مصر: قضية فساد كبرى عبر وسيط إماراتي

مصر: قضية فساد كبرى أبطالها سيدة الاستخبارات الأولى ونجل الباز ووسيط إماراتي

22 مايو 2019
وزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد (صفحتها على فيسبوك)
+ الخط -

كشف خطاب موجه من عضو مجلس النواب المصري محمد فؤاد، إلى رئيس هيئة الرقابة الإدارية اللواء شريف سيف الدين، عن قضية إهدار أموال عامة تقدر بملايين الدولارات بطلتها وزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد، زوجة محافظ البنك المركزي طارق عامر، ورئيسة مجموعة "إيغل كابيتال" التي أنشأتها المخابرات العامة كصندوق استثمار مباشر يتولى إدارة جميع استثمارات الجهاز.

وقال النائب في المذكرة التي أرسلها إلى رئيس هيئة الرقابة الإدارية إن الواقعة تعد "من أكبر وقائع تداخل وتعارض المصالح التي يستوجب الأمر بحثها بعناية والتحقق منها بكافة الوسائل والسبل".

وبحسب المذكرة فإن مدراء ومسؤولين في بعض البنوك الحكومية والخاصة تعرضوا لضغوط كبيرة لقبول تأجيل تنفيذ حجز إداري على "الشركة المصرية للهيدروكاربون" وهي شركة مدينة بمبلغ يقدر بـ450 مليون دولار لعدد من البنوك المصرية بعد أن كان من المفترض أن يتم الحجز عليها لتأخرها أكثر من 3 سنوات عن دفع أي من أقساط القرض.

وتعود بداية الأحداث بحسب المذكرة إلى عام 2010 عندما تقدمت الشركة المصرية للهيدروكاربون للحصول على قرض قيمته 285 مليون دولار من 11 بنكاً، أبرزها والمسؤول عن 50% من قيمة القرض "بنك مصر، وبنك القاهرة، والبنك التجاري الدولي" وتم تسليم القرض وتعرضت الشركة إلى بعض الأزمات التي أدت إلى تأخر إنتاجها مثل تأخر المقاول في تنفيذ المشروع، وصعوبات في الحصول على تراخيص الشركة بسبب الموافقات الخاصة بالجهات الأمنية، ثم عدم القدرة على تسويق المنتج.
واستمرت تلك الأزمات منذ عام 2010 وحتى الآن، إلا أن الشركة من الناحية المالية تعثرت في السداد أعوام 2016، و2017، و2018 إذ لم تسدد أية أقساط، غير أنه في الستة أشهر الأخيرة من عام 2018 بدأت مفاوضات مع البنوك حتى وصلت إلى اتفاق تم توقيعه في البنك التجاري الدولي يوم 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، على جدولة القرض الذي بلغت قيمته بعد احتساب الفوائد والمتأخرات 385 مليون دولار.

وبحسب ما يقول النائب محمد فؤاد فإنه حتى تلك اللحظة لم تكن هناك أية مشكلة ولم يجد مشكلة بشأن اتفاق الجدولة.



ويضيف أن المشكلة الحقيقية بدأت في شهر مارس/ آذار 2019 عندما استحق دفع 45 مليون دولار قيمة أول قسط في اتفاق الجدولة الجديد، ولم تستطع الشركة المصرية تدبير سوى 20 مليون دولار فقط، فأصبحت في مشكلة كبيرة وهي عدم اكتمال أول استحقاق إذ بلغت قيمة العجز 25 مليون دولار، في حين أنهم وقّعوا عقد الجدولة، وأن ذلك المبلغ المستحق هو القسط الأول بعد انقطاع عن السداد لمدة تزيد عن 3 سنوات، وبناء على ذلك لم تجد البنوك حلاً سوى اتخاذ الإجراءات القانونية بداية من الحجز الإداري، وعليه بدأت البنوك في إجراءات الحجز.

