مكابرة إسرائيلية مزيفة

مكابرة إسرائيلية مزيفة

31 اغسطس 2014
+ الخط -


قبل اندلاع الحرب على قطاع غزة، كانت هناك مفاوضات، وقبل المفاوضات كان هناك، وما زال، وضع عربي كارثي، تموج فيه الاضطرابات والفوضى. يومها، كانت إسرائيل تراقب الوضع، وتنتهج سياسة راقب وسدّد، وتتحكم بسير المفاوضات التي فشلت في النهاية.

في نظر الساسة، كما المفكرين الإسرائيليين، لم يشكل انهيار المفاوضات على إسرائيل شيئاً، فالقضية الفلسطينية ليست في سلم الأولويات، والعالم العربي مشغول، والعالم الغربي مشغول. ومها يكن، فإن إسرائيل دولة قوية، وليست معزولة، وعلاقتها بالعالم سوف تتأثر هامشياً بصراعها مع الفلسطينيين، وكأن الرياح تجري بما تشتهي السفن الإسرائيلية.

هذه التوقعات السياسية الفاشلة والاستخفاف والاستبعاد لعنصر المقاومة الفلسطينية ركيزة أساسية في القضية الفلسطينية، تشبه، إلى حد بعيد، ما كتبه رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، عام 2001، في كتابه "محاربة الإرهاب"، وقد صدر عن صحيفة يديعوت أحرونوت، وقد نظر فيه نتنياهو لأخطاء حكومة إسرائيل في التعامل مع "الإرهابيين"، وعدد أخطاء الحكومة السابقة قائلاً: "الحكومة سلمت محاربة الإرهاب الى جهة أخرى، قيّدت الحكومة أيدي قوات الأمن الإسرائيلية، لأنها سلبتها إمكانية أن تدخل القرى التي تؤوي الإرهابيين، وأفرجت الحكومة عن آلاف الإرهابيين الذين عاد منهم آلاف إلى عملهم القديم".

لكن "يديعوت أحرونوت"، الجهة التي صدر عنها الكتاب، ذكّرت نتنياهو بعد عملية الجرف الصامد، بنصائحه التي خالفها، فقد أفرج عن مئات الأسرى الفلسطينيين في عملية الجندي جلعاد شاليط، وترك المقاومة تحفر وتتسلح في غزة، وحارب الجيش الإسرائيلي مرتين في عهده في عمليتي عمود السحاب والجرف الصامد، حيث منع الجيش، مرتين، من الدخول إلى غزة، وفاوض المقاومة.

هذه التوقعات والمقياس الفاشل في التعامل مع الواقع، حيث تتناسى فيها إسرائيل أنها دولة محتلة، وأنها تستطيع خداع العالم واستغلال الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة، وأن المقاومة هي أحجار دومينو يتعامل معها نتنياهو كأنهم عصابة، وأن الشعب الفلسطيني يختصر في السلطة، تشير الى شوفينية ومكابرة سخيفة.

لكن، بعد عملية الجرف الصامد، خرج نتنياهو، في مؤتمر صحافي، متناسياً الأهداف التي وضعها في أثناء الحرب، من إمكانية احتلال غزة، إلى إقامة منطقة عازلة بين القطاع والمستوطنات الإسرائيلية، إلى ضرب القدرة الصاروخية للمقاومة، وصولاً إلى نزع سلاح المقاومة، فضلاً عن تصريحات ليبرمان الذي اعتبر أن الهدف الاستراتيجي لإسرائيل هو الحسم، وإلحاق الهزيمة بحماس ورفع العلم الأبيض، فقال مكابراً وكاذباً: "أنا لا أضع أهدافاً غير واقعية، ومع تثبيت وقف إطلاق النار، يمكنني القول إن هناك إنجازاً عسكرياً وسياسياً عظيماً، ضربت حماس بشدة، وتستطيع إسرائيل أن تنعم بهدوء طويل".

هذه المكابرة المزيفة انسحبت على الكتّاب والمفكرين وضباط جيش الاحتلال، وهذا الخداع للنفس وللإسرائيليين تكرر في "يديعوت أحرونوت" التي عددت إنجازات عملية الجرف الصامد، مقدمة أرقام متضخمة عن إنجازاتٍ، أو جرائم ارتكبت، ولم تستفد منها إسرائيل، إلا إراقة دماء الأبرياء.

وأخيراً، شاهدنا الأمهات الثكالى والآباء المكلومين والأطفال اليتامى يخرجون إلى شوارع غزة محتفلين بالنصر، مشيدين بالمقاومة، ولكن، هناك من لا يرى في هذا كله نصراً، مكابرةً.

F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
أحمد الصباهي (فلسطين)
أحمد الصباهي (فلسطين)