معركتا حماس وحزب الله.. الاختلاف والتشابه

معركتا حماس وحزب الله.. الاختلاف والتشابه

29 يوليو 2014

انتشال جندي إسرائيلي مصاب في عدوان 2006 (أ.ف.ب)

+ الخط -
الذين يقارنون بين معركتي حزب الله مع إسرائيل في تموز (يوليو) 2006 والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، اليوم، يخطئون ويصيبون. الخطأ يكمن في جملة عوامل: الأول أن حزب الله يقاتل على أرضه، وخلفه عمق استراتيجي يتجاوز لبنان إلى سورية وإيران. فيما المقاومة الفلسطينية في غزة تقاتل في شريط محاصر، من كل جانب، بإسرائيل ومصر. الثاني أن حزب الله يمتلك ترسانة أسلحة كبيرة، وخبرات قتالية مفتوحة في مواجهة إسرائيل، استمرت نحو عشرين عاما (قبل استدارته السورية)، بينما لم تملك المقاومة في غزة هذه التجربة القتالية المدعومة، علناً وبقوة، من خارج الحدود. ثالثاً: أن حزب الله ينفرد، وحده، بقرار المقاومة، ميدانياً، ويحصره بنفسه، فيما هناك أكثر من قوة وتنظيم في قطاع غزة، وإن كان الجسم الأكبر لحماس. رابعاً: قد تكون لإسرائيل أطماع في لبنان، ولكن، ليس على مستوى الاحتلال والاستيطان، فيما تنصب المعركة، تاريخياً، بين إسرائيل والفلسطينيين على السيطرة على المكان، وتفريغه من سكانه (هدف إسرائيل) والتشبث بالمكان، وتحرير ما احتل منه (هدف الفلسطينيين).

لكن، هناك، بالتأكيد، أوجه شبه بين معركتي حزب الله والفلسطينيين مع الإسرائيليين في غزة اليوم. أولها: كسر إرادة القوى التي تعمل على مقاومة المشروع الصهيوني الذي لم يكتب كلمة النصر النهائية في فصول الصراع المتعاقبة. لم ينته المشروع الصهيوني باحتلال فلسطين عام 48 ولا احتلال الضفة وقطاع غزة في عام 67. فلم تستطع إسرائيل إقامة الدولة اليهودية "الصافية"، لا في فلسطين الـ 48، فضلاً عن عدم قدرتها على السيطرة العسكرية والبشرية الكاملة على ما احتل من فلسطين بعد حرب 67. هذا على المستوى التاريخي والأيديولوجي للصراع.

في مستوى التكتيك، هناك هذه الأوجه: أن المقاومة الفلسطينية في غزة استفادت من درس لبنان في تموز (يوليو) 2006، ودروسها اللاحقة مع إسرائيل، وتأكدها، بالتجربة، أن الجيش الإسرائيلي، الذي لا يقهر، هو أقرب إلى الأسطورة منه إلى الواقع، خصوصاً إن توفرت الإرادة والاستعداد لمواجهته. كما أن المقاومة في غزة أفادت من تكتيكات حرب حزب الله مع إسرائيل في موضوع الصواريخ (وإن كانت صواريخ غزة ليست بفعالية صواريخ حزب الله ومداها). وليس مستبعداً أن تكون خبرات حزب الله القتالية قد وصلت إلى "حماس" مباشرة، أو بطريقة غير مباشرة. هناك أيضاً عنصر توقيت المواجهة، فحزب الله الذي خطف الجنديين الإسرائيليين كان يعرف أن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي حياله. قد لا يكون وضع في الحسبان أن إسرائيل ستجرد حرباً طويلة وشعواء ضده، لكنه كان يعرف أنها لن تكتفي بقصف أهداف متنقاة تابعة له. عنصر الاستعداد للمواجهة كان واضحاً جداً عند حزب الله، لما وقعت مواجهته المفتوحة مع القوات الإسرائيلية.

في الجانب الفلسطيني، نرى أن المقاومة في غزة كانت هلى أهبة الاستعداد لهذه الجولة الجديدة من الحرب مع إسرائيل، ولم تفاجأ بأي خطوة إسرائيلية، بل ربما حدث العكس. ثم إن المواجهة في المناطق المأهولة بالسكان (رغم عدم مبالاة إسرائيل بالخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين) توازي وعورة المناطق الجنوبية اللبنانية، بالنسبة لتقدم الآليات والمشاة. إن دخول المواجهة المفتوحة بين أسلحة إسرائيل كافة والمقاومة في غزة أسبوعها الرابع، من دون أن تحقق إسرائيل اختراقات كبرى، يماثل التقدم العسير للقوات الإسرائيلية في جنوب لبنان. كانت إسرائيل تحسب تقدم قواتها في صيف 2006 بالأمتار، وها هي تحسب تقدمها في قطاع غزة بالأمتار، بعد أن تدمر مناطق تقدمها بالكامل. يمكن إضافة وجه آخر مشترك بين المعركتين: عدم استطاعة إسرائيل ضرب قيادة حزب الله الميدانية، أو السياسية، طوال شهر من القصف العنيف، وها هي لم تتمكن (حتى اللحظة) من ضرب قيادة حماس، أو قوى المقاومة الفلسطينية الاخرى، الميدانية والسياسية، على عكس الجولات السابقة. وهذا يعني أن حماس تمكنت من إخراج جيش العملاء الذي كان يسرح في القطاع، من المعادلة، ولعلها تمكنت من فعل العكس، على ما تقول صحف إسرائيلية، ما يدلل على تدبير مسبق من المقاومة في غزة، لمواجهة استحقاق كهذا. فقد استطاعت قيادة المقاومة في قطاع غزة أن تمتص الضربات المدمرة التي كان يراد لها أن تلحق خسائر كبيرة في صفوفها، وأن تقطع شبكة اتصالها بعناصرها في الميدان. هذا لم يحصل، كما هو واضح، على الرغم من ضراوة الضربات التي لم تسنثن سلاحا لم تستخدمه.

يبقى أن نذكر تشابه المناخ السياسي العربي في الحالتين. نفهم إدارة بعض الأنظمة ظهره لمعركة حزب الله ضد إسرائيل 2006. ولكن، كيف نفهم موات رد الفعل الرسمي العربي حيال جرائم إسرائيل ضد المدنيين في غزة، وهو الذي طالما تشدق باسم فلسطين؟ 
سيقول بعضهم إن الأمر يتعلق بحماس تحديداً، وعلاقتها بالإخوان المسلمين، لكن هذا قول مردود، فلو كانت "فتح" هي التي في الميدان، الآن، لما اختلف رد فعل أنظمةٍ عربيةٍ، تريد أن تتخلص نهائياً من صداع فلسطين المزمن.
E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن