مرشحو انتخابات الرئاسة الجزائرية: خيارا المقاطعة والاستعراض السياسي

19 أكتوبر 2018
من اليسار: لويزة حنون وعلي بن فليس وعبدالرزاق مقري
+ الخط -
يرصد المتابعون للشأن السياسي في الجزائر مواقف ثلاث قوى سياسية على علاقة بالانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة ربيع العام 2019، ومدى توجهها إلى المشاركة فيها أو مقاطعتها. يتعلق الأمر بحزب طلائع الحريات الذي يقوده رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، وحزب العمال الذي تقوده الزعيمة اليسارية المرشحة الرئاسية السابقة لويزة حنون، وحزب إخوان الجزائر، حركة مجتمع السلم، التي يقودها عبد الرزاق مقري.

لم يفصل حزب طلائع الحريات موقفه حتى الآن بشأن المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ولم يكشف الحزب الذي يقوده رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس عن مؤشرات بإمكانية المشاركة أو المقاطعة. لكن المتحدث الرسمي باسم الحزب، أحمد عظيمي، يكشف لـ"العربي الجديد" أن "هناك توجّهاً عاماً لا يرى جدوى من المشاركة في الاستحقاق الانتخابي"، مضيفاً أنه "في الوقت الحالي الكثير من المناضلين يرون أنه لا فائدة من المشاركة ما دامت الانتخابات ستُزوّر في النهاية، في ظلّ وجود اللجنة الحالية للانتخابات التي لا تعطي أي أمل في أن تجري انتخابات نظيفة ونزيهة في الجزائر". ولفت إلى أنه "إذا كانت هناك ولاية رئاسية خامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فلا يمكن تصوّر أي حياد للإدارة، وفي حال كان الأمر خلاف ذلك ودفعت السلطة بمرشح آخر فإنه أيضاً لا يمكن تصوّر أن تكون الإدارة بتشكيلتها الحالية وبالصلاحيات التي يمنحها قانون الانتخابات الحالي محايدة".

وفي الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2014 ترشّح بن فليس، وكان أبرز منافسي بوتفليقة، وسبق أن نافسه أيضاً في الانتخابات الصعبة التي جرت عام 2004. وأبدى عظيمي اعتقاده بأنه "لا تغيير في المناخ السياسي. ليس هناك أي جديد ولا نستشف بحدوث الجديد. بالنسبة للانتخابات الرئاسية، نحن في طلائع الحريات نرى أن أزمة الجزائر أكبر بكثير من مجرد موعد انتخابي، كما نعتبر أن هذه الانتخابات إن جرت على نفس النمط المعتاد فلن تغير أي شيء في الوضع الراهن الذي يتصف بأزمة سياسية خانقة وأزمة اقتصادية خطيرة ووضع اجتماعي مخيف ومرعب". وأشار إلى أن "اللجنة المركزية للحزب ستجتمع في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل لمناقشة الأمر بكل حرية داخل قضية الانتخابات الرئاسية المقبلة، واتخاذ قرار ما إذا كان الحزب سيشارك بمرشح أو يدعو إلى مقاطعة الانتخابات. ولافت أن موقف الطلائع من الاستحقاقات الانتخابية تغيّر باتجاه المشاركة في الانتخابات البلدية التي جرت في نوفمبر 2017، بعد مقاطعته للانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو/أيار من نفس السنة، لكن قطاعاً واسعاً من كوادر الحزب باتجاه خيار المقاطعة".

أكثر القوى السياسية المندفعة حالياً في النقاش بشأن الانتخابات الرئاسية، هي حركة مجتمع السلم، الممثلة لتيار الإخوان في الجزائر، إذ اعتبرت الحركة في بيانها السياسي الأخير أنها "تعتبر نفسها معنية بالانتخابات الرئاسية". وأشارت مصادر متابعة لتطور الموقف السياسي للحركة إلى أنها "قد توجه في ظل المواقف السياسية الراهنة لقوى السلطة والمعارضة إلى تقديم رئيسها عبد الرزاق مقري للرئاسة". وكان مقري قال، في مؤتمر لكوادر الحزب أخيراً، إن "خيار الترشح وارد، لأننا قادرون على المنافسة، وقادرون على تحقيق التنمية، وعلى تحقيق التوافق، ومسافاتنا آمنة مع كل التيارات والأحزاب".

كما أكد رئيس الكتلة النيابية للحركة، أحمد صادوق، لـ"العربي الجديد"، أن "خيار تقديم الحركة مرشحها مرتبط بعدم إنجاز خيارين يسبقان ذلك"، مضيفاً أن "أولويتنا هي التوافق على مرشح توافقي، ومن دون تردد، وسنضع كل إمكانياتنا لإنجاحه، في حال حدث قبول وإجماع على المبادرة السياسية التي تطرحها الحركة، منذ يونيو/حزيران الماضي. نحن نسعى إلى إنجاح مبادرتنا للتوافق الوطني التي هي الآن في مرحلتها الثانية، ونحن نجتمع بالمنظمات والجمعيات الكبرى وكبار الشخصيات بعد الانتهاء من المرحلة الأولى التي كانت مخصصة للأحزاب السياسية. أما الخيار الثاني، فهو التوافق مع المعارضة لتقديم مرشح باسم المعارضة، وبالتأكيد الحركة ستقترح مرشحا عنها للمعارضة، مع كامل الاستعداد لنقاش المرشح الأفضل والأقوى". ولفت إلى أن "خيار المقاطعة يبقى وارداً أيضاً، خصوصاً في حالة إصرار السلطة على مسعى الولاية الرئاسية الخامسة، وتوافقت كل مؤسسات الدولة حول بوتفليقة بعيداً عن كل إرادة شعبية، كمغامرة كبرى ومخاطرة بالبلد، إذ سبق لنا أن قاطعنا انتخابات 2014 لنفس السبب".

وكان الحزب الإسلامي الأبرز في الجزائر قد قدم مرة وحيدة مرشحاً عنه في الانتخابات الرئاسية التعددية الأولى التي جرت في تاريخ الجزائر في 16 نوفمبر 1995، ورشحت الحركة مؤسسها، رئيسها الراحل محفوظ نحناح، الذي حقق أفضل نتيجة حققها مرشح منافس لمرشح السلطة والجيش في تاريخ مجمل الاستحقاقات الانتخابية التي جرت في الجزائر. وذلك على الرغم من التزوير والظروف الأمنية الصعبة التي جرت فيها الانتخابات، وحصل في حينه على أكثر من 3.5 ملايين صوت بنسبة 26 في المائة، مقارنة مع الرئيس اليمين زروال، مرشح الجيش، الذي فاز بنسبة 61 في المائة. وحاول الحزب الإسلامي ترشيح نحناح مرة ثانية في انتخابات 1999، لكن السلطة اعترضت على ذلك ورفضت ترشحه، وأيدت الحركة رغم ذلك بوتفليقة في استحقاقات 2004 و2009، قبل مقاطعة انتخابات عام 2014.

ثالث القوى السياسية التي يجري رصد موقفها في العلاقة بالانتخابات الرئاسية، هو حزب العمال اليساري، بقيادة المرشحة الرئاسية السابقة لويزة حنون. وفي حال ترشحت حنون لانتخابات 2019، تكون بصدد رابع ترشح لها في مسارها السياسي، بعد ترشحها في انتخابات 2004 و2009 و2014. لكن حنون طرحت، في آخر مؤتمر صحافي، مؤشرات باتجاه رفض المشاركة في الانتخابات المقبلة، في حال قرر بوتفليقة التمديد لنفسه لولاية خامسة. وقالت إنه "حالياً لا نهتم بالانتخابات الرئاسية، لأن مصير الجزائر ومستقبلها في خطر، البلد الآن يواجه خطر الزوال أو زوال النظام الحاكم". ورفضت قيادات الحزب الخوض في مسألة ترشح لويزة حنون من عدمه، لكنها ألمحت إلى عدم توفر الظروف السياسية لذلك. وفي ذلك إشارة إلى عودة الحزب اليساري إلى مطلبه التاريخي المتعلق بإنشاء مجلس تأسيسي يعيد صياغة دستور توافقي.

