مجلسُ الشيوخ الفرنسي يلعب دور المعارض لماكرون

مجلسُ الشيوخ الفرنسي يلعب دور المعارض لماكرون

22 مارس 2019
أنهت لجنة التحقيق بقضية بنعلا عملها(Getty)
+ الخط -
عندما اندلعت أزمة ألكسندر بنعلا في فرنسا، قبل شهور، وأنشئت لجنة تحقيق برلمانية، بقبولٍ متردد من الأغلبية الحكومية، حاولت المعارضة، بشتى أطيافها، مساءلة كل من تعتقد أن له علاقة بالأمر، بمن فيهم وزراء ومساعدون للرئيس إيمانويل ماكرون، لكن رئيسة اللجنة، يائيل برون بيفي، وهي من الأغلبية الرئاسية، نجحت في إفشال عمل اللجنة، التي كانت تضم أعضاء أحزاب غير ممثلة في مجلس الشيوخ، كـ"فرنسا غير الخاضعة"، فانسحب ممثلو المعارَضة وتوقفت عن العمل، وهو ما لم تستطع الأغلبية الحكومية فعله في "الشيوخ"، حيث يسيطر نواب المعارضة اليمينية، من حزب "الجمهوريون".

والحقيقة أن قضية بنعلا، أو "قضية الدولة" كما تصر المُعارَضات على توصيفها، كانت المنّ والسلوى، والفرصة التي يجب ألّا تُفوَّتَ، للانتقام من الخراب الذي أحدثه ماكرون في الأحزاب التقليدية، ("الجمهوريون" و"الاشتراكي")، حين استمال كثيراً من قيادتها ومنحهم مسؤوليات كبرى في حكومته.  

واستطاعت هذه اللجنة، أن تقوم بعملها وتنهيه في أفضل الأحوال، مستجوبةً مسؤولين أمنيين ووزراء ومساعدين لماكرون. وطيلة فترة الاستجوابات، كان كثير من مسؤولي الحكومة يتحدثون، صراحة، عن توظيف سياسي، وهو ما كانت اللجنة ترفضه، مؤكدة في المقابل، على شرعية عملها، وفق القانون، من دون أي تجاوزات.

وحينما كانت اللجنة البرلمانية تحاصر الحارس الشخصي السابق ألكسندر بنعلا وزميله الدركي فانسان كراز، كانت الأمور تحت السيطرة، لأن هذين العنصرَين تم التخلي عنهما، بسبب أخطائهما الظاهرة والموثقة، وأصبحا يواجهان مصيرَهما لوحدهما. ولكن ما قام مكتب مجلس الشيوخ، يوم أمس الخميس، 21 مارس/آذار، باللجوء إلى القضاء بشأن ثلاثة من أقرب مساعدي ماكرون، ألكسي كوهلر، الأمين العام للإليزيه، وباتريك ستروزا، مدير مكتب الرئيس، والجنرال ميشيل لافيرن، رئيس مجموعة الأمن الرئاسي، كان له وقعُ الصاعقة، واعتبره مقربون من الإليزيه حرباً معلنة.

وليس ثمة شك أن هذا الإجراء يمس قلب الإليزيه، وهو ما جعل مسؤولين كباراً في الحكومة والبرلمان، يتحدثون عن "اعتداء" وعن "استهداف الرئيس من خلال مهاجمة المقربين منه".

ولأن الضربة كبيرة، فإن أوساط الأغلبية الرئاسية تحركت أيضاً، وبسرعة، لمهاجمة قرار مكتب مجلس الشيوخ، ورأت فيه "مناورة سياسية".

كما أن الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، مارك فيسنو، رفض اعتبار ما جرى، وكأنه "سلطة مضادة"، منتقداً مناهج وطرق اللجنة البرلمانية، في حين اعتبرها فرانسوا باتريا، رئيس فريق "الجمهورية إلى الأمام" في مجلس الشيوخ، "محاكمة سياسية".

