كابول وطالبان: مفاوضات وحرب

كابول وطالبان: مفاوضات وحرب

04 مارس 2015
مسلّحون من "طالبان" سلموا أنفسهم للحكومة (نورالله شيرزاده/فرانس برس)
+ الخط -
بموازة الأنباء حول بدء مفاوضات مباشرة بين الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان" ـ أفغانستان، بوساطة صينية باكستانية، أطلقت القوات المسلحة الأفغانية، عمليات عسكرية كبيرة ومنسقة، في العديد من الجبهات ضدّ مسلّحي "طالبان"، وأعلنت قوات الأمن الأفغانية، عن إحراز تقدّم في مختلف الجبهات وقتل عدد كبير من مقاتلي الحركة، واستعادة مناطق إستراتيجية لم تكن الحكومة تسيطرعليها، حتى عند تواجد القوات الدولية في تلك المناطق.

تأتي هذه المعارك، في وقت تعاني "طالبان" من أزمة مالية حادة، بعد تغيير باكستان استراتيجيتها إزاء الجماعات المسلّحة، كما تواجه انشقاقات داخلية بسبب التفاوض مع الحكومة الأفغانية.

وأطلقت قوات الجيش الأفغاني، أكبر عمليات عسكرية بمفردها، بدون مساندة القوات الدولية في مخلتف مناطق البلاد، ولاسيما في إقليم هلمند معقل "طالبان" في جنوب أفغانستان، وإقليم سربل في شمال البلاد، حيث تشير المصادر الأمنية والقبلية، إلى توسع رقعة نفوذ تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وتفيد مصادر قبلية في إقليم هلمند، بأن عملية الجيش التي أطلق عليها عملية "ذوالفقار"، تختلف تماماً عن العمليات السابقة، إذ أنها كانت مخططة تخطيطاً دقيقاً، ويبدو أن الجيش ينوي من ورائها إقامة قواعد عسكرية في المنطقة، للقضاء بشكل كامل على وجود الجماعات المسلحة، وهو ما تطلبه قبائل المنطقة، التي ربطت دعمها للقوات المسلحة مع بقائها في المنطقة بشكل دائم.

ويؤكد قائد عمليات الجيش في المنطقة، الجنرال بادشاه جل بختيار، أن قوات الجيش أحرزت تقدماً ملحوظاً في المنطقة، واستعادت مناطق إستراتيجية مهمة من قبضة "طالبان". كما أعلن المسؤول عن مقتل 190 من مسلّحي الحركة، منذ بدء العملية الأسبوع الماضي، مقابل مقتل وإصابة 17 من جنود الجيش الأفغاني. يأتي ذلك في وقت تُبدي قبائل المنطقة استياءها بسبب سقوط المدنيين بين قتيل وجريح، جراء المعارك بين "طالبان" والجيش الأفغاني.

ويقول الزعيم القبلي، محمد نادر، إنّ قبائل المنطقة ترحب بمثل هذه العمليات المنسقة والمخططة، وتطالب ببقاء قوات الجيش في المنطقة، لكنها مستاءة لمقتل المدنيين. كما أشار إلى أن مئات الأسر القبلية، أجبرت على النزوح من المديريات الشمالية الأربع، وهي: سنجين ونوزاد وكجكي وموسى كلا، إلى المناطق الجنوبية.
غير أن إعلان الجيش عن إمتداد العمليات إلى جنوب الإقليم، سيزيد من معاناة اللاجئين. ويبدو أن الجيش الأفغاني يريد توسيع رقعة  العمليات، إلى معظم مناطق إقليم هلمند، بهدف إشغال مسلّحي "طالبان" في كافة الجبهات، وعدم إعطائهم الفرصة لمساعدة بعضهم البعض. وهو ما حصل فعلاً في مديرية سنجين، حيث توجه المسلّحون إلى مديرية كجكي لمساندة رفاقهم، فباغتهم الجيش بعملية في سنجين، وألحق بهم أضراراً باهظة، بحسب ما أشارت مصادر قبلية.

