ماذا تقدّم الحكومة العراقية لشعبها؟

09 فبراير 2018
+ الخط -
سأل معلم في مدرسة ابتدائية في بغداد مدير التربية، في ندوة عقدها الأخير للمعلمين في دائرته، عن إمكانية تحسين رواتب المعلمين، ليتمكنوا من العيش الكريم، وليتفرغوا تماما من أجل تقديم خبراتهم التعليمية والتربوية للطلبة. وبعد أن سأل المدير المعلم عن مقدار راتبه، ثم رد الأخير بتفصيل مخرجات الراتب، وهي تذهب، بشكل شبه رئيسي، قيمة لإيجار البيت ثم لفاتورة الكهرباء (غير الموجودة غالبا)، ويتبقى مبلغ ضئيل، لا يضمن المبتغى الذي تحدث عنه الرجل. غضب المدير وقال للمعلم: عليكم أن تعملوا عملا إضافيا آخر، لتحصلوا على المال. كنتم في زمن صدام حسين تخدمون حذاءه، ونحن من جعلناكم "أوادم".
الحادثة مؤلمة، وآلمني محدثها المعلم. وعندما سألته عن سبب عدم رده على ذلك المسؤول في وزارة التعليم، ولماذا لم يقل له إنكم -المعلمين- لم تكونوا يوما خدما لأحد. أجابني بأن هذا المسؤول من التيار البدري (منظمة بدر)، وأضاف: أتريدني أن أفقد رأسي؟
يوضح هذا المدخل العلاقة بين المؤسسات القائمة في العراق، بدءا من المؤسسة التشريعية وانتهاء بالمؤسسات التنفيذية، مرورا بالقضاء، مع الشعب العراقي. وفي حسبةٍ بسيطة، ربما يقوم بها كل مواطن في العراق، فإن قيمة الموازنة للعام 2017، مثلا، بلغت 79 تريليون دينار عراقي (66.8 مليار دولار)، فيما بلغت 91.5 مليار دولار في 2018 الجاري. وسؤال الناس هناك عن الخدمات التي تقدمها الحكومة العراقية لهم، وسط هذه المليارات الكثيرة، وفي خضم مشكلاتهم التي تتلاعب بنظم حياتهم وأسلوبها واستقرارها.
وللمفارقة، قدمت الولايات المتحدة، ومن خلال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وبشخص القائم 
بأعمال السفارة الأميركية في العراق، ستيفاني ويليامز، والمدير المساعد لوكالة لشؤون الشرق الأوسط، ماريا لونجي، في مايو/ أيار الماضي، مساعدة 106 ملايين دولار، إلى السلطات العراقية المحلية، لتحسين الخدمات العامة، من خلال تنفيذ قانون رقم 21 المعدل، والذي يمنح السلطات المحلية وسلطات المحافظات صلاحياتٍ أكبر، لتلبية احتياجات المواطنين في مناطقهم. وقالت وليامز، في افتتاح ورشة عمل خاصة بالموضوع، وبحضور عمار الحكيم (ما هو الرابط بين السلطات العراقية وشخص الحكيم؟): "الحوكمة الرشيدة والنمو الاقتصادي مترابطان بشكل لا يتجزأ، ويعزّز كل منهما الآخر، وهما مفتاح استقرار العراق ورفاه شعبه وازدهاره"، ذلك أن واشنطن تعلم أن مشكلة العراق هي في هاتين الركيزتين، وهي تعلم أن تقديم المال لمن لا يملك هاتين القدرتين يعني فتح بابٍ آخر للفساد، وابتلاع ما يفترض أن يكون لتحسين الخدمات المقدمة لشعب العراق.
لم تقدم الميزانيات الضخمة جدا في العراق، عقب احتلاله عام 2003، مع ارتفاع أسعار النفط سنوات، للعراقيين أي خدمة تذكر، فيما كانت المبالغ المستحصلة من مبيعات النفط وحدها تكفي لبناء عدة دول بحجم لبنان وتونس، ووفق أحدث التصاميم والخدمات، بحسب مختصين. وربما تكون عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، محاسن الحمدون، محقة في أسفها "لاستمرار الحكومة باعتماد نظام موازنة البنود التقليدية التي لم تعد تناسب طريقة إدارة مفاصل الدولة، خصوصا بعد تطبيق اللامركزية في إدارة المحافظات". وقالت بعد تقديم موازنة 2018 لمجلس النواب، إن "تخوف الحكومة من الفساد والاختلاس أجبرها على الاستمرار في نظام موازنة البنود الذي يمنح الجهات الرقابية فرصةً أكبر في الرقابة، لكن التجربة أثبتت عدم فعالية التطبيق".
وبحسب صحيفة عراقية مقرّبة من الحكومة، تدرّجت الموازنات العراقية "من 32 مليار دولار حتى تجاوزت المئة مليار في السنوات السابقة، بمجموع عام بلغ 850 مليار دولار، وزير النفط السابق عادل عبد المهدي"، فبماذا استنفدت؟ هل قدمت بعض من هذه المليارات لإعادة تأهيل البنى التحتية، أو لتطويرها، أو استحداث غيرها؟ هل تم بناء الوحدات السكنية لملايين العراقيين من فاقدي السكن؟ هل تم تطوير الزراعة أو إحياء الصناعة؟ هل تم استثمار السياحة الدينية؟ لا إجابات حقا على هذه التساؤلات، حيث ذهبت جلها (أكثر من 78%) في تغطية النفقات التشغيلية، والباقي مدرج ضمن الفساد المالي والإداري.
بات جميع الشباب العراقي يعلم أنه في موازنة عام 2018 لا توجد أي تخصيصات للتوظيف الجديد، فقد وُضع صفر أمام بند الدرجات الوظيفية! وبرّر رئيس مجلس الوزراء، حيدر 
العبادي، ذلك بقوله، في مؤتمر صحافي عقده في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، "يطالبنا بعضهم بوظائف في الدولة، نحن نريد وظائف إنتاجية حتى نرفع المستوى المعيشي للمواطنين"، فيما يقول خبراء اقتصاديون إن "هذه الحالة ستؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة التي تجاوزت 30% من معدل القوى العاملة في العراق، وقد تصل إلى أرقام مخيفة".
أضافت موازنة عام 2018، وستضيف، عند تفعيلها، ردود أفعال سلبية كثيرة من شعب العراق، فهي، إضافة إلى تعميقها مشكلة البطالة عند أهم فئات المجتمع (الشباب)، وكذلك مشكلة تخصيصات منطقة الحكم الذاتي، لم تقدّم شيئا لإحياء الخدمات الموات، أو لتحسين العليل منها، فلا الكهرباء عادت لتنير منازل العراقيين بشكل طبيعي، ولا الطرق والمواصلات على كفاءة يعتد بها، ولا بند لبناء الوحدات السكنية وبيعها للموظفين وأصحاب الرعاية الأجتماعية بأسعار مناسبة، ولا الزراعة قدم لها شيء أو الصناعة، كما لم تحصل المدارس الجديدة على تخصيصات وفرص لبنائها، لا مجال لسرد الخدمات البائسة في بلاد المليارات الضائعة، فيما يريد القائمون على أمور البلاد، والماكثون في المنطقة الخضراء منذ 15 عاما، أن يبقى الشباب بلا حراك، وأن يبقى المتربصون بهم، فكرا أو ممارسةً، من دون أن يعملوا على استقطاب بعضهم، لتفليت الأمن، أو لترويج المخدرات والجريمة المنظمة.
قد لا ينفع الحديث في بركةٍ راكدةٍ لم تحركها كل مجريات الأمور في العراق، منذ عام 2003، لكننا لن نكون شيطانا أخرس على أي حال.
F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن