام؟ وهناك حكم بالمؤبد بحق إبراهيم محمود عبد الحميد، وهو متوفٍ منذ ثلاث سنوات. والأغرب أن يرد اسم شخص، جمال سيد جمعة أحمد، مرتين في قائمة المحكومين. ألم ير القاضي تكرار الاسم، أم أن الغلّ والحقد دفعاه ليحكم على الرجل مرتين. وهناك أحكام بإعدام عائلات، أب ونجله (هاربان)، سيد محمود أحمد إسماعيل ونجله محمد، وثلاثة أشقاء من عائلة الشوربجي، محمد وهاني وأحمد، ومن عائلة أخرى شقيقان واثنان من أبناء عمومتهم من عائلة حسانين.
 
وحسب هيئة الدفاع، لم يتمكن المتهمون من لقاء موكليهم الذين وصفوا المحاكمة بالمهزلة. لكن هذه "المهزلة القضائية" قضت بقتل نحو 700 مدني، ذنبهم أنهم يناصرون محمد مرسي. ومهما اختلفنا في الرأي السياسي مع الإسلاميين، لا يجوز أن يصل الخلاف إلى سلب حياة الخصم، أو حريته، فالحوار سيد الديموقراطية التي تدعو إليها السلطات المصرية.

تطالب منظمات حقوق الإنسان الدولية بإلغاء عقوبة الإعدام، وتفسّر وجوب تنفيذ مطلبها "بأن المحكوم بالإعدام بتهمة خيانة الوطن، من وجهة نظر النظام القائم، قد يكون بطلاً في مرحلة سياسية أخرى. لذا، وجب إلغاء عقوبة الإعدام". وترى أن المجرمين يمكن إصلاح سلوكهم، بعقوبة سلب الحرية (السجن، فكم من سجين بجرائم خرج جامعياً. وأمام حالة الإعدام الجماعية، أصبحت المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام ضرورةً لا تحتمل التأجيل، حتى لا تُزهق أرواح، بسبب آراء أصحابها السياسية.

هذه الأحكام الجائرة بحق خصوم سياسيين لن تجعلهم يتوقفون عن العمل بفكرهم، فقتل الشخص لا يقتل الفكرة، بل، على العكس، ستكون كل نقطة دم تُراق إسفيناً في جسد الوحدة الوطنية لمصر المحروسة، وتتحمل السلطات المصرية القائمة تداعيات ما ينجم عن هذه الأحكام من دماء، جراء اقتتال أهلي بين "وليّ الدم" من المحكوم عليهم بالإعدام وأنصارهم والنظام القائم.
وهذا يقوّض استقرار مصر، ويجعل الجنرال عبد الفتاح السيسي "القائد" القادم على صهوة التاريخ الناصري، كما يراه أتباعه، في مواجهة غير محسوبة العواقب، يمتدّ شررها إلى دول مجاورة وغير مجاورة، لأن الحل الأمني وإعدام الناس يؤديان إلى ردة فعل غير مسبوقة في مصر، فضلاً عن مؤازرة الإسلاميين لهم في دول العالم.
حينها، سيجد الجنرال السيسي نفسه راكباً على جواد المجهول، والله وحده يعلم الخسائر البشرية والمادية لشعب مصر الذي انتصر في 25 يناير 2011 في ثورة شعبية متكاملة، أذهلت العالم بحضاريتها، غير أنه في 30 يونيو/ حزيران 2013، قامت ثورة مضادة باسم "الديموقراطية"، قادتها نخبة منقطعة الجذور، وتوّجت بانقلاب في 3 يوليو/ تموز 2013، عزل الرئيس المنتخب، محمد مرسي، والذي رتّب له القضاء نفسه تهم "التخابر مع الأجنبي"، لنكتشف أن هؤلاء الأجانب هم حركة حماس الفلسطينية التي تقاوم الاحتلال الإسرائيلي.
نخشى من تبعات ما يجري في مصر، في انفجارات شعبية عنيفة، ومستقبلاً نخشى من اقتتال أهلي، يُدخل مصر، لا سمح الله، في نفق مظلم يزعزع استقرارها. لذا، نناشد العقلاء فيها، أيّاً كانت مواقعهم مع النظام أو المعارضة، أن يدعوا إلى عقد حوار وطني، يُفضي إلى مرحلة انتقالية يتفقون على مدتها، لا تزيد عن عامين، تختار مصر في أثنائها برلماناً حقيقياً، ورئيساً في انتخابات تعددية نزيهة وشفافة. ولحسن النية، ينبغي إلغاء أحكام القضاء المصري بحق جماعة الإخوان المسلمين.
نقول هذا، لأن المواجهة مع مَن ليس لديهم ما يخسرونه، كالإخوان المسلمين الذين يعتبرون أنفسهم شهداء، نتيجتها خسارة خصومهم (السلطة)، ما يعني مزيداً من الدماء وعدم الاستقرار الذي يهدّد المنطقة برمّتها، وخصوصاً أن جوار مصر ملتهب في ليبيا والسودان.
961271CC-2E74-4340-A8B7-AE05508505B7
أميمة أحمد

كاتبة سورية مقيمة في الجزائر. عملت في صحف وإذاعات عربية وأجنبية ومواقع ألكترونية ، حائزة على جائزة "القلم الحر" من نقابة الناشرين الجزائريين.