مسار الأمن الخليجي المشترك والتباين في رؤية التهديدات

09 ديسمبر 2014
تساهم السعودية بشكل أساسي في "درع الجزيرة"(محمد الشيخ/فرانس برس)
+ الخط -
اتخذ التعاون الأمني والدفاعي بين دول مجلس التعاون الخليجي الست مساراً تصاعديّاً، منذ نشوء المجلس في عام 1981، غير أنّه لم ينجح في الارتقاء إلى مستوى المنظومة الأمنية الخليجية المتكاملة، وذلك بسبب التباين في رؤية التهديدات بين دوله؛ ويتوقع أن يصطدم أي مشروع دفاعي أو أمني مشترك، كمشروعي الشرطة الخليجية أو القوة البحرية المشتركة، بعقبات نتيجة هذا التباين.

أما على المستوى العملي، فقد أثبتت التجربة الدفاعية المشتركة، عدم فعاليتها في العديد من الأزمات الساخنة منذ تشكيلها، رغم أنّ ذلك لم يقف عقبة أمام تطوير القوات الدفاعية وإبرام اتفاقيات استراتيجة دفاعية وأمنية.

لقد بدأ التنسيق والتعاون الأمنيان بين دول مجلس التعاون مع تأسيس المجلس، بحيث تم تشكيل لجان أمنية متخصصة لهذا الغرض. واتفقت الدول الخليجية في حينها على أنّ أمنها "كل لا يتجزأ"، وأنّ أي اعتداء على دولة عضو، هو اعتداء على المجموعة، ومسؤولية ردّ الاعتداء جماعية.

وأدّى العمل المشترك بين دول المجلس إلى إنتاج الاستراتيجية الأمنية الشاملة، التي جرى اعتمادها في مسقط عام 1987، وتم تطويرها في عام 2008، بحيث أقرّ مشروع تطوير وتحديث الاتفاقية الأمنية الشاملة، بناء على التحديات المتنامية، وترافق ذلك مع إقرار لجنة التخطيط الاستراتيجي.

الاتفاقية الأمنية

وكجزء من تطوير العمل الأمني المشترك، جرى التوقيع على الاتفاقية الأمنية الخليجية في الرياض عام 1994 من دول مجلس التعاون باستثناء الكويت، ثم جرى تطوير الاتفاقية وتعديلها والتوقيع عليها في عام 2012، وتلقت الأمانة العامة لدول المجلس مصادقة كل من البحرين والسعودية وسلطنة عُمان، بحسب الموقع الإلكتروني لدول المجلس.


ولا تزال الاتفاقية تنتظر مصادقة مجلس الأمة في الكويت، وهي تلقى سجالاً داخليّاً حادّاً، دفع إلى إرجاء المصادقة من يونيو/حزيران الماضي إلى الشهر الجاري. ويعتبر معارضو الاتفاقية في الكويت أنّها تمس السيادة الداخلية وتتعارض مع الدستور، كونها تسمح بملاحقة المطلوبين للدول الخليجية الأخرى داخل الكويت.
وتعدّ المادتان الثانية والثالثة من أكثر المواد المثيرة للجدل في الاتفاقية، إذ تنص الثانية على أن "تتعاون الدول الأطراف فيما بينها، لملاحقة الخارجين على القانون أو النظام، أو المطلوبين من الدول الأطراف، أيّاً كانت جنسياتهم، واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم". فيما تنص المادة الثالثة على أن "على كل دولة طرف اتخاذ الإجراءات القانونية فيما يعد جريمة، وفقاً للتشريعات النافذة لديها، عند تدخل مواطنيها أو المقيمين بها في الشؤون الداخلية لأي من الدول الأطراف الأخرى".

إضافة إلى الاتفاقية الأمنية، ترتبط دول مجلس التعاون، فيما بينها باتفاقيات وبروتوكولات تتعلق بالتعاون في التحقيقات والمباحثات الجنائية وتنفيذ الأحكام والإنابات والإعلانات القضائية الصادرة في كل منها داخل دول مجلس التعاون.

انتربول خليجي

وبالنسبة للمشاريع الأمنية المرتقبة، فقد تقرّر خلال الاجتماع الأخير لوزراء داخلية دول مجلس التعاون (جرى أواخر الشهر الماضي) تبني الاقتراح البحريني بإنشاء الانتربول الخليجي أو الشرطة الخليجية التي ستتخذ من الإمارات مقرّها، وعُيّن الإماراتي مبارك الخييلي، رئيسها.

