مشهد التحالفات والتوجّهات في الانتخابات البرلمانية المصرية

مشهد التحالفات والتوجّهات في الانتخابات البرلمانية المصرية

26 يوليو 2014

مركز اقتراع بشرم الشيخ لانتخابات برلمان 2012 (أ.ف.ب)

+ الخط -

يبدو المشهد الانتخابي في مصر، لكل متابع، مرتبكاً. ولعلّ أبرز ما يوضح الارتباك التدفّق الخبري المستمر، والمتناقض في مضمونه عن تشكيل التحالفات ومكوناتها، وانتقال قوى سياسية وأحزاب كثيرة من تكتل انتخابي إلى تكتل آخر، سعياً إلى تشكيل، أو الانضمام إلى تحالفات انتخابية متماسكة، تستطيع تحقيق نتائج مرضية لكل قواها السياسية، الأمر الذي يوضح أن معظم التحالفات التي أعلن عنها مؤقتة وهشّة وقابلة للتفكّك، أو الدمج في تحالفات أخرى. ويرجع هذا المشهد إلى عدة عوامل رئيسية:
- أساس هذه التحالفات لا يقوم على رؤية برنامجية وسياسية واضحة. ويمكن تلمّس ذلك من تصريحات المعبّرين عن تلك التحالفات، وما أُعلن من أوراق أولية تتّصف بأنها عبارات إنشائية شديدة العمومية، معبّرة عن حالة السيولة السياسية، وارتباك البوصلة، وعدم وضوح الأهداف وتعارضها أحياناً. فكثير من تلك التحالفات تمثّلها رموز من نظام حسني مبارك، وهي تستخدم الشعارات العامة نفسها للثورة، في الوقت الذي تقوم فيه تحالفاتٌ على أساس هدف وشعار "برلمان خالٍ من الإخوان"، وتحالفات أخرى تقوم على أساس الدفاع عن الحريات، بوصفها الخطر الوحيد الذي يهدد العملية السياسية. وغاب عن تلك التحالفات

وضع رؤية برنامجية، تعالج الأزمة المجتمعية الشاملة.
- السبب الثاني في ارتباك المشهد الانتخابي يرتبط بطبيعة القوى السياسية نفسها، من حيث قدرتها على بناء التحالفات، والعمل المشترك، وتأثر ذلك بمدى ما تمتلكه من قواعد اجتماعية مرتبطة بها. ولعلّ لحظة الثورة في 25 يناير كانت من الفترات القصيرة التي استطاعت فيها قوى التغيير التوحُّد، ومواجهة مخطط التوريث، وإسقاط حسني مبارك.

- كما يؤدي غياب قوى اليمين الديني (تيارات الإسلام السياسي، ومنهم "الإخوان المسلمين")، إلى ارتباكٍ في بناء التحالفات، بوصفهم كتلة سياسية كتب لها الصعود بعد 25 يناير، واستطاعت أن تقدم نفسها بديلاً للحزب الوطني. وفي ظل هذا الغياب، نجد تنافساً جديداً لصعود قوى أخرى. كما أدى تفتت قوى الحزب الوطني إلى عدة أحزاب، إلى إرباك المشهد، وتنوّع صيغ التنافس بينها، على الرغم ممّا وجدته تلك القوى من فرصةٍ سانحةٍ للتوحُّد، وعودتها مرة أخرى بعد 30 يونيو، إلا أن بينها الآن تنافس وصراعات، هي امتداد لصراعات قديمة، كانت داخل أروقة حزب مبارك.

- وساهم قانون الانتخابات في إرباك المشهد، وتصعيب فرص تمثيل القوى السياسية الناشئة، والتي لم تبنِ قواعدها بالطريقة التي تسمح لها بتحقيق نتائج في الانتخابات، حيث صدر القانون من دون حوار مجتمعي، ليرجعنا إلى آلية استخدام القانون والتشريع في إعاقة تطور الحركة السياسية عموماً، وهو مظهر يمكن تسميته: القمع عبر سلطة التشريع. لقد جعل القانون امتلاك المال السياسي الطريق للنفاذ إلى البرلمان، كما تضمّن زيادة أعداد مقاعد البرلمان من 508 مقاعد إلى 567، منهم 27 نائباً بالتعيين، و420 مقعداً للفردي، و120 مقعداً بنظام القائمة المغلقة، ما يعني إهدار أصوات الناخبين في القائمة، كما يتم في الفردي تماماً، حيث سيكتب النجاح للقائمة التي ستحصل على نسبة 50% + 1، وسيؤدي ذلك إلى عدم تمثيل كمٍ هائل ممّن سيشاركون في العملية الانتخابية. إذن، شكلياً، هناك انتخابات بالقائمة والفردي، لكن، عملياً، القائمة هنا كالفردي، لا تضمن التمثيل.

- وساهمت الانتخابات الرئاسية، وما خلّفته من تحالفاتٍ مؤقتة مع كلا المرشحَين (حمدين صباحي وعبد الفتاح السيسي)، إلى ترك بصماتها على التحالفات، حيث يقف مؤيدو حمدين في تحالف التيار الديمقراطي، وتقف معظم القوى السياسة الأخرى إلى جانب السيسي، وإن اختلفت تحالفاتها الانتخابية.

التحالفات
أما عن أشكال التحالفات التي أعلن عنها، فيمكن إجمالها في عدد من التحالفات، منها:
تحالف الأمة المصرية، بقيادة عمرو موسى، والذي سعى هو ووزير الاستخبارات السابق، مراد موافي، إلى صياغة تحالف سياسي وانتخابي مؤيد للسيسي في البرلمان، وهذا كان واضحاً من اللحظة الأولى للدعوة إلى هذا التحالف، وتزامنت معه دعوة السيسي الأحزاب إلى الاندماج. ويمثل هذا التحالف القوى التقليدية، وهذا هو ذاته ما عبّر عنه قادة في حزب المؤتمر، حيث أعلنوا أن لهم مرشحين من صفوف الحزب الوطني المنحل.

تحالف التيار الديمقراطي المدني، وهو مكوّن من الأحزاب التي أيدت حمدين صباحي، وهي أحزاب: الكرامة والتيار الشعبي والعدل ومصر الحرية والتحالف الشعبي والدستور، وهي الكتلة الوحيدة التي أعلنت، مجتمعةً، اعتراضها على قانون الانتخابات البرلمانية. ويلعب في هذه الكتلة بعض الأشخاص دوراً رئيسياً، منهم وزير التضامن السابق، أحمد البرعي وعبد الغفار شكر. وهم يقومون بحوارات عديدة مع أحزاب المصريين الأحرار والاجتماعي الديمقراطي وحزب الوفد، بهدف جمع القوى المدنية في تحالف واحد. وقد تنتج تلك المشاورات تحالفات جديدة خاصة. وهناك عدد آخر من التحالفات القريبة من توجهات التيار الديمقراطي، مثل تحالف العدالة الاجتماعية، والذي يضم أحزاباً ناصرية واشتراكية، إضافة إلى تحالف مستقبل مصر، والذي يضم شخصياتٍ كانت ضمن الجمعية الوطنية للتغيير وحركة كفاية ونواب مجلس شعب سابقين.

تحالف الجبهة المصرية، ويضم قوى تقليدية، وأحزاباً تكونت إثر حل الحزب الوطني. من أبرز تلك التكوينات: حزب الحركة الوطنية، بقيادة المرشح الرئاسي السابق، أحمد شفيق، إضافة إلى جبهة مصر بلدي، والتي تضم 17 وزيراً سابقاً، وقيادات من وزارة الداخلية، في مقدمتها وزير الداخلية الأسبق، أحمد جمال الدين، إضافة إلى شخصيات، مثل مصطفى بكري وتهاني الجبالي التي أعلنت، أخيراً، خوضها معركة الانتخابات، وسعيها إلى ضم كتل من النساء والشباب.
بينما برزت رغبة شخصيات وقوى نقابية وعمالية في خوض الانتخابات، وتكوين تحالفاتها، حيث جرى الإعلان عن تحالف النقابات المهنية، والذي يضم مرشحين من 16 نقابة، يتقدمهم أسامة برهان، نقيب الاجتماعيين واحد أعضاء المجلس الاستشاري في فترة حكم المجلس العسكري. وفي السياق نفسه، أعلن اتحاد العمال عن خوضه الانتخابات البرلمانية بـ140 مرشحاً من قياداته، وسوف ينسق مع تحالف عمرو موسى.

