مراد الداغستاني.. قراءة جديدة في أرشيفه الفوتوغرافي

27 اغسطس 2020
(مراد الداغستاني أمام نصب الجندي المجهول في بغداد)
+ الخط -

رسم مراد الداغستاني بعدسته تفاصيل الواقع في مدينته الموصل منذ ثلاثينينات القرن الماضي، حين بدأ بتسجيل مقصود لبورتريهات وأحداث ووقائع يومية تنتمي معظمها إلى عوالم الكادحين والمهمّشين في محيطه،  من عمال ومزارعين بسطاء ومجانين أصبحوا أبطال صوره الأكثر شهرة في تاريخ العراق.

وقد مزج الفنان والمصّور الفوتوغرافي العراقي (1917- 1982) بين الواقع والخيال من دون اللجوء إلى تقنيات لم تتوافر في زمنه، ولكن بحثه الدؤوب عن حركة تبدو منزاحة وغريبة عن واقعها وتبعث أقصى درجات التفاعل معها من حزن أو سخرية أو تعاطف حقيقي، وكأنه يعيد صياغة المشهد الذي يصوّره وفق ترتيبه الخاص.

(من أرشيف الداغستاني)
(من أرشيف الداغستاني)

"مراد الداغستاني بين الفن البصري والتشكيل الفوتوغرافي" عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً للفوتوغرافي والباحث العراقي المقيم في عمّان هيثم فتح الله عزيزة (1955) عن "مطابع دار الأديب"، الذي يضيء على جوانب عديدة من تجربة امتدّت قرابة نصف قرن.

يعود المؤلّف إلى أرشيف المصوّر الراحل الذي وثّق فيه يوميات الفلاحين والصيادين وكاتبي العرائض والمتصوّفين والأنهار وأفران الفخار والأسواق العتيقة والعديد من البورتريهات لنساء ورجال من فئات اجتماعية مختلفة، حيث يضع تعليقاته وملاحظاته عن طبيعة الصورة وطريقة التقاطها وطباعته.

غلاف الكتاب

ويمثّل كتابه محاولة ثانية بعد كتاب "مراد الداغستاني: جدل الانسان والطبيعة" (1985) للباحث نجمان ياسين الذي درس نتاجه خارج إطاره التسجيلي في تصوير إنسان الأماكن المعتمة والأجواء الشعبية، بينما كان يبرز جانب المفارقة في رصده للطبيعة في لحظاتها المتقلّبة والقلقة.

(من أرشيف الداغستاني)
(من أرشيف الداغستاني)

يشير عزيزة أيضاً إلى أن التصوير الملوّن لم يستهو الداغستاني، الذي اعتبره مجرّد تسجيل للأحداث بحيث ينتهي دوره في معالجة الصورة بنفسه ما ينزّع عنها جمالياتها، موضحّاً كيف صنع صوره بما كان يمتلكه من عدسات بسيطة، بالقول "لو توفّر للداغستاني ما توفر اليوم من برامج رقمية للتصحيح والإضافة الصورية وكاميرات رقمية وفلترات وأجهزة الإنارة بمختلف أشكالها التي تستخدم اليوم بالتصوير الحديث، لأنتج لوحات بصرية تفوق مستوى الخيال لما يمتلكه من حسّ فني وثقافة بصرية تسمح له أن يتفوق على الكثير من مبدعي التصوير في عصرنا هذا".

(من أرشيف الداغستاني)
(من أرشيف الداغستاني)

ويرصد الكتاب تأثير الداغستاني على الأجيال اللاحقة عبر مقارنة أعمال عدد منهم بأعماله، مبينّاً تطابق الفكرة والرؤية التسجيلية بينهما، رغم اختلاف زاوية التصوير وأماكنه إلا أن أسلوبه ظلّ حاضراً في تجارب عديدة منها لطيف العاني وأواديس ماركاريان (كوفاديس) ونور الدين حسين.

كما يضمّن عزيزة كتابه صوراً نادرة للداغستاني داخل الاستديو الذي عمل فيه بالموصل، وكذلك صورته أمام الجندي المجهول في بغداد، إضافة إلى صور له في أوروبا حيث شارك في العديد من المعارض الفوتوغرافية الدولية منذ الخمسينيات، وصورة له يحمل كاميرا الرول فيلكس.

المساهمون