وبحسب الأمين العام المساعد للشؤون الأمنية في المجلس، هزاع الهاجري، فإن الرئاسة ستكون بالتناوب كل ثلاثة أعوام. وفيما لم يعرف بعد مهماتها الأساسية وطريقة عملها، لكن المسؤولين الخليجيين ذكروا أن عملها سيقضي بملاحقة شبكات التجسس والتخريب والهجرة والجرائم الاقتصادية والإلكترونية، وتجنب الأزمات الحدودية.
ويتوقع أن يثير تشكيل هذه الشرطة تباينات بين الدول الخليجية، شأنها في ذلك شأن الاتفاقية الأمنية، إذ يتخوف البعض من أن تشكل جهازاً لتعقب المعارضين داخل هذه الدول.

التعاون الدفاعي

على المستوى الدفاعي، ترتبط الدول الخليجية باتفاقية الدفاع المشترك التي أقرّها المجلس الأعلى في ديسمبر/كانون الأول عام 2000.
وتضمنت الاتفاقية إنشاء مجلس للدفاع المشترك ولجنة عسكرية عليا. وتنص المادة الثانية من الاتفاقية على أن أي اعتداء على أي منها هو اعتداء عليها كلها، وأي خطر يتهدد إحداها إنما يتهددها جميعاً. وتلتزم الدول الأعضاء بموجبها بالمبادرة "فوراً إلى مساعدة الدولة أو الدول المعتدى عليها ضمن دول مجلس التعاون باتخاذ أي إجراء ضروري، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية لردّ الاعتداء وإعادة الشرعية والأمن والسلام إلى نصابها، وتخطر على الفور جامعة الدول العربية ومجلس الأمن الدولي بوقوع الاعتداء والإجراءات التي اتخذت". كما تنص على تطوير قوة درع الجزيرة والقيام بتمارين مشتركة.

قوة درع الجزيرة

 وهي الذراع المسلّحة المشتركة لدول مجلس التعاون، التي قرّرت تشكيلها في اجتماعها الثالث عام 1982، وجعلت من مدينة حفر الباطن في السعودية مقرّها. وجرى تطويرها لاحقاً لتتحول إلى "قوة درع الجزيرة" عام 2005. وتضم تلك القوة فرقة مشاة مجهزة من قوات الدول الست، لكن غالبية جنودها من السعودية (تقدر بخمسة آلاف، لكن عددها ارتفع في العامين الأخيرين). المهمة الأساسية لتلك القوة هي ردّ العدوان، استناداً إلى الميثاق التأسيسي.
لم تقدر هذه القوات على التدخل بفعالية في الأزمات الساخنة، خصوصاً أثناء الغزو العراقي للكويت، حين بدت عاجزة عن القيام بأي رد فعل عسكري. غير أنها أُرسلت إلى الكويت أثناء الغزو الأميركي للعراق عام 2003.


ويبقى تدخلها في البحرين عام 2011 محطة فاصلة في تاريخها، نظراً للجدل الذي أُثير حول شرعية تدخلها؛ ففيما اعتبر معارضون في البحرين أن التدخل غير شرعي، لأنه لم يأت بناء على تهديد خارجي أو ردّ عدوان، اعتبرت الحكومة البحرينية ومعها السعودية، أنّ التدخل شرعي لأنه جاء، أولاً، بناء على طلب الحكومة البحرينية، وثانيّاً لردّ العدوان الإيراني الذي تدخل في الشأن الداخلي البحريني من خلال تحريض المعارضة، إضافة إلى أنّ مهمة القوات انحصرت في حماية المواقع والمرافق الحيوية دون مشاركة الحكومة في ردع الاحتجاجات التي اندلعت في فبراير/ شباط 2011.

وتشارك السعودية بالقوة الأكبر من الدرع الموجودة حاليّاً في البحرين (نحو 1200 جندي)، تليها الإمارات، ومشاركة أقل من قطر وعُمان، فيما لم ترسل الكويت أي قوات.

