محاولات لترميم العلاقات الهندية الأفغانية

محاولات لترميم العلاقات الهندية الأفغانية

12 مارس 2015
الهند وطّدت علاقتها بأفغانستان خلال حكم كرزاي (فرانس برس)
+ الخط -
مع تطور العلاقات الباكستانية الأفغانية في الآونة الأخيرة، وبعد تولي الرئيس الأفغاني أشرف غني أحمدزاي، زمام الحكم في أفغانستان في سبتمبر/ أيلول الماضي، ضعفت العلاقات الهندية الأفغانية بعد أن كانت في أوجها على جميع الأصعدة، خلال حكم الرئيس الأفغاني السابق حميد كرزاي، على عكس العلاقات الباكستانية الأفغانية التي كانت تشهد آنذاك، حالة من التذبذب وتبادل الاتهامات بالتدخل في الشؤون الداخلية.

لم يكن يتوقع أحد أن يغير الرئيس الجديد، الذي يقود حكومة ائتلافية هشة، سياسات سلفه إزاء دول المنطقة، ولا سيما الهند التي وطدت علاقاتها مع أفغانستان، إثر سقوط "طالبان" في العام 2001، من خلال استثماراتها سياسياً واقتصادياً، إلا أن أحمدزاي فعل ذلك، وبدّل استراتيجية بلاده في التعامل مع الهند وباكستان، في محاولة منه للقضاء على الحرب بالإنابة التي عانت، ولا تزال تعاني منها أفغانستان، كما أشار إليه الرئيس أكثر من مرة.
وكانت زيارة الرئيس الأفغاني لإسلام آباد في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، أولى خطوات ذلك التغيير، إذ فتحت صفحة جديدة من العلاقات بين كابول وإسلام آباد، من خلال تبادل المعلومات الاستخبارية وبناء مراكز المراقبة المشتركة على الحدود، وإرسال ضباط الجيش الأفغاني إلى باكستان للتدرب. كما أبدت إسلام آباد تعاونها مع كابول في إنجاح المصالحة الوطنية الأفغانية. وبسبب هذه التطورات وغيرها أيضاً، ارتقت العلاقات بين كابول وإسلام آباد إلى أقصى الحدود، كما أشار إليه وزير الداخلية الباكستاني شودري نثارأحمد، أثناء زيارته الأخيرة إلى واشنطن، قائلاً إن العلاقات الأفغانية الباكستانية في أوجها حاليا، وأنها لا محالة ستنعكس إيجاباً على مجمل الأوضاع الأمنية في المنطقة.

اقرأ أيضاً: الحكومة الأفغانية: المفاوضات وشيكة مع "طالبان"

وعلى هذا المنوال، دخلت علاقات أفغانستان مع الصين، المنافسة الثانية للهند في المنطقة، إلى مرحلة جديدة بعد زيارة الرئيس الأفغاني إلى بكين، إذ أعلنت الأخيرة عن استعدادها للدخول على خط جهود المصالحة التي تهدف إلى حلحلة الأزمة الأمنية الأفغانية، إضافة إلى تقديم دعم مالي لكابول قدره 330 مليون دولار حتى عام 2017. وعلى عكس ذلك كله، لم تهتم حكومة أحمدزاي بعلاقاتها مع الهند، رغم انتقادات شديدة من قبل بعض السياسيين، وفي مقدمتهم الرئيس الأفغاني السابق ووزراء في حكومته.
وتتزايد الضغوط على الرئيس الأفغاني لإيجاد توازن في علاقاته مع كافة دول المنطقة، غير أن الرئيس الأفغاني، كما أشار إليه في اجتماع مغلق مع كبار الصحافيين في العاصمة الأفغانية كابول، يبرر قراره بأن إستراتيجيته الجديدة تهدف إلى اجتثاث جذور العنف في أفغانستان، عبر المصالحة الوطنية الأفغانية، التي من الممكن أن تؤدي إسلام آباد وبكين دورا فعالاً في إنجاحها، بينما نيودلهي ليست لها أي علاقة بالملف.
ويلفت مقربون من الرئيس الأفغاني، إلى أنّ أحمدزاي ينتظر ترجمة نتائج علاقاته الجديدة مع إسلام آباد على أرض الواقع، إذ إنه توافق مع الجيش الباكستاني، خلال زيارته لإسلام آباد، على أن يتم القضاء على جميع الجماعات المسلحة التي تنشط على طرفي الحدود الأفغانية الباكستانية، وتشكل خطراً لأمن البلدين، ما يعني أن إستراتيجية أحمدزاي مؤقتة وقابلة للتغيير.

