مصر: انتخابات رئاسية بـ"لون الدم"... واقبال ضعيف ومخالفات

القاهرة

محمد فضل الله

avata
محمد فضل الله
الإسكندرية

مراسلون

avata
مراسلون
26 مايو 2014
+ الخط -

 


بدا لون الحبر الأحمر، الذي غمّس المرشح الرئاسي، عبد الفتاح السيسي، إصبعه فيه لدى إدلائه بصوته وهو يبتسم لكاميرات التصوير، في الانتخابات الرئاسية، التي بدأت اليوم الإثنين على أن تستمر إلى غد الثلاثاء، يختصر مشهد الأحداث في مصر منذ قيادة السيسي الانقلاب على الرئيس المنتخب، محمد مرسي، العام الماضي. وهي الأحداث التي ألقت بظلالها على المشهد في أول أيام الانتخابات، بعد أن انقسم المصريون بين مشارك في الانتخابات ومقاطع لها.

وطغت مجموعة من المشاهد في اليوم الانتخابي الأول، أهمها عزوف الشباب عن المشاركة مقابل مشاركة كبار السن، فضلاً عن رصد مخالفات بالجملة لصالح السيسي، فيما اتخذت السلطات الأمنية إجراءات أمنية مشددة بالتزامن مع تنظيم رافضي الانقلاب مسيرات وتظاهرات في عدد من المناطق، تأكيداً على موقفهم الرافض الانتخابات.

وفي انتخابات، يعدّ مرشحها الأبرز وزير الدفاع السابق، لم يكن غريباً ظهور الكثير من رموز نظام الرئيس المخلوع، حسني مبارك، في لجان الاقتراع مشاركين في علمية التصويت، تماماً مثلما لم يكن غريباً تصدر حزب النور الحشد للمشاركة في الانتخابات وتأمين نقل الناخبين.

وفي مقدمة رموز مبارك، الذين شاركوا في التصويت، رئيس الوزراء الأسبق، أحمد نظيف، الذي يحاكم في العديد من القضايا المتعلقة بنهب المال العام.

كما ظهر وزير الدفاع الأسبق، رئيس المجلس العسكري السابق، المشير حسين طنطاوي، في إحدى اللجان. بدوره، أدلى رئيس الأركان الأسبق، سامي عنان، بصوته. وكان الأخير قد انسحب من سباق الانتخابات الرئاسية بعد وساطات وضغوط عليه من جانب قيادات في المؤسسة العسكرية حتى لا يقف في مواجهة السيسي. كما أدلى رئيس المخابرات العامة السابق، مراد موافي، بصوته.

كذلك رصدت عدسات المصورين الصحافيين الفنان، عمرو مصطفى، أحد أبرز المدافعين عن الرئيس المخلوع، والذي وجّه إلى ثوار يناير/كانون الثاني العديد من الاتهامات بأنهم ممولون من جهات أجنبية وعملاء لبعض أجهزة المخابرات العالمية.

وجاء تصويت رموز نظام مبارك وسط تساهل أمني مع كل ما له علاقة بتأييد السيسي، الذي أدلى بصوته وسط حراسة أمنية مشددة وتعزيزات من القوات والحراسات الخاصة على عكس المرشح الثاني، حمدين صباحي، الذي وقف في طابور الناخبين، ثم أخرجته قوات الأمن من باب خلفي للمدرسة، تحسُّباً لتدافع الناخبين نحوه.

وفتحت قوات تأمين ميدان التحرير الميدان لأنصار السيسي، لتنظيم وقفة دعائية للمرشح. 

ووقف العشرات من أنصار السيسي في منتصف ميدان التحرير مرددين الهتافات المؤيدة لمرشحهم، وملوحين بأعلام مصر. وكان من اللافت عدم اعتراض أي من قوات تأمين الميدان وعناصر المرور على نزول مؤيدي السيسي إلى منتصف الميدان.

وفي القاهرة أيضاً، جابت سيارة تابعة لـ "حزب النور" شوارع حي مدينة نصر، شرقي القاهرة، وحاول قائدها إقناع المارة والماكثين في بيوتهم بـ"مشاركة المصريين فرحتهم" ومحاربة ما سماه "إرهاباً".

في المقابل، كان لمن قاطعوا "رئاسة الدم" فرحتهم لأنهم "لم يخونوا دماء الشهداء". وقال أحد الشباب المناهض للانقلاب، والذي قرر المقاطعة، لـ"العربي الجديد": "أخفيت بطاقة الرقم القومي الخاصة بوالدي، حتى لا يشارك في الانتخابات".

