لماذا يستخفّ الإسلاميون بجمهورهم؟

لماذا يستخفّ الإسلاميون بجمهورهم؟

06 اغسطس 2019
+ الخط -
"من خدعنا بالله انخدعنا له".. لا هي آية ولا حديث، لكنها شعارٌ أكثر فعاليةً بين الإسلاميين اليوم، إذا أردت أن تخدعهم، بمزاجهم، أو رغماً عنهم، فإليك عدة الشغل، إلبس لحيتك، وقسّم العالم من حولك إلى مؤمنين وكفار، قف في صف المؤمنين، واخترع كفاراً في الجانب الآخر، ولو كانوا مؤمنين ومسلمين أكثر منك. دافع عن الإسلام من مكر الكفار الذين اخترعتهم، وإن لم يكن ثمّة مكر فاخترعه هو الآخر. استدع كل الآيات التي نزلت في كفار وأسقطها على مسلمين لا يمتهنون إسلامهم، ويحولونه إلى وسيلة لخداع الناس أو التحقق على حساب الحقيقة. تعلم كيف تبدو طيباً مسكيناً مظلوماً منافحاً عن الحق، وأكثر من ذكر المتناقضات، إسلام وكفر، وحق وباطل، وإيمان وإلحاد. لن يسألك أحد من جمهورك عما تقول. اختر لهم من التوصيفات ما تشاء، قل إن ما تقوله كلام شرعيٌّ وسيرددون وراءك. قل إنه كلام علمي، وسوف تجد آلافاً ممن لم يمرّوا على العلم يوماً يقسمون بكل ما يُقسم به أنه كلام علمي صاف. قل إنه ذهبٌ في صورة كلام، وحيٌ يتنزّل عليك. قل أي شيء، وسوف يردّدون أي شيء، فالله من وراء الهتاف!
على منصّات الإسلاميين في ميداني رابعة العدوية والنهضة في القاهرة، سمعنا كلاماً عجيباً. وعلى الرغم من ذلك، كان الهتاف لأصحابه يحرّك الصخر. أمسك أحدهم بالميكروفون، وقال: يا جماعة، إعلام الفلول استسلم.. كرّرها، هتف الواقفون، آلاف يهتفون، ملايين، على ماذا؟ إلى الآن، لا أحد يعرف. ما معنى أن إعلام الفلول استسلم؟ ما معنى أن قناة في مدينة الإنتاج الإعلامي في حي 6 أكتوبر تستسلم أمام تظاهرة في الجيزة. إعلام الفلول باق ويتمدّد مثل "داعش"، يمارس دوره التخريبي إلى اليوم. ولكن من يعبأ بالحقيقة أمام ملايين الأصوات؟ الحقيقة في هذه اللحظة صنعتها حناجر من هتفوا، فيم هتفوا، لماذا هتفوا، لا يهم!
مواقف كثيرة شهدتها منصات الإسلاميين تشبه الموقف السابق. المنصّة نفسها، في اليوم نفسه، أعلنت مقتل بشار الأسد، وسجد الناس فرحاً. ثم أعلنت بعدها بثانية عن هربه، فهتفوا فرحاً. فرحوا بالقتل والهرب في آن واحد. الدين تحوّل إلى أيديولوجيا. الإيمان تحول إلى حزب سياسي. العقائد تحولت إلى بطاقات انتخابية. غابت المعرفة، فغاب العقل. حضر التشجيع، فحضر الهتاف. تحول صاحب الدين من معلم يقف أمام طلابه إلى لاعب كرة، أهلي وزمالك، برشلونة وريال مدريد، مشجعين، وروابط أولتراس، وهيصة، لا يحتاج الأمر لأكثر من أن تلعب في فريقنا لنشجعك!
في الأزمة التي اختلقها أخيراً إياد قنيبي وفريقه حول برنامج الدحيح، قال الرجل كلاماً فارغاً كثيراً.. نظرية التطوّر سقطت، الله أكبر، أثبتنا بردود مفحمة، بارك الله في الفحم، أغلب علماء الغرب ضد النظرية، بارك الله في علماء الغرب. الكلام في شقه المعلوماتي غير صحيح، وعلى الرغم من ذلك، سمّاه كلاماً علمياً، فردّد من ورائه الأولتراس، ادّعى أن أحداً لم يرد عليه، فكرّروا ادعاءاته. بدا يدافع عن الإسلام أمام من يمكرون به، فوجد من يصدّقه. خرج ليحيّي جماهيره في فيديو، مؤكداً أنه ومن يشجعونه على الحق، والآخرين على الباطل. ليس في كلام الرجل كلمة واحدة علمية، كما أشارت ردود كثيرة، أبرزها ردّ الباحثة نهى خالد، فنّدت كل مزاعمه، انتظرت منه رداً، لكن الرجل ظهر في فيديو، وقال إنه لن يردّ احتراماً لوقته ووقت جماهيره!
الأخطر من معركة متخيلة بين مؤمن متخيل وكافر متخيل، أن منطق التشجيع نفسه يحدُث في معارك حقيقية، يترتب عليها تصديق المشجعين، على اللاشيء، ثم دفعهم إلى حياتهم من بعد، ثمناً لتصديقهم، حيوات الآلاف من الشباب في مصر وسورية وغيرهما، دفعت، لا في سبيل الله، بل في سبيل اللاشيء، ولم يزل المتسببون في إهدار كل هذه الدماء ينعمون بتأييد أحياء آخرين ينتظرون دورهم، فمتى يتوقف الكذابون عن خداع الشباب بالله، ومتى يتوقف الشباب عن الانخداع لهم؟
3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
محمد طلبة رضوان
محمد طلبة رضوان