وفي انتظار إعلان مرشحين بارزين خوض الاستحقاق الرئاسي، ومنافسة المرشح المحتمل للسلطة، في صورة بوتفليقة أو خليفة له، قبل ستة أشهر من الموعد الانتخابي، أعلن خمسة مرشحين، وصفهم الإعلام المحلي بـ"مرشحين غير جديين"، التقدم لهذه الانتخابات، أبرزهم ناصر بوضياف نجل الرئيس الراحل محمد بوضياف، ورئيس حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية، وريثة الحزب الشيوعي الجزائري، ورئيس حزب فتي التجمع الجزائري علي زغدود، الذي يعجز في كل استحقاق رئاسي عن جمع التواقيع المطلوبة. 

كما أعلن النائب السابق الطاهر ميسوم ترشحه للرئاسيات، فيما كان رئيس حركة الإصلاح الوطني فيلالي غويني قد سحب ترشحه وأعلن استعداد حركته لدعم مرشح توافقي. ويُنظر إلى هؤلاء المرشحين بكونهم شخصيات تفتقد تماماً إلى التنافسية السياسية، وأن إعلان ترشحهم مجرد محاولة ضمن سياق الكرنفال السياسي في الجزائر، كما في كل استحقاق. وآخر شخصية قدمت ترشيحها هي عبد العزيز بلعيد، رئيس حزب جبهة المستقبل. وبلعيد قيادي سابق في اتحاد الشبيبة التابع لجبهة التحرير الوطني وكان قيادياً في هذا الحزب، قبل أن ينضم إلى صف الأمين العام السابق للحزب ورئيس الحكومة علي بن فليس الذي ترشح في انتخابات 2004 لمنافسة بوتفليقة، قبل ان ينشق عن الحزب ويؤسس حزب جبهة المستقبل. وهذه هي المرة الثانية التي يشارك فيها بلعيد كمرشح في الانتخابات الرئاسية، بعد ترشحه في 2014، حين حصل على عدد ضئيل من الأصوات قدر بـ3.36 في المائة.

ورأت مصادر أن "بعض الأسماء كعلي زغدود تبادر في كل استحقاق انتخابي إلى تقديم نفسها بشكل احتفالي. وهو أمر يسيء إلى المشهد السياسي في البلاد، تحديداً في استحقاق انتخابي مصيري وحاسم كالرئاسة"، مضيفاً أن "الأسماء التي توصف سياسياً بالثقيلة ما زالت تتريث قبل إصدار موقفها بشأن المشاركة في الانتخابات، بانتظار اتضاح المعطى الأبرز المتعلق بترشح بوتفليقة من عدمه"، لافتاً إلى أنه "يتوقع في حال ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، قد نشهد تكرار انتخابات 2009 التي لم يكن فيها أي منافس جدي للرئيس، وكانت انتخابات باهتة ومن دون طعم سياسي".

ولم يتضح الموقف لدى الشخصيات السياسية البارزة في المشهد الجزائري بصورة ترتبط أيضاً بعدم وضوح الموقف في الرئاسة بشأن ترشح بوتفليقة من عدمه. وقد تبدو فترة الأشهر الستة التي تفصل البلاد عن أهم استحقاق انتخابي، قصيرة وغير كافية لكثير من المرشحين للاستعداد للترشح للرئاسة، لكن طبيعة إدارة الانتخابات في الجزائر، تجعل مجمل المرشحين يعتبرون الانتخابات الرئاسية محطة للاستعراض السياسي أكثر منها مجالاً لمنافسة مرشح السلطة الذي يدعمه الجيش والادارة ومجمل مؤسسات الدولة.

المساهمون