وفي شمال أفغانستان، وبالتحديد في إقليم سربل، حيث يتوسع نفوذ "داعش"، شنّت قوات الجيش عملية مماثلة سماها عملية "فوز الشتاء"، ضدّ مقاتلي "طالبان" والجماعات المسلّحة كجماعة "جند الله"، التي أعلنت ولاءها لتنظيم "داعش". وأدت العملية، وفق تصريحات مسؤول أمني في الإقليم عبد الجبار حقبين، إلى مقتل خمسين مسلحاً، وإصابة أكثر من أربعين آخرين. كما أعلن المسؤول عن مقتل قيادي بارز في الحركة، يدعى المولوي غلام حضرت، كان يشتهر في أوساط "طالبان" بـ"الطوفان"، مؤكداً أن قوات الأمن طهرت مناطق واسعة من وجود "طالبان"، بما فيها منطقتا سوزمه كلا وبرقوت الإستراتيجيتان.

في المقابل، تدعي حركة "طالبان" أنها تمكنت من صدّ هجوم الجيش الأفغاني، وأطلقت عمليات معاكسة، أدت إلى مقتل عشرات جنود الجيش الأفغاني والجيش القبلي الموالي له. لكن المسؤولين في الجيش يرفضون ذلك، ويتحدثون فقط عن مقتل جنديين وإصابة عدد آخر.

تزامنت عمليات الجيش الأفغاني مع جهود مكثفة تبذلها كل من كابول وإسلام أباد وبكين، لإقناع حركة "طالبان" بالعودة إلى طاولة المفاوضات مع الحكومة الأفغانية. ويبدو أن هذه الجهود نجحت إلى حد ما، إذ أعلنت الحكومة الأفغانية على لسان أكثر من مسؤول فيها، أن المفاوضات مع "طالبان" وشيكة، وقال الرئيس التنفيذي للحكومة عبد الله عبد الله، إن الحوار البناء هو الحل الأخير والأنسب لحلحلة المعضلة الأمنية، وإن المفاوضات مع "طالبان" ستبدأ قريباً. فيما أعلن الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني، بعد مشاورات مع القيادة السياسية والقبلية الأفغانية، أن الجهود المبذولة لحل الأزمة الأمنية مثمرة، وستأتي نتائجها قريباً، لكنه شدّد على أنّ لا مساومة على سيادة أفغانستان ووحدة أراضيها.

اقرأ أيضاً (الحكومة الأفغانية: المفاوضات وشيكة مع "طالبان")
ورغم نفيها صحة التقارير الإعلامية التي أفادت بأن الحركة تتفاوض مع واشنطن، من خلال مكتبها في الدوحة، لمحت "طالبان" إلى التفاوض مع الحكومة الأفغانية، عبر تأكيدها أنها ترغب في إيجاد حل سلمي للمعضلة الأمنية، دون الإدلاء بأية تفاصيل.

وتتحدث مصادر أفغانية وباكستانية متطابقة لـ"العربي الجديد"، عن زيارة وفد لـ"طالبان" بقيادة قاري دين محمد للعاصمة الباكستانية إسلام أباد، وإجرائه مباحثات مع القيادة الباكستانية حول كيفية إنطلاق الجولة الأولى من الحوار. ويتوقع أن يتبعه قريباً وفد طالباني آخر، بقيادة المولوي عباس ستانكزاي للغرض نفسه. وكانت القيادة الأفغانية قد أشادت بدور كل من بكين وإسلام اباد بهذا الصدد، خصوصاً أن الأخيرة تمارس ضغوطا كبيرة على حركة "طالبان" للعودة إلى طاولة الحوار.
ويرى الخبراء أن الحكومة الأفغانية تنوي، من خلال شنّ عمليات عسكرية منسقة ضد"طالبان"، تقوية موقفها على طاولة المفاوضات، واستغلال ما تشهده الحركة من حالة التصدع والانشقاق من جهة، والأزمة المالية من جهة ثانية.

المساهمون