أما تحالف الوفد المصري، فقد تكوّن من أحزاب ليبرالية، وأعلن عنه في خطوة استباقيةٍ، لضمان وجود نفوذ انتخابي في التحالفات النهائية، وهو في حالة تنافس مع تحالف الأمة المصرية، بقيادة عمرو موسى، ويجري، هو الآخر، حوارات مستمرة مع باقي التحالفات للاندماج في تحالف واحد يلعب فيه "الوفد" دوراً محورياً. وعلى الرغم من تعدد تلك التحالفات، إلا ان خلفية المشهد توحي بأن هناك لاعبين كباراً في الساحة، سوف يحددون التحالفات النهائية في الفرصة الأخيرة، وهذا سوف يتحدد بناءً على نتائج الحوار مع الكتل الرئيسية والنُّخَب المعبّرة، أساساً، عن قوى وأحزاب رجال الأعمال، وهو ما اتّضح في مشاورات السيد البدوي (حزب الوفد)، ونجيب ساويرس (المصريين الأحرار)، وعمرو موسى (حزب المؤتمر)، بشأن ضرورة بناء تحالف واحد، أو التنسيق على الأقل في القائمة ومرشحي الفردي.

مؤشرات
وتتضح من هذا المشهد الانتخابي عدة مؤشرات، هي:
- البرلمان المقبل سوف يهدر، في أحسن الأحوال، نصف أصوات الشعب المصري في نظام الانتخاب بالقائمة والفردي، في ظل قانون الانتخابات وعدم وضوح الرؤية بشأن تقسيم الدوائر، وهذا يفتح المجال للتنبؤ بنتيجة عدم تمثيل تلك الكتل التصويتية في البرلمان، ما سوف يدفعها إلى البحث عن التعبير عن مواقفها خارج تلك العملية، بطرق غير رسمية، الأمر الذي سوف يؤثر، بالضرورة، على مستقبل الحكم واستقراره.

- التمثيل في البرلمان المقبل محكوم بمدى امتلاك القوى المشاركة في الانتخابات النفوذ المالي، ما يعني انعكاس ذلك على توجهات البرلمان المقبل، ليكون برلماناً معبّراً عن رجال المال ومصالح اليمين الرأسمالي بوضوح. وسوف يكون، أيضاً، برلماناً لا يمثل القوى الاجتماعية، وخصوصاً تلك المعبّرة عن أهداف الأغلبية العظمى من الشعب المصري في عملية التغيير، وسوف يكون تمثيل العمال والفلاحين شكلياً، وخصوصاً أن القوى اليسارية مفتّتة ومنقسمة بين التحالفات القائمة، وإن قوى التيار المدني تضع أولوياتها في قضية الحريات هدفاً أساسياً، بحكم المخاوف المتصاعدة من الممارسات التي تقمع حرية التظاهر والتعبير والتنظيم.

- وعليه، فإنه وإن تعاظمت فرص الفائزين من قوى المعارضة داخل البرلمان، فلن تتعدى الثلث، بحكم وجود قانون الانتخابات الذي حسم المعركة لأصحاب النفوذ المالي، وإن تنافست تلك القوى في ما بينها، في قيادة جبهة وظهير سياسي وبرلماني مؤيد للسياسات اليمينية.

- يتضح ممّا سبق أن البرلمان المقبل سوف يكون عاجزاً عن اتخاذ قراراتٍ أو تشريع قوانين تصب في صالح عملية التغيير المنشودة والأهداف التي رفعتها الثورة، وسيقتصر دور المعارضة فيه على الدعاية والتحريض، بل إنه سيكون أقرب إلى برلمان 2010 الذي كانت تحاصره القوى الاجتماعية والفئات المقهورة التي تعاني من ظروف حياتية في منتهى القسوة، وفي مقدمتها العمال والفلاحون والعاطلون عن العمل.
 

D75BB17B-0520-4715-86EC-B6995DA95615
عصام شعبان

باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة القاهرة، أحد مؤسسي الجمعية الوطنية للتغيير، عضو المجلس الأعلى للثقافة لدورتين متتالتين، عضو شعبة العلوم الاجتماعية. أحد كتاب الرأى في صحيفة وموقع "العربي الجديد".يقول: "نفعل كما يفعل السجناء، نربي الأمل".