مسيحيو لبنان: الخوف من "داعش" لا يجمع الزعماء

25 اغسطس 2014
اعتصام تضامني مع مسيحيي العراق في بيروت(بلال جاويش/ الأناضول/getty)
+ الخط -
في بيروت، لتهجير المسيحيين من العراق طعم آخر. عاشت هذه المدينة قبل عقود تهجيراً من هذا النوع في صراع داخلي قاسٍ وطويل لم ينته بعد أساساً في الكثير من المناطق والنفوس. حصلت على هذه الأرض فظائع مسيحية - إسلامية، فلسطينية - لبنانية، وأخرى كثيرة داخل كل محور. إلا أنّ "فايسبوك" لم يكن موجوداً في سبعينيات القرن الماضي، ومحطات "يوتيوب" كذلك.

الأقمار الصناعية كانت تعمل فقط للتجسس ونقل الإحداثيات، والإعلام لم يكن موجوداً في كل منزل وعلى كل هاتف محمول. يعرف اللبنانيون جيداً ما يحصل اليوم في الموصل ونينوى وغيرها من القرى العراقية وربما السورية. ولكون التهجير الحاصل هو بحق المسيحيين، تعود ذاكرة مسيحيي لبنان إلى أيام الحرب.

هم خاضوا هذه التجربة سابقاً، هَجَّروا وهُجِّروا، قَتلوا وقُتلوا. وآثار هذه الحرب لا تزال محفورة على جدران بيروت الشرقية ذات الغالبية المسيحية، في شعارات "بدا تضل جراسنا تدقّ"، (ستظلّ أجراسنا تقرع).

وفي الأصل، جزء كبير من الحرب الأهلية اللبنانية خاضه المسيحيون تحت شعار "الدفاع عن الوجود المسيحي في الشرق". فكلمات قائد القوات اللبنانية وقتها، بشير الجميّل، لا تزال حتى اليوم تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، تحديداً تلك القائلة بأنّ المسيحيين "قديسو هذا الشرق وشياطينه".

مسيحيو لبنان موضوعون منذ وجودهم في موقع المسؤولين عن مسيحيي الشرق. هم الوحيدون في المنطقة العربية الذين لهم دور القيادة في دولتهم في موقع رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش، ويتمثلون في المجلس النيابي بنصف أعضائه، وكذلك في كل المؤسسات الرسمية ووظائفها. وعلى المستوى الإكليريكي أيضاً، هنا كرسي بطريرك إنطاكيا وسائر المشرق. وهنا أيضاً عاصمة الكثلكة في الشرق، أي زحلة.

كل هذه القوة المفترضة، في السياسة والتمثيل والتواصل مع الغرب، لم تجهّز بعد للدفاع عن مسيحيي العراق، لدعمهم أو حمايتهم من مصير أسود. فالأقطاب المسيحيون في لبنان مقسومون أصلاً في قراءة التهجير الحاصل.

لا تجمع القوى المسيحية على كون المسيحيين العراقيين يتعرّضون لمؤامرة بهدف إنهاء الوجود المسيحي في المنطقة. التيار الوطني الحرّ، برئاسة النائب ميشال عون، يخوض حرباً إعلامية على "داعش".
الرجل الأول في التيار، صهر عون الوزير جبران باسيل، قال إنّه "إذا استمرت الأمور على حالها، فإنّ المسيحيين مهدّدون ليس فقط في الموصل بل في الشرق كله".

يعتبر هذا التيار أنّ على المسيحيين خوض معركة وجود، ليغذي منطق "تحالف الأقليات" الذي مضى فيه عون منذ تحالفه مع حزب الله في فبراير/شباط 2006. في الوقت عينه، يرفض التيار، على لسان باسيل، استقبال النازحين من الموصل: "الدعوات لاستقبال أي عراقي نازح هي دعوات مرفوضة، ونطلب من العراقيين البقاء في أرضهم"، وقال: "أهلاً بالعراقيين سيّاحاً في لبنان".

لم يفهم باسيل ومن معه، أولاً، أنّ مسيحيي العراق فُرض عليهم الخروج من منازلهم وترك أرزاقهم. ويريد، ثانياً، تبني هذه القضية واستثمارها في السياسة والإعلام وعلى المستوى الشعبي، لكن من دون تحمل أي تبعات وبذل أي جهد.

قطب مسيحي آخر، الرئيس أمين الجميل وحزب الكتائب، يستشعر الخطر الآتي من الشرق. لجأ الكتائبيون، كالعادة، إلى الخارج والغرب لطلب المساعدة، كما لو أنّ لا حول للمسيحيين ولا قوة لهم، فطالبوا بـ"حماية دولية للمسيحيين في مناطق وجودهم، وحماية التعددية في المنطقة في هذه المرحلة الخطيرة إلى حين الاستقرار الكامل".

في المقابل، فإنّ طرف مسيحي آخر، هو القوات اللبنانية، يرى أنّ "الصراع في الشرق الأوسط يطال كل شرائح مجتمعاته سواء الإسلامية أو غيرها". يعتبر رئيس "القوات"، سمير جعجع، أنّ "الحرب طالت كل الطوائف والمذاهب ومن جملتها المسيحيون ويجب عدم تصويرها على أنها حرب على المسيحيين بالتحديد".

يبدو جعجع مطمئناً نوعاً ما لما يجري في العراق على الرغم من "كون ما يحصل مؤلما وخطيرا". ويشير مسؤولون في القوات إلى أنّ "الخطر الداعشي يزول بوجود أي طرف يحمل السلاح بوجهه". فهم ربما يعوّلون، لا بل يراهنون، على إجماع الحكومات العربية على رفض هذا المنطق ومحاربته.

حسابات ضيّقة

أمام هول ممارسات "داعش"، ينشغل الأقطاب المسيحيون في قضايا أخرى، محليّة وثانوية أمام مشهد تغيير معالم المنطقة و"كسر الحدود" وتعديل الجغرافيا. يرون في حسابات ضيّقة كالصراع على رئاسة الجمهورية أو دعم مقرّب لهم للوصول إلى السلطة أو حتى التسويق الانتخابي، مكسباً أكبر من اللعب على مستوى عربي. يسعى ثلاثي عون ــ جعجع ــ الجميّل خلف رئاسة الجمهورية كما لو أنه آخر المكتسبات الممكنة.

الأول يعتبرها الفرصة الأخيرة، والثاني يحاول المستحيل لمنعه من الوصول إلى هذا المنصب، فيما الثالث يلعب بين الأخيرين لتقديم نفسه مرشحاً عقلانياً ووسطياً. تُضاف إلى ذلك، أولويات من المفترض ان تكون أقلّ من ثانوية في ظرف مماثل. مثلاً، لا يزال عون يرى في مقدمة مهامه المحافظة على صهر العائلة، الوزير باسيل، وتلميع صورته ودعمه كيفما كان وأينما كان، للفوز في الانتخابات النيابية بعد فشله في دورتين متتاليتين. أدّى لعب المسيحيين في لبنان، من دون أن يعوا ذلك ربما، دور إطفائي الفتنة. راح قسم منهم مع الشيعة وآخر مع السنة.

انقسم الأقطاب الثلاثة بين 8 آذار و14 آذار. تحالف عون مع حزب الله وجعجع والجميل مع تيار المستقبل. منعوا بشكل أو بآخر انتصار طرف على آخر في منطقة باتت مشتعلة وقائمة على الحرب بين المسلمين. أخذ التيار الوطني الحر على عاتقه مواجهة تيار المستقبل في السياسة وفتح ملفات اقتصادية ومالية، بدلاً عن حزب الله. وتولت القوات اللبنانية المعركة مع الحزب بدلاً عن المستقبل.

أصبح المسيحيون محرّكي الساحة السياسية ومفوّضين في إدارتها، وهم في الأصل غير قادرين على الاجتماع حول بديهيات سياسية. اختلفوا على كل شيء، على القانون الانتخابي وضمان التمثيل المسيحي، على المناصب الوزارية والإدارية، وعلى رئاسة الجمهورية. كما أنهم يختلفون على قراءة ما يحصل في العراق، وليس في هذا الاختلاف إلا رواسب حرب أهلية سبق ان قسّمتهم. فهل يعقل الطلب إلى هؤلاء التدخل لمساعدة مسيحيي العراق؟
المساهمون