من جهته، عبّر المعتقل، ض.أ في سجن أبو زعبل، في رسالة بعثها أحد أصدقائه على فيسبوك، عن ارتياحه "لأنه تمكن من منع أهله من المشاركة في انتخابات تجري على دماء الشهداء".

عزوف شباب

وكان واضحاً، في اليوم الانتخابي الأول، أن الاقبال أقل بكثير مما شهدته اللجان نفسها خلال التصويت على دستور 2014، في حين استمرت ظاهرة عزوف الشباب عن المشاركة، وتصدر كبار السن من الرجال والنساء طوابير المقترعين. وهو ما ظهر في منطقتي إمبابة والوراق في الجيزة، حيث اختفى الشباب من الطوابير.

وتكرر مشهد الرجال المسنين، والسيدات، وهم يؤدون رقصات أمام اللجان على أنغام صاخبة الصوت "تسلم الأيادي"، و"بشرة خير". كما كانوا يحملون الأعلام المصرية وصوراً دعائية للسيسي، بالمخالفة للقانون، وسط تأييد وترحيب من قوات الجيش والشرطة التي تؤمّن اللجان.

ومن أمام لجنة مركز شباب إمبابة، أوقفت بعض السيدات "تكتك" وطلبوا من سائقه الرقص معهن على أنغام "تسلم الأيادي".

والتقط بعض الناشطين صورة لمجندين من الجيش يشغلون أغاني "بشرة خير" و"تسلم الأيادي" أمام اللجان، تأييداً للسيسي، فيما اختفت الدعاية الانتخابية لصباحي، كما ألغى أنصار دعم الشرعية مسيرة لهم كانت ستنطلق عصر الإثنين من مسجد النور المحمدي، في شارع القومية في إمبابة، بعد أن عرض لحصار أمني شديد، وتم القبض بشكل عشوائي على الأهالي.

وفي محافظة الفيوم، بدا إقبال الأهالي ضعيفاً للغاية، نتيجة للوجود الواسع لمناهضي الانقلاب من مؤيدي الرئيس، محمد مرسي، في العديد من القرى في مدن: طامية، سنورس، ومركز يوسف الصديق، جراء دعوات مقاطعة "مسرحية الانتخابات".

وقال أحمد مصطفى حافظ (مهندس)، لـ"العربي الجديد" إنه قاطع التصويت لأنه يوقن أنه مسرحية هزلية تقام على دماء الشهداء والمعتقلين، الذين سقطوا منذ الانقلاب العسكري في يوليو/تموز الماضي".

بدوره، أوضح محمود مخلف، 24 عاماً، أنه لم يقتنع بكلا المرشحين، مضيفاً "الجميع كان يتحدث عن فوز متوقع للسيسي، فقررت عدم المشاركة".

وعلى الرغم من الوجود الأمني المكثف من قبل الجيش والشرطة، إلا أن محيط عدد من اللجان شهد أجواء أمنية غير مستقرة. كما أعلنت قيادات أمنية عن عثورها على عبوات ناسفة بدائية الصنع داخل قرية منشأة عبد الله، التابعة لمركز الفيوم. وأقدم مجهولون على قطع طريق القاهرة – الفيوم مستخدمين إطارات السيارات المشتعلة، مما تسبب في توقف حركة السير والمرور على الطريق المؤدي إلى القاهرة.

وبالتزامن مع عملية الاقتراع، شهدت قرى ومراكز محافظة الفيوم تظاهرات ومسيرات وسلاسل بشرية رافضة الانقلاب العسكري ومنددة بالانتخابات الرئاسية. ووقعت اشتباكات بين أهالي قرية زاوية الكرداسة وقوات الأمن، التي استخدمت الغاز المسيل للدموع والخرطوش لتفريق المتظاهرين.

وفي بني سويف، لوحظ الوجود المكثف لمندوبي السيسي، فيما اختفى مندوبو صباحي. وبحسب أحد مسؤولي حملة صباحي، رامي الخولي، فإنهم تقدموا بنحو 322 توكيلاً للمحافظة، إلا أنهم فوجئوا بالموافقة على 7 فقط. وفي المقابل استخرج حزب النور - المؤيد للسيسي- أكثر من 5 آلاف توكيل، إضافة إلى أن جميع حملات مرشح العسكر في المحافظة صدر لهم توكيلات، ووجد أكثر من مندوب للمشير في كل لجنة.