وبحسب ما يقول النائب في مذكرته المرفوعة إلى رئيس هيئة الرقابة الإدارية فإن مصادر قريبة من الشركة أبلغته بأن رئيس مجلس إدارة الشركة باسل أسامة الباز، نجل المستشار السياسي السابق للرئيس المخلوع حسني مبارك، تلقى مكالمة هاتفية من خلال وسيط رجل أعمال إماراتي أبلغه خلالها بأن الوزيرة السابقة داليا خورشيد تريد التحدث إليه، وتم إجراء اتصال ومقابلة في اليوم نفسه، وبناء على تلك المقابلة عرضت خورشيد أن تمثل الشركة أمام كل البنوك ووعدت بأن تحل تلك الأزمة، وبالفعل تم إرسال خطابات إلى البنوك في يوم 31 مارس، وهو الموعد الذي بدأت فيه البنوك إجراءات الحجز الإداري على الشركة، وبالفعل أسهمت هذه الخطابات في تعطيل إجراءات الحجز إلى أن تتم مقابلة مع الوزيرة السابقة يوم 10 أبريل/ نيسان 2019 في بنك مصر الساعة الواحدة ظهراً، وحصلت على مدة 3 أشهر تأجيل طبقاً لما وعدت به الوزيرة الشركة، وهذا ما ينفيه تماماً بنك مصر ويؤكد استمرار الحجز الإداري، رغم بطء تنفيذه من الناحية العملية حتى تاريخ مذكرة النائب إلى رئيس الرقابة الإدارية.
ويقول النائب محمد فؤاد في مذكرته إنه وردت إليه "معلومات وشكاوى" بتعرض العديد من البنوك إلى الضغط لحضور ذلك الاجتماع بعد قرارهم بعدم الحضور والاستمرار في إجراءات الحجز.

وأشار إلى الاتفاق الكتابي الذي تم توقيعه بالفعل بين شركة مصر للهيدروكاربون التي يرأسها نجل أسامة الباز، وشركة "مسار" التي تمثلها الوزيرة السابقة وسيدة المخابرات الحالية وزوجة محافظ البك المركزي، والمؤرخ بتاريخ 4 إبريل/ نيسان 2019 ممهوراً بتوقيع باسل الباز وداليا خورشيد.

وبحسب ما ورد في مذكرة النائب فإن ذلك الاتفاق نص على حصول داليا خورشيد يوم 9 إبريل/ نيسان 2019 أي بعد أيام قليلة من توقيع الاتفاق على مبلغ 275 ألف دولار نقداً وعداً في حساب شركتها نظير "الاستشارات التي تقدمها". كما نص أيضاً على حصولها على مبلغ 50 ألف دولار شهرياً نظير "القيام بأعمال الاستشارات". وأيضاً الحصول على نسبة 3% من القرض الجديد الذي ستقوم بتسهيله.



وتشير المذكرة إلى أن ذلك المبلغ "مرتفع للغاية" حيث لا تتعدى معظم تلك العمولات أكثر من 0.5% وأحياناً 1000/0.5.

واستنكر النائب في مذكرته حضور زوجة محافظ البنك المركزي اجتماعاً يضم بنوكاً يرأسها زوجها وقال إن ذلك "يفتح الباب على مصراعيه للشبهات".

أضاف أنه بالبحث السريع ومن دون عناء تبين أن هناك أشخاصاً جمعت بين عضويتها في مجالس إدارات بنوك من بينها البنوك المانحة للقرض، بل ومنهم من هو يمثل بنكه في هذا القرض وكذا عضويتها في شركة "مسار للاستشارات المالية" المملوكة للوزيرة السابقة، ما يسمح بوجود تضارب وتداخل في المصالح.
وعلى سبيل المثال لا الحصر ذكر النائب في مذكرته كلاً من: شهير وفيق ناشد المعين من قبل البنك المركزي عضو مجلس إدارة بنك "SAIB" ومعين في "مسار"، ويمثل البنك في القرض الذي تديره شركة مسار، وإبراهيم صفوت لطفي ممثلاً للبنك المركزي المصري بمجلس إدارة البنك العربي الإفريقي وكذا عضو شركة "مسار"، وعبده الفيشاوي عضو مجلس إدارة البريد المصري وكذا شركة "مسار".

وأكد أن هناك أكثر من 10 أشخاص بهذا الوضع في كل البنوك، قائلاً: "بكل وضوح نجزم أن الأشخاص الثلاثة المذكورين كانوا يعملون مع خورشيد في أثناء توليها وزارة الاستثمار، وعليه تثار الشكوك بشكل واضح حول كونها قد تكون المسؤولة عن تعيينهم من خلال زوجها محافظ البنك المركزي فأصبحوا يشغلون أعضاء مجالس إدارة في البنوك وشركاء معها في فريق عمل الشركة تحت أي مسمى".

وأضاف: "لم يقتصر الأمر على ذلك بل أن هناك خطاباً رسمياً من الشركة المملوكة للوزيرة السابقة موجهاً إلى عدد من البنوك تعرض فيه خدمات تدريبية نظير مبلغ مالي كبير، مشيرة في صدر هذا الخطاب إلى تعاملاتها مع مسؤولين حكوميين أبرزهم رئيس مجلس الوزراء، ومحافظ البنك المركزي، ووزير التخطيط والإصلاح. وكأنها تلوح بخطابها لظاهرة الباب الدوار ووجود تعاون حقيقي ورسمي بينها وبين تلك الجهات.

وتساءل النائب محمد فؤاد في مذكرته: ما الذي حدث بين عشية وضحاها أدى إلى تغيير عقيدة البنوك وجعلها تجتمع لتعطيل الحجز على الشركة، وما الذي قدمته الوزيرة السابقة وفشلت فيه الشركة ثلاثة أعوام، وماذا استطاعت أن تفعله الوزيرة خلال 24 ساعة فقط وما الذي أعطته للبنوك، وهل كان الأمر نفسه سيحدث لو كان هناك شخص آخر مكان الوزيرة السابقة؟.

وتعتبر الوزيرة السابقة داليا خورشيد إحدى أقوى الشخصيات في جهاز الاستخبارات العامة التي يرأسه ذراع الرئيس عبد الفتاح السيسي الأيمن اللواء عباس كامل، إذ إنها مسؤولة عن جميع المشروعات الاقتصادية التي يملكها الجهاز ومنها مجموعة "إعلام المصريين" وهي شركة قابضة تملك قنوات منها "أون تي في"، و"الحياة" و"سي بي سي" و"دي إم سي" ومجموعة كبيرة من الصحف والمواقع الإخبارية، مثل "اليوم السابع"، وشركتان للإنتاج الدرامي والسينمائي، وسبع من شركات الخدمات الإعلامية والإعلانية، وشركة للأمن والحراسة.



وعلمت "العربي الجديد" من مصادر قريبة من خورشيد أن الوزيرة السابقة استخدمت نفوذها الواسع لمنع نشر تفاصيل عن القضية كانت جريدة الأهالي الناطقة بلسان حزب التجمع (يساري) قد أعدّتها في عددها الصادر اليوم الأربعاء 22 مايو/ أيار، إلا أن العدد تم وقف طباعته في المطابع وإعادته إلى الجريدة لحذف التقرير الخاص بالوزيرة السابقة، وهو ما أكدته لـ"العربي الجديد" مصادر من داخل الجريدة.

يذكر أن الشركة المصرية للهيدروكربون المملوكة لرجل الأعمال باسل الباز، نجل أسامة الباز تمتلك مصنعاً بالعين السخنة حصلت على القرض البالغ 385 مليون دولار من تحالف يضم 11 بنكاً أبرزها، بنوك: التجاري الدولي، ومصر، والأهلي المتحد، والبحرين، والقاهرة، والمصرف العربي الدولي، وعودة.

وتتوزع المديونية بواقع 85.84 مليون دولار لصالح البنك التجاري الدولي، و76.87 مليون دولار لبنك مصر، و43.6 مليون دولار للأهلي المتحد ــ مصر، و33.2 مليون للأهلي المتحد ـ البحرين، 31 مليون لبنك القاهرة، 20 مليون دولار للبنك العربي، 15 مليون دولار لبنك عودة، و20 مليون دولار المصرف العربي الدولي، و15 مليون دولار بنك البركة، 20 مليون دولار لإيجي بنك، 25 مليون دولار الشركة المصرفية.

ووقعت البنوك على القرض بغرض توفير السيولة اللازمة للشركة لإنشاء مصنع لإنتاج نترات الأمونيا بالعين السخنة، ضمن مجمع ضخم لصناعة البتروكيميائيات باستثمارات إجمالية قدرت حينها بنحو 3 مليارات دولار.