قوة بحرية

لا يزال مشروع إنشاء القوة البحرية المشتركة قيد التداول داخل دول مجلس التعاون. ويفترض أن تكون هذه القوة على غرار "قوة درع الجزيرة". وبحسب تصريحات المسؤولين الخليجيين، فإن القوة ستحمل اسم "مجموعة الأمن البحري81"، ويتوقع أن ترى النور قبل نهاية العام الجاري أو خلال أشهر.

وستعمل هذه القوة على ردّ الاعتداءات البحرية المتمثلة في الدول والجماعات (القرصنة)، وحماية المعابر البحرية والممرات الأمنية الحيوية للاقتصاد الخليجي.
ليس واضحاً بعد إمكانيات هذه القوة، لجهة عدد الأفراد وترسانتها، أو قيادتها ومقرّها وعلاقتها مع "درع الجزيرة"، لكن يتوقع أن تواجه بعد نشوئها تحديات تتمثل في قدرتها على التدخل في النزاعات البحرية، خصوصاً أن بعض هذه الدول لم يحسم بعد حدوده البحرية.

تباين وتوافق في رؤية التحديات الأمنية

اختلفت التحديات الأمنية المشتركة لدول الخليج مع اختلاف المراحل التي رافقت نشوء وتطور النظام الخليجي المشترك، وهو ما أثر بشكل مباشر في تطور الاتفاقيات الأمنية والدفاعية، وإنشاء الأجهزة الأمنية والعسكرية المشتركة.


عند إنشاء مجلس التعاون الخليجي والاتفاق على تشكيل قوة دفاعية مشتركة، تمثل التحدّي الأساسي لدول الخليج في الثورة الإسلامية الإيرانية، والتي تلتها حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران. واتفقت الدول الخليجية في حينها على خطورة التهديد الإيراني، وتصدير الثورة الإسلامية إلى دول الجوار الخليجي، وإنشاء خلايا داخل هذه الدول لهذا الغرض.

في مرحلة لاحقة، جاءت حرب الخليج الثانية؛ ورغم اتفاق الدول الخليجية على إدانة الغزو العراقي للكويت، غير أنّ القوة الدفاعية المشتركة المتمثلة في "قوات درع الجزيرة"، بدت عاجزة عن أي مواجهة مع القوات العراقية.

وبعد حرب الخليح، كانت مرحلة اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول في الولايات المتحدة الأميركية، والتي وضعت الدول الخليجية في قلب الحلف الأميركي في الحرب على الإرهاب؛ وأقرّت دول المجلس بناء عليه إعلان مسقط بشأن مكافحة الإرهاب عام 2002، كما شكّلت في عام 2006 لجنة أمنية دائمة مختصة في مكافحة الإرهاب.  

وخلال مرحلة الربيع العربي، برز التباين بين الدول الخليجية لجهة دعم الثورات العربية، لا سيما بين قطر والسعودية؛ بدأ خجولاً ثم انفجر بعد تطور الأحداث في مصر.


وتتفق الدول الخليجية في الحرب ضدّ تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، ويشترك بعضها في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لشنّ غارات ضدّ مواقع التنظيم في سورية والعراق. لكن بالنسبة للتهديد الإيراني، يتمايز الموقف العُماني؛ فسلطنة عُمان، التي يبدو أنها تفضل دبلوماسية "صفر أعداء"، ترى في إيران صديقاً أكثر منها عدوّاً، وتحاول النأي بنفسها عن أي موقف خليجي حاد حيال إيران. كما تلعب دوراً وسيطاً أساسيّاً بين الغرب وإيران، وقد نجحت في التقريب بين الطرفين في أكثر من مناسبة، كما استضافت المحادثات النووية الإيرانية، ويتوقع أن تستضيف الجولة المقبلة من هذه المباحثات.

ويبقى التمايز الأساسي الذي تحول إلى خلاف بين الدول الخليجية حول الإخوان المسلمين؛ ففيما ترى السعودية والإمارات والبحرين، في الجماعة تهديداً أساسيّاً لأمنها، دفعها إلى تصنيف الجماعة كإرهابية، لا ترى قطر في الجماعة عدوّاً أو خطراً.
هذا الاختلاف في رؤية التهديدات الأمنية سيؤثر على العمل الأمني المشترك، ربما صار السبب الأساسي في عدم تنفيذ الاتفاقية الأمنية المشتركة واستكمال المصادقة عليها. كما سيعرقل عمل الشرطة الخليجية المشتركة، وإنشاء القوة البحرية.