معتز نصر.. الفن يبدأ من انتفاضة الخبز

معتز نصر.. الفن يبدأ من انتفاضة الخبز

08 اغسطس 2014
"ودن من طين وودن من عجين"، 2001
+ الخط -
ربما لن تكون بحاجة إلى جواب عن السؤال التقليدي، حول دور الفن في المجتمع وأنت تتحدّث مع الفنان المصري معتز نصر (1961)، لأنه أجاب بشكل عملي على هذا السؤال منذ 2008؛ عندما أسّس في القاهرة القديمة، وبجهوده الذاتية، مركزاً ثقافياً مستقلاً "درب 17 -18"، لتقديم معارض للفن التشكيلي وعروض موسيقية وسينمائية وورش فنية للشباب.

يفسّر نصر في حديثه مع "العربي الجديد" سبب اختياره هذا الاسم للمركز: "إنه استدعاء ليومي 17 - 18 من كانون الثاني/ يناير 1977"، لأنهما يمثلان من وجهة نظره "آخر انتفاضة حقيقية للشعب المصري قبل ثورة 25 يناير"، فوقتها شارك نصر مع العديد من الشباب والعمال في الانتفاضة التي جاءت اعتراضاً على قرارات نظام السادات برفع الدعم عن السلع الأساسية فيما عرف آنذاك بـ"انتفاضة الخبز".

يلاحظ المتابع لأعمال نصر، المولود في الإسكندرية، مزجه بين الرسم والنحت والتصوير وفن الفيديو، لإنشاء تركيبات يمكن تأويلها في إطار واسع، ويجده مهموماً منذ أعماله الأولى بقضايا مجتمعه، فهو يؤمن بفكرة التزام الفنان.

عندما كان المجتمع المصري يمر بحالة من "اللامبالاة" تجاه الأحداث التي تدور في مصر، خلال سنوات حكم مبارك الأخيرة، عبّر نصر عن هذه الحالة في أكثر من عمل أبرزها "ودن من طين وودن من عجين"، حيث جمَّع في "فيديو" عشرات من ردود أفعال المصريين غير المبالين بالأحداث، ووضع خلفية على شكل حائط ضخم عليه "آذان" كثيرة إحداهما من طين والأخرى من عجين، في إشارة إلى عدم الاهتمام، وشارك بهذا العمل في "بينالي القاهرة" (2001)، وحصل على الجائزة الكبرى.

ومثلما يهتم نصر بالقضايا الكبرى في المجتمع، يهتم أيضاً بالقضايا الإنسانية الخاصة بتفاصيلها الدقيقة، كما نجد في عمله "أب وابن". وهو "فيديو" يُعرض على شاشتين، يقول عنه نصر "إنه حوار توثيقي بيني وبين أبي، أجريته بعد وفاة أمي لمناقشة الخلافات العائلية بينهما"، وفيه يعرض كيف كان أبوه مسيطراً على كافة شؤون البيت كعادة الرجل في مجتمعاتنا.

اكتشف نصر أبعاداً جديدة لتجربته خارج الحدود المصرية، خصوصاً بعد مشاركته في "بينالي السنغال" عام 2002، شعر خلاله بأنّ أفقاً جديداً قد انفتح له على الفنون الأفريقية، بعدما كانت الثقافة المصرية السائدة تهمل دور أفريقيا الفني، رغم أن نصر يرى "أن بينالي السنغال أهم من بينالي القاهرة".

تنوّعت أعمال الفنان خلال مسيرته الفنية التي بدأت منذ أكثر من 15 عاماً، حصل خلالها على العديد من الجوائز المصرية والعربية، من "بينالي القاهرة" (2001) و"بينالي السنغال" (2002) و"بينالي الشارقة" (2004)، وشارك في العديد من المعارض الدولية.

وعن احتكاكه بالثقافات المختلفة وخصوصاً الأوروبية، يقول: "مثلما تميّزت الثقافة الأوروبية مثلاً بالرسوم على الكاتدرائيات، تميّزت الثقافة العربية بخصوصيتها في رسوم الخط العربي"، ويرى أن "هناك محاولات ناجحة الآن في مجال تطوير الخط العربي لنقله من دائرة الفن التقليدي إلى دائرة الفن المعاصر".

"المتاهة"، 2013 


انحاز نصر إلى "ثورة يناير" منذ البداية، وأقام العديد من المعارض في مصر وأوروبا تحمل اسم الثورة المصرية، لكن مهمّة الفنان، على حد قوله "ليست في تقديم الحلول، بل هي فقط تسلّط الضوء على سلبيات المجتمع لكي يراها الناس". ويشبّه نصر الفن بالذبابة التي تلدغ الخيل فتدفعها إلى الحركة، مثلما وصف أفلاطون مقالات أستاذه سقراط.

ويخشى الفنان "أن يعود المصريون إلى حالة اللامبالاة التي كانوا عليها قبل الثورة بسبب عودة النظام القديم مرة أخرى". وعن وزارة الثقافة المصرية، يرى نصر أننا "لسنا بحاجة إليها"، ويدعو إلى تفكيكها "لأنها لا تعبر عن واقع الثقافة الحقيقي في مصر، فالذي يتابع المشهد الثقافي المصري يلاحظ أن المراكز الثقافية المستقلة أصبحت هي التي تعبّر بقوة عن المشهد".

ورغم انشغال نصر في أعماله بقضايا المجتمع، إلا أنه يرى "أن الفن يجب أن يكون بعيداً عن الأيديولوجيا التي تتبناها الدولة. ويرد أسباب الفجوة الكبيرة التي حدثت بين الفن والناس إلى "إهمال التعليم وتدهور الحالة الاقتصادية، وغياب النقد ومحاولة النظام، بدءاً من الستينيات، أدلجة الفنانين، لتكون الحركة الفنية بالكامل تحت رعاية الدولة". ويخشى نصر - لنفس هذه الأسباب - على مستقبل الفن في ظل حكم السيسي.

المساهمون