لماذا يتسوّلون؟

25 مايو 2018
هل اختارت التسول بملء إرادتها؟ (لاسيو سيريتيزي/ Getty)
+ الخط -
كثيرة هي النكات التي أطلقت في لبنان، قبل أيام، حول متسوّلة ماتت وتبيّن أنّ لها حساباً مصرفياً بأكثر من مليون دولار أميركي. تدرّج الأمر من الحسد، ومرّ باتهام جميع المتسوّلين بأنّهم يملكون الكثير من المال، وصولاً إلى السخرية التي طاولت الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل مباشر، أو غير مباشر عبر تكريس صورة نمطية للمتسوّل على أنّه من الأشخاص ذوي الإعاقة، وذلك عندما مثّل بعضهم هذا الدور باستخدام عكاز أو كرسي متحرك، وغير ذلك من اتهامات.

وسط هذا الكمّ الهائل من العنف الذي اتخذ اتجاهات عديدة لا يتمحور السؤال هنا حول تلك المرأة وما تركت من مال، بل حول الظروف التي دفعتها للتسوّل، وعدم قدرتها بعدها بالرغم مما (يمكن أن تكون) حصلت عليه طوال تلك السنوات، من الفكاك من هذا "العالم" الذي ألفته واعتبرته حدوداً لحياتها، كحالنا جميعاً في مهن طبعتنا مهما كانت. فهل التسوّل مهنة مثل كلّ المهن؟ هل سأل الساخرون أنفسهم إن كانوا قادرين فعلاً على اتخاذها مصدر رزق؟ هل قالوا لمعلمتهم في الