مخاض الكتابة

مخاض الكتابة

24 أكتوبر 2016
+ الخط -
الكتاب عصارة فكر وتجربة ومخاض عسير، يفوق أحياناً وبكثير مخاض الولادة. يعيش فينا دهراً ويكبر معنا، يقتات من روحنا ووعينا وحياتنا، كما يغذينا ويشحننا، يوّجهنا ويهدينا في مسارب الحياة المتضاربة.
ها هو وقد اكتمل بناؤه، رفع صوته عالياً، تمكّن من الحياة، يخرج صارخاً أو باكياً، متوعداً أو مهدّداً في حلّة أنيقة أو باهتة، ثم تبدأ دورة الحياة. كثيراً ما تعوزه القابلية والتواصل، يخذله القارئ الهارب في تفاصيل اليومي. نطرحه في المكتبات، ننتظر من يتكرّم عليه ويقتنيه، قد نهديه بلا هدي منّا إلى صديق أو حبيب، إلى طالب أو صاحب أو شخص غريب صادفناه في لقاء ما بمناسبة أو بدون مناسبة.
نريد أن نسمع صوتنا، نبحث عمّن يشاركنا فرحنا، قلقنا، أوجاعنا وهواجسنا، أفكارنا وطموحاتنا في بناء عالمٍ نظنه الأفضل، ثم يغيب عنّا متكوّماً في مكان مهجور تتقطع أطرافه من الهجر والنكران كعاشقة قد هجرها الحبيب والليل اشتدّ وزره.
الكتاب يحتاج إلى عاشق صادق يضع اليد في اليد، يقبّله في الجبين، ثم يسيران معاً إلى البيت، والجسدان يتعطشان إلى وصال قريب.
الكتاب لحظة لقاء حقيقي، يتم فيه الإعجاب والتماهي، الرغبة والاتحاد، صاحبه متفرّج بامتياز، وقد مزّق الحبل السري الرابط كما يحصل في الإنجاب. نرعاه، نعتني به، ولا نتدخل في شؤونه إلا برضاه وموافقته.
من حقه أن يشاغب ويشاكس، أن يحب ويعشق، ليسافر في الدنيا كما يشاء، ونحن نتابع دأبه، نعتز بطفلنا وقد أصبح راشداً يأخذ حظه من الحياة.
هنيئاً للكتاب، وقد استقلّ عن صاحبه، أخد زمام أموره بيده، وباتت له حياته الخاصة بمعزل عن كاتبه.
906550B4-94E2-48C5-BF2B-2AEA240AC8FF
906550B4-94E2-48C5-BF2B-2AEA240AC8FF
منصف بندحمان (المغرب)
منصف بندحمان (المغرب)