وفي مركز ساقلتة في سوهاج، قام أعضاء حزب النور بتوفير سيارات لنقل الناخبين، وتكليف شباب الحزب بالوجود أمام اللجان وكل منهم يحمل (لاب توب)، لاستخراج بيانات الناخب، ورقم لجنته حتى يتمكن من الإدلاء بصوته بسهولة.

كذلك، شهدت أغلب لجان المطرية وعين شمس (شرقي القاهرة)، اختفاءً تاماً لمندوبي صباحي، وكذلك عدم تواجد أي من متابعي الانتخابات من منظمات المجتمع المدني، مما ينذر بحدوث عمليات تزوير في ظل الوجود أحادي الجانب لمندوبي المرشح السيسي.

كما طرد عدد من المندوبين المؤيدين للسيسي مراسلتين أجنبيتين من صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أثناء تسجيلهما لحديث صحافي مع أحد مؤيدي صباحي، على باب إحدى لجان المطرية، دون تدخل من القضاة والمشرفين على الانتخابات.

المشهد في مدارس فيصل والهرم في الجيزة، لم يكن أفضل حالاً لجهة ضعف الاقبال. وقال طالب إبراهيم البريك في حديث مع "العربي الجديد"، إن "غياب المشاركة الشبابية سببها مقاطعة نسبة كبيرة من الطلاب والشباب الانتخابات". وأضاف: "أنا قررت أن أقاطع الانتخابات، لأن صوتي لا يغير شيئاً، وقد شاركت في انتخابات الشعب والشورى والرئاسة، التي كانت حصيلتها الانقلاب العسكري".

بدوره، قال المواطن علي ليلة إن "غالبية الشباب يرى أن نتيجة الانتخابات معروفة سلفاً، ومحسومة لصالح السيسي". وأضاف "حتى بعض الشباب المؤيد للمرشح الرئاسي، حمدين صباحي، قرر المقاطعة، بعد الإعلان عن نتيجة تصويت المصريين في الخارج، والتي كانت لصالح السيسي".

أما في مدن القناة، وعلى الرغم من اقتراب انتهاء فترة التصويت للانتخابات في اليوم الأول، إلا أن الشباب دون 35 لم يشاركوا. وكان لافتاً الكثافة الأمنية غير المعتادة لتأمين مقار على الرغم من ضعف المشاركة في الانتخابات، إذ لم تتوقف الطائرات عن التحليق على كافة محافظات القناة، وتحديدًا محيط قناة السويس. وفي أغلب الأحيان كانت قوات الأمن المكلفة بتأمين مراكز الاقتراع أكبر عدداً من الناخبين.

وللتغلب على ضعف المشاركة، عمد رجال نظام مبارك إلى حشد الناخبين في أتوبيسات والمرور بها على لجان التصويت، لإظهار أن هناك مشاركة في الانتخابات. كما أصدرت وزارة الداخلية، عبر صفحة الشرطة في بورسعيد، نداء إلى الأهالي كافة للنزول والمشاركة مع الوعد بالتأمين الكامل لهم، وعدم التخوف من أي شيء، وسط سهولة في عملية التصويت.

ولم تقم قوات الأمن بنزع أشكال الدعاية الانتخابية كافة، وتحديداً للسيسي. كما قام حزب النور بتخصيص سيارات لنقل الناخبين إلى مقار اللجان، تسهيلاً عليهم نظراً لضعف المشاركة.

وفي الإسكندرية، تباينت نسبة مشاركة الناخبين في الانتخابات. وبينما رأى مؤيدو الانقلاب أن غالبية اللجان تشهد إقبالاً، وجد آخرون ان مراكز الاقتراع تحولت إلى معركة منزوعة المنافسة، بلا لون ولا طعم أو هدف سوى الاستكمال الشكلي لانتخابات محسومة نتائجها سلفاً لصالح مرشح العسكر.

وشهدت عملية الاقتراع عدة خروقات، كان أهمها انتهاك الصمت الانتخابي من أنصار السيسي، على أبواب اللجان الانتخابية وممارسة أعمال الدعاية واستخدام سماعات كبيرة الى جوار عدد من المقرّات الانتخابية، وتخصيص سيارات لحشد ونقل الناخبين لصالح السيسي.

وأعلنت غرفة عمليات حزب الدستور في الإسكندرية لمتابعة الانتخابات الرئاسية انه تم القبض على عضو الحملة الرسمية لدعم صباحي محمد مجدي ، في مدرسة "اسكان العبور"، في منطقة المنتزه، أثناء محاولته تصوير عدد مما وصفه بالمخالفات الانتخابية.