من جهتها، حاولت نيودلهي إعادة العلاقات بينها وبين كابول، إلى طبيعتها التي كانت عليها أثناء حكم كرزاي، وأبدت استعدادها للتعاون العسكري مع حكومة أحمدزاي، في حين رفضت أن تفعل ذلك مع حكومة كرزاي التي كانت تعول كثيراً على علاقاتها مع الهند، وذلك بسبب ضغوطات دولية ومحلية، كما فُسر آنذاك. إضافة إلى أن رئيس الوزراء الهندي أجرى اتصالاً هاتفياً بالرئيس الأفغاني، ليهنئه على مشاركة فريق أفغانستان لكرة كريكت، لأول مرة، في بطولة كأس العالم. كذلك زار في نهاية الأسبوع الماضي، وكيل وزارة الخارجية الهندي، جي شنكر، العاصمة الأفغانية كابول، والتقى خلال الزيارة الرئيس الأفغاني ومسؤولين في الحكومة.
وتعهد شنكر أن بلاده ستقف بجانب أفغانستان في كل مرحلة تمرّ بها، مشيراً إلى العلاقات التاريخية والطيبة التي تجمع الدولتين. من جهته، أكد الرئيس الأفغاني أنه يثمّن الدور الذي تؤديه الهند في أفغانستان، ولا سيما في المجال الاقتصادي. ولمح إلى أنه سيزور نيودلهي قريباً.
ويبدو أن الرئيس الأفغاني لن يكون قادراً على اتخاذ أي قرار حاسم، إزاء علاقات بلاده مع الهند، وأنه سينتظر قليلاً ليعرف مدى تعاون إسلام آباد لاحتواء الأزمة الأمنية الأفغانية، والتخلي عن الجماعات المسلحة، اذ يتهم البعض إٍسلام آباد بأنها تدعم الجماعات المسلحة التي تنشط في أفغانستان ضد الحكومة الأفغانية والقوات الدولية، وفي مقدمتها "طالبان" و"شبكة حقاني".
ولا شك أنه مع مرور الأيام، ومن دون أي تغيير ملحوظ في الوضع الأمني، تتزايد شكوك الأفغان إزاء تعامل باكستان مع الملف الأمني الأفغاني، إذ أكد رئيس مجلس الشيوخ الأفغاني فضل هادي مسلم يار، في خطاب له أمام اجتماع المجلس يوم الثلاثاء الماضي، أن الشعب الأفغاني يؤيد المصالحة مع "طالبان"، ويقدّر تعاون باكستان بهذا الشأن، غير أنه يخشى من تغيير "طالبان" إلى جماعة مسلحة أخرى، تحت لواء آخر، وذلك في إشارة إلى تنظيم "داعش" الذي يوسّع نفوذه في أفغانستان حالياً. كما اتهمت وسائل إعلام أفغانية بعض الجهات الباكستانية، بحثّ قيادات بارزة في "طالبان" على الانضمام إلى "داعش"، الوجه الآخر لـ"طالبان" على حد تعبيرها.
الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة في مستقبل العلاقات الباكستانية الأفغانية، وأي نوع من سوء التفاهم بين الجارتين اللتين تربطهما علاقات دينية وعرقية وثقافية، قد يؤدي إلى تدهور العلاقات بينهما من جديد، وهو ما ستستغله الهند، التي تنتظر أية فرصة كهذه.

اقرأ أيضاً: انفتاح العلاقات الصينية الأفغانية تُرجم في "الإيغور" و"طالبان" 

المساهمون