مصر.. "رونق" الفساد

مصر.. "رونق" الفساد

11 مايو 2017
(أمام السفارة المصرية في لندن، تصوير: كارل كورت)
+ الخط -
مشهد رقم 1

صالة تحرير عادية في مقرّ إحدى الصحف الأسبوعية في مصر. يصطف المحرّرون أمام شاشات الكمبيوتر، الجميع يبحث عن فكرة يقدّمها لجمهور القرّاء، في الغالب لم يعد أحد يقرأ في مصر، فالحقيقة أن البحث عن فكرة هو ليس إلا وسيلة ترضي غاية صاحبها في إرضاء ذاته الصحافية.

صحافي شاب يقبع وسط الصالة، دفعته همّته ومصادره المختلفة إلى تقرير مختلف أراد به أن يحصل على ترقية أو مكافأة، أو أن ينال إعجاب زملائه من أقطاب المهنة، فنشرت الجريدة بقلم الصحافي الشاب: "انفراد بالأسماء.. تعيين أبناء القضاة والقيادات الأمنية بالنيابة العامة واستبعاد أوائل الكليّات والمتفوّقين"، نُشر التقرير وأتت المكافأة للصحافي الشاب..استدعاء من نيابة أمن الدولة العليا.


مشهد رقم 2
تحقيق امتد لخمس عشرة ساعة في نيابة أمن الدولة العليا طوارئ، بسبب الصحافي طارق حافظ، ومعه محاميا الجريدة، سبقت ذهابه للنيابة محاولات عدّة امتدت لساعات للاتصال بنقيب الصحافيين المصري، لتتحمّل النقابة مسؤوليتها تجاه صحافييها، رسالة نصية على الهاتف، لم تفلح كذلك في الوصول للنقيب، الذي أكد بعد ذلك في البرامج التلفزيونية دعمه الصحافي الشاب، وأنه لم يكن على علم بما حدث، 15 ساعة لم يتخلّلها طعام أو شراب، انقطاعات لا تتجاوز الدقائق في حال دخول الصحافي الخاضع للتحقيق إلى الحمام، أصدقاء في الخارج طال انتظارهم لرفيقهم الذي دخل غرفة الاستجواب، ولم يخرج.

لم تهتم تحقيقات النيابة بمتن التقرير، ولم تسأل عن الأسماء الموجودة، فقط شغلها أمران، عنوان التقرير "كعكة التعيينات" و"توريث القضاء"، وكيف توصل الصحافي إلى ما ورد فيه من معلومات، ومن كان مصدره الذي حصل منه على تلك المعلومات.

15 ساعة من الترهيب والترغيب، انتهت بأن شكر المحقّق شجاعة الصحافي التي كشفت الضابط المتهم بالتعذيب، وجنّبت النيابة العامة أن ينضم لها مثل هؤلاء، الشكر الذي أصرّ الصحافي على تسجيله في محضر التحقيق، لم يكن نهاية مطالبه، بل طالب كذلك بالاطلاع على الكشوف الرسمية لتعيينات النيابة الأخيرة ومقارنتها بما تم نشره، لتبرئة ذمته من تهمة تكدير السلم العام عن طريق نشر أخبار كاذبة، التي كانت رقم 2 في قائمة الاتهامات الموجّهة له بعد انتهاء التحقيق، وكانت محددة كالتالى: خدش "الرونق" العام للمجلس الأعلى للقضاء؛ بقصد النيل من اعتباره، وتكدير السلم العام، وإلحاق الضرر بالسلطة القضائية عن طريق نشر أخبار كاذبة، وتعمّد إزعاج ومضايقة الغير بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات.


مشهد رقم 3
دعمٌ غير محدود ناله الصحافي الشاب طارق حافظ، بعد اتهامه بـ"خدش الرونق"، التهمة التي لم يعرف أحد ماهيتها على وجه التحديد، وكيف لتقرير معلوماتي موثق، أن يكون سببًا في انتهاك القضاء المصري، وأن يكون الانفراد بأسماء وصلات المعينين في النيابة العامة دليلا على نشر أخبار كاذبة ومضايقة الغير، رغم التأكد من صحّة ما جاء في التقرير، والذي تسبب نشره في رفض تعيين أحد الأسماء المنشورة والذي كان ضابطًا سابقًا في وزارة الداخلية وسبق اتهامه في قضايا تعذيب؛ ترك على أثرها منصبه القديم في البوليس المصري، ليحاول أن يجد متسعًا لنفسه بين أروقة القضاة.

"خدش الرونق"، الاتهام الذي صار مضرب الأمثال على مواقع التواصل الاجتماعي، وصفه المستشار محمد الجمل، رئيس الدولة الأسبق، بأنها تهمة "تجويدية"، سعى محقق النيابة من خلالها إلى إضفاء مزيد من البلاغة على الاتهام الأصلي وهو "السب والقذف"، فصار الاتهام مفرغًا من مضمونه، وتسبّب في إهانة القضاء أكثر مما فعل التقرير الصحافي، أكد الجمل أن ما تمّ نشره حتى وإن كان صحيحًا فهو يسيء لمجلس القضاء، ولهيبة النيابة العامة التي لا يجب أن تمسها شائبة، كما لا يعتبر رئيس مجلس الدولة الأسبق أن للصحافة دورًا في كشف المسكوت عنه، ولا يرى لها حقًا أصيلًا في كشف الفساد وخاصّة ذلك الذي يرتبط بـ "رونق" القضاء.