في المقابل، نظم معارضو الانقلاب في المحافظة عدة مسيرات لمقاطعة الانتخابات الرئاسية، استجابة لدعوة "تحالف دعم الشرعية" التي حملت عنوان "قاطع رئاسة الدم"، فيما اعتقلت قوات الأمن 12 من رافضي الانقلاب، أثناء فض مسيرات بشرق وغرب المدينة للمطالبة بمقاطعة الانتخابات.

من جهة ثانية، قال المتحدث باسم الكنيسة في الإسكندرية، ووكيل عام كاتدرائية الأقباط الأرثوذكس، القمص رويس مرقص، إن الكنيسة وجهت جموع الأقباط بضرورة المشاركة الايجابية في الانتخابات.

وفي المنيا، رصد تقرير مركز الحريات والحصانات لحقوق الإنسان وجود موظفين تابعين لمجالس المدن، خارج اللجان، لاستخراج البيانات الخاصة بالمواطنين، وتأخر فتح عدد من اللجان بسبب مندوبي المرشحين. ونظم مؤيدو الرئيس مرسي عدة مظاهرات ومسيرات في مدن المنيا ومغاغة ودلجا وعزبة شاهين، ارتدوا خلالها الملابس السوداء، في شكل رمزي على رفضهم الانتخابات، التي وصفوها بالباطلة، والحداد على الشرعية.

وفي أسيوط، تلقت مديرية أمن أسيوط بلاغاً يفيد بسرقة أوراق الاقتراع الخاصة بالمستشار، إمام علي، رئيس اللجنة 49 في قرية مسرع التابعة لمركز ساحل سليم.


مخالفات بالجملة لصالح السيسي
 

ورصد "التحالف الديمقراطي"، ويضم 30 منظمة حقوقية، مخالفات واسعة في اليوم الأول من الانتخابات الرئاسية.

وبينما أشار إلى أن الإقبال على التصويت في الانتخابات الرئاسية، كان متوسطاً مع الساعات الأولى، أوضح أن إشكاليات إدارية ظهرت في عدد من اللجان الانتخابية، كعدم قدرة أو كفاية الموظفين المساعدين لإتمام إجراءات التصويت، على الوجه اللازم في ما يتعلق بسرية التصويت واستخدام الحبر الفسفوري وتسليم أوراق الاقتراع للناخبين في بعض اللجان. وأكد وجود شكاوى من قبل بعض المواطنين ضد رؤساء عدد من اللجان لبطء الإجراءات.

ورصد "التحالف" عدم وجود كشوف للناخبين خارج اللجنة، في عدد من اللجان، مما يطيل وقت البحث عن أسماء الناخبين في داخل اللجنة. وقال إنه "لا تزال الدعاية الانتخابية مستمرة في معظم المحافظات، حيث إنه لم تقم جهات الإدارة بإزالة لافتات الدعاية الموجودة خارج مراكز الاقتراع، وانتشار مكبرات الصوت بمحيط لجان الاقتراع تبث الأغاني الوطنية كان من أبرزها (تسلم الأيادي) و(بشرة خير)".

 

 

ذات صلة

الصورة
السيسي يشهد افتتاح المشروعات في جنوب الوادي 25/5/2024 (الرئاسة المصرية)

اقتصاد

تحدث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مجدداً عن كلفة دعم رغيف الخبز، خلال افتتاحه بعض مشاريع الطرق بجنوب الوادي عبر تقنية "فيديو كونفرانس"، اليوم السبت
الصورة
الدرس انتهى لموا الكراريس

منوعات

أحيا مصريون وعرب على مواقع التواصل الذكرى الـ54 لمذبحة مدرسة بحر البقر التي قصفها الاحتلال الإسرائيلي يوم 8 إبريل/نيسان عام 1970 في مدينة الحسينية.
الصورة
المؤرخ أيمن فؤاد سيد (العربي الجديد)

منوعات

في حواره مع " العربي الجديد"، يقول المؤرخ أيمن فؤاد سيد إنه لا يستريح ولا يستكين أمام الآراء الشائعة، يبحث في ما قد قتل بحثاً لينتهي إلى خلاصات جديدة
الصورة
مئات يترقبون انتشال المساعدات على شاطئ بحر غزة (محمد الحجار)

مجتمع

يواصل الفلسطينيون في قطاع غزة ملاحقة المساعدات القليلة التي تصل إلى القطاع، وبعد أن كانوا يلاحقون الشاحنات، أصبحوا أيضاً يترقبون ما يصل عبر الإنزال الجوي.