مشاركة الأطفال بالتظاهرات تثير جدلاً في تونس

مشاركة الأطفال بالتظاهرات تثير جدلاً في تونس

24 ابريل 2014
اطفال تونسيون في مظاهرة من getty
+ الخط -

في أكثر من تظاهرة في تونس منذ اندلاع الثورة، تلحظ عدداً كبيراً من الآباء يصطحبون أبناءهم  للمشاركة في بعض المظاهر الاحتجاجية. أطفال تجدهم في الساحات يرددون شعارات سياسية مطالبة بالحرية والديموقراطية، أو مطالبة بالشغل والكرامة وغيرها من الهتافات. الأمر الذي يدعو إلى التساؤل عن شرعية اشتراك الأطفال في هذه النشاطات التي هي أكبر من أعمارهم.
أطفال لا يفقهون شيئاً من أمور الحياة السياسية، ولكن قرار تواجدهم في ساحات الاحتجاج يكون مرهوناً بإرادة أهلهم.  

لا يقتصر هذا الأمر على المجتمع التونسي، فقد بات واضحاً أنّ الكثير من الأطفال شاركوا بشكل كبير في التظاهرات المناهضة للحكومات في ثورات الربيع العربي.  

ولهذا جاز التساؤل عن ايجابيات الثّورة بالنسبة إلى واقع الطفل. وهل هناك مخاوف من تأثيرها سلبياً عليه؟

في حديث مع المتخصصة في علم النفس الاجتماعي فتحية السعيدي، أشارت إلى أن "إقحام الطفل في صراع الكبار مثير للقلق بشكل كبير، خصوصاً أنّ عدداً من التقارير قد أشار إلى تعرض الكثير من الأطفال المشاركين في هذه التظاهرات إلى مخاطر بالغة، الأمر الذي يعتبر جريمة في حق الطفولة".

وأشارت السعيدي إلى أن "مشاركة الأطفال في التظاهرات تثير الكثير من التساؤلات حول شعور الأطفال عندما يشاهدون مشاهد ومناظر مؤلمة من سقوط قتلى وجرحى في التظاهرات، وكذلك عندما يشاهدون صدامات واشتباكات عنيفة وكأنهم في ساحات للمعارك".

خلال حديثنا مع سيدة اصطحبت ابنيها للمشاركة في وقفة نظمها أهالي شهداء وجرحى الثورة أمام مقر الولاية بتونس العاصمة، شرحت أنّها لا ترى ضرراً في مشاركة أطفالها أي وقفة احتجاجية مهما كانت مطالبها وأهدافها. كما شرحت أنّها تريد تربية ابنيها على أسس المشاركة في حرية التعبير والديموقراطية.

 

احترام عالم الطفولة

 تتساءل السعيدي حول إدراك الأطفال معنى المفاهيم والشعارات السياسية التي يرددونها في هذه التظاهرات وأبعادها وخلفياتها، مشيرة إلى أن "الشعارات من قبيل المطالبة بالديموقراطية والشعب يريد رحيل وإسقاط وتغيير النظام، إلى غير ذلك من هتافات، هي شعارات حفظها الأطفال مسبقاً ولا يدركون معناها وأبعادها".

لهذا فمن المهم، بحسب السعيدي، تجنيب الأطفال المشاركة في التظاهرات وضمان سلامتهم وأمنهم وعدم التعرض لهم، على أن تقدّم لهم منذ الصغر دروس وممارسات عملية حقيقية في حرية التعبير عن الرأي وحب الوطن والمواطنة الحقيقية، لتنمو بمرور الزمن لتشكل شخصياتهم وليتعلموا من خلالها أساسيات المشاركة السياسية والتعبير عن آرائهم واتجاهاتهم.

ولم تعد الكثير من الأسر تهتم بمسألة تجنيب أطفالها المشاركة في التظاهرات، بما فيها من مشاهد وأحداث عنف، لأنّ هذه الأحداث والأخبار أصبحت تحيط بالجميع وتكاد تكون يومية.

في احتفالات عيد الاستقلال في 20 مارس/ آذار الماضي قابلت "العربي الجديد" إحدى المربيات في دار للأطفال التي اصطحبت مجموعة من الأطفال للمشاركة في الاحتفالات بشارع الحبيب بورقيبة، وقد بينت المربية ضرورة إشراك الأطفال في الاحتفالات الوطنية وتجذير قيم حب الوطن فيهم، لافتة إلى أنّها لا ترى مانعاً في مشاركتهم حتى في التظاهرات والاحتجاجات، بل ترى في ذلك تربية للطفل على ضرورة الاحتجاج لتحقيق مطالب مشروعة.

في المقابل، يرفض كريم الوشتاتي أحد الأولياء الذين التقتهم "العربي الجديد" مشاركة أبنائه في أية مسيرة أو احتجاج "لأنّ ذلك قد يؤثر في الطفل وفي انتماءاته واختياراته". يرى الوشتاتي أن المكان الحقيقي للطفل هو مقاعد الدراسة والتربية واللّعب، بعيداً عن أي تجاذبات وصراعات سياسية أو حتى اجتماعية، مؤكداً أن "قيم الديموقراطية والحرية والتعبير وغيرها من الممكن أن يتعلمها في المدرسة من خلال ما يتلقاه من دروس، ثم إن مرحلة الشباب هي التي ستمكنه من ممارسة تلك القيم بعد أن تترسّخ في ذهنه ويفهمها ليحدد خياراته وانتماءاته السياسية".

وشرح الخبير في علم الاجتماع طارق بلحاج أن "تعمّد إقحام الأطفال في مشاغل الكبار فيه عنف رمزي مسلط عليهم، ويتمثل أساساً في استغلالهم بطريقة تمس من حرمتهم النفسية والجسدية وتدنس طفولتهم. كما أنّه أمر فيه الكثير من التعسّف والتوظيف دون أدنى احترام لعالم الطفولة".

في السياق ذاته، أشار بلحاج إلى أنّه "لوحظ توظيف بعض الأولياء لأبنائهم كوقود للحروب والمناكفات السياسية عبر تلقينهم ثقافة الكراهية والبغضاء و"ثقافة موتوا بغيظكم" أو عبر الاستعراض بهم في المسيرات والتظاهرات والاحتجاجات الاجتماعية، وهي كلها مظاهر للتعسف على الطفولة تصل إلى مرتبة العنف النفسي، وذلك عبر نقل ضغوطات المجتمع والشارع إلى عالم الأطفال".