ليبيا: دعاوى وطعون تعزز هواجس عودة صراع الشرعية

03 يونيو 2016
يُشدّد كوبلر على ضرورة الاعتراف بشرعية السراج (فرانس برس)
+ الخط -
تعود مسألة "الشرعية" الليبية إلى الواجهة مجدداً، بعد تصريحات أخيرة لرئيس حكومة طبرق، عبد الله الثني، التي أعلن فيها، خلال جلسة استماع أمام برلمان طبرق (المطعون على شرعيته من المحكمة الدستورية)، يوم الإثنين الماضي، رفع حكومته قضايا عدة ضد المجلس الرئاسي، أمام دائرة استئناف البيضاء "تجاه انتهاكاته الشرعية". اعتبر الثني، خلال الجلسة، أن "المجلس الرئاسي شرعي، ولكن حكومته لم تنل الثقة من البرلمان، فكيف يُفوَّض وزراؤها بمباشرة أعمالهم؟". وأضاف أن "المجلس الرئاسي وقراراته غير دستورية"، مطالباً البرلمان بـ"التصدّي للأمر بقوة".

في هذا السياق، يشير مستشار اللجنة الدستورية والتشريعية في برلمان طبرق، بهاء بوشمة، إلى أن "اللجنة ستدعم الحكومة بطعن هي الأخرى، لتبيان مخالفة المجلس الرئاسي للإعلان الدستوري، بل والاتفاق السياسي، الذي يعمل بموجبه المجلس الرئاسي". ويلفت إلى أن "نواباً بالبرلمان تقدموا بمذكرة، منذ أيام، تطالب رئاسة البرلمان بعقد جلسة لسحب الثقة من المجلس الرئاسي، على خلفية استمراره في تجاوزاته".

وفي حال تمكن برلمان طبرق وحكومته من انتزاع حكم قضائي، وخصوصاً أن محكمة البيضاء واقعة ضمن المناطق الخاضعة لسيطرته، فسيعود مشهد صراع الشرعيات مجدداً، بعد ستة أشهر من توقيع اتفاق سياسي في الصخيرات المغربية بين أطراف الصراع في البلاد. 
مع العلم أن المبعوث الأممي إلى ليبيا، مارتن كوبلر، كان قد أوضح، أمس الخميس، لوكالة "الأناضول"، أن "دخول المجلس الرئاسي الليبي، إلى العاصمة طرابلس، يُعدّ تتويجاً تاريخياً للحوار السياسي في البلاد، لكن هذا غير كافٍ، فهناك مأزق سياسي في الشرق يجب معالجته". ورأى كوبلر أن "المشكلة السياسية الجارية شرق البلاد، متعلقة ببرلمان طبرق، الذي يجب أن يمنح الثقة لحكومة الوفاق ليعطيها شرعية العمل والتحرك ضمن المهام المنوطة بها".
في المقابل، يُشكّك الخبير القانوني، سالم الشعافي، بقدرة أي حكم من القضاء في تغيير المشهد وإرجاعه إلى الوراء، معتبراً في حديث لــ"العربي الجديد" أن "تقديم طعون من قبل اللجنة الدستورية، يجب أن يكون بموافقة أغلبية النواب، إذ إن قانون البرلمان الداخلي يمنع رئاسة المجلس بالتفرّد بمثل هذا الإجراء". ويتابع الشعافي: "إن المجلس الرئاسي لا يزال يعتمد على ولاء أكثر من 100 نائب ببرلمان طبرق". ويلفت إلى أن المجلس استند في قرار تفويض وزرائه بالعمل إلى الثقة الممنوحة له من هؤلاء النواب.

ويذهب المحلل أبعد من ذلك، معتبراً "برلمان طبرق وحكومته، انتهيا داخلياً وخارجياً، فالجميع اتجه للتعامل مع السراج". ووفقاً للشعافي فإن "المجتمع الدولي لا يزال يولي بعض الأهمية للواء خليفة حفتر، فقط لأنه يمتلك قوة عسكرية فرضت نفسها في أجزاء واسعة من شرق ليبيا". ويدلل الشعافي كلامه بالقول "لقد تغيّر الموقف الإيطالي أخيراً، حين دعت روما لإيجاد مكان لحفتر خلال المرحلة المقبلة. لكن إيطاليا وغيرها من الدول العظمى، ما عادت تهتم ببرلمان طبرق، وأعلنت ذلك بفرض عقوبات على رئيسه عقيلة صالح".

من جانبه، يعرب الباحث في الشأن الليبي، فايز بوجبيرة، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن مخاوفه من "تزايد الفوضى السياسية على خلفية إصرار البرلمان عدم منحه الثقة للحكومة، والاتجاه لاستثمار أحكام القضاء. وهو اتجاه جديد، ينذر بخطر تقسيم مؤسسة القضاء كما هو الحال أخيراً، في البنك المركزي ومؤسسة النفط".

ويضيف بوجبيرة أن "القلق يزداد إزاء موقف الغرب المثير، الذي يدعم حكومة فائز السراج، ولا يعترف إلا بها، ولم يعلن في المقابل بشكل صريح سحب الشرعية عن برلمان طبرق الذي لا يزال رئيسه يُستقبل في أكثر من عاصمة حول العالم". ويرى أن "الأمم المتحدة فشلت في معالجة الأزمة، وقادها الفشل إلى إعادة إنتاج المشهد السابق بصيغة جديدة". ويتابع: "إن حكومة برلمان طبرق تسعى لإثبات فعاليتها ومكانها، من خلال توفير السيولة والمواد الغذائية للمواطنين، في المقابل خرجت احتجاجات شعبية في طرابلس تطالب السراج بسرعة حلّ مشكلة نقص السيولة".

في المقابل، يتفق الشعافي وبوجبيرة حول إمكانية سعي حكومة برلمان طبرق لفرض وجودها بسلطة الأمر الواقع، وإن لم يسحب منها المجتمع الدولي الشرعية، في ظل استمرار مساندة قوات حفتر لها. مع العلم أن السراج تمكن من الحصول على اعتراف عربي بحكومته، إثر مشاركته في اجتماع تشاوري عقدته الجامعة العربية، قبل أيام، كما أعربت الجامعة العربية في اجتماع على مستوى وزراء خارجية العرب، عن دعمها حكومة السرّاج بصفتها "الحكومة الشرعية الوحيدة في ليبيا". وجاء المكسب الجديد للسراج بعد اعتراف دولي واسع بوصوله لطرابلس وقراره تفويض وزراء حكومته بمباشرة أعمالهم، وفقاً لمقررات قمة فيينا الشهر الماضي.
المساهمون