ولكن ما ترى فيه الحكومة الفرنسية، التي لا تزال منهمكة في البحث عن حلول للخروج من أزمة "السترات الصفراء"، وفي الوقت الذي يحاول فيها ماكرون، جاهداً، الخروجَ من أكبر تحدٍّ سياسي واجتماعي عرفه منذ وصوله للإليزيه، مُحاكمَة سياسية، تُصرّ المعارضة على أنه ليس كذلك، وأنه من صميم عملها الدستوري، وهو ما أكده عضو اللجنة ورئيس الفريق الاشتراكي في مجلس الشيوخ، باتريك كانير، حين اعتبر أن عمل اللجنة "جديّ، ويثبت كل المنفعة التي تقوم بها مجلس الشيوخ" (الذي يريد كثيرون التخلص منه، أو تقليم أظافره، أكثر، ومنهم رئيس الجمهورية)، وهو نفس موقف جيرار لارشي، رئيس "الشيوخ"، الشخصية الثانية من حيث الأهمية في هرم السلطة، الذي يشدد على "تطبيق القانون، لا شيء غير القانون، وكل القانون".       

ولأن هذه الضربة، أو هكذا تتصور الأغلبية، قوية وموجعة، صدرت على الفور قرارات انتقامية من الأغلبية تذهب في اتجاه التصعيد وإظهار الغضب، فرئيس الحكومة إدوار فيليب، الزميل السابق لرئيس مجلس الشيوخ في حزب "الجمهوريون"، قرّر ألا يحضر جلسة الأسئلة في المجلس، احتجاجاً على ما جرى، كما أن رئيس البرلمان ريشار فيران، المقرب من ماكرون، امتنع عن مصاحبة زميله جيرار لارشي، إلى مدينة ليل، كما كان متفقاً عليه، للقاء طلبة العلوم السياسية.

وعلى الرغم من أنه لا أحد يستطيع تقدير النتائج السياسية لهذه المواجهة المفتوحة، إلا أنها لن تساعد في دفع التفاهمات والتوافقات بين ماكرون ومجلس الشيوخ، إلى الأمام، في أفق "الإصلاح الدستوري" الذي وعد به الإليزيه، والذي تأجل، غير مرة، بسبب قضية بنعلا، ثم بسبب "الحوار الوطني الكبير".   

وسيدفع غياب هذا التوافق، ماكرون، لاستخدام أغلبيته المريحة في مجلس النواب في هذا الصراع والتجاذب، ما يعني أن مجلس النواب لن يكون في حاجة إلى أخذ موافقة مجلس الشيوخ، لتمرير "إصلاح المؤسسات"، خاصة في ما يخص تحديد عدد النواب وشروط الانتخاب، وهذا ما سيفجر "حرب مَواقع"، قد تستمر، طيلة الفترة المتبقية من رئاسة ماكرون.   
ومن يقرأ المشهد السياسي الفرنسي لا بد أن يكتشف تعقيده، بعد وصول ماكرون، الذي يفتخر بأنه، "لا من اليسار ولا من اليمين".  

فالرئيس وحكومته توقعا، خلال الفترة السابقة، أن تأتي المعارَضة في البرلمان، من الحزب المعارض الأكبر، "الجمهوريون"، ولكن هذا الشيء لم يحدث، بسبب النزيف الذي حلّ بهذا الحزب بعد الانتخابات الرئاسية، فلم يستطع إسماع صوته عالياً في البرلمان، فتكفلت حركة "فرنسا غير الخاضعة"، بدور المعارض الشرس للحكومة.

ولكن حركة "السترات الصفراء"، كنّست كل الأحزاب والنقابات، فلم يعد أحد يسمع أصواتها، ثم جاء "الحوار الوطني الكبير"، فاستغله ماكرون، في حضور ميديوي طاغ، وخفتت كل أصوات المعارَضات.

وفجأة، خرج مجلس الشيوخ، ليستلم زمام المعارَضة للحكومة، أمام أحزاب سياسية، كان أداء زعمائها في الحوار الكبير، قبل يومين، باهتاً ومملا، وهي تحاول التواجد في مشهد سياسي متقلب، وكأنها لم تستفق، إلى الآن، من صدمة وصول إيمانويل ماكرون إلى السلطة.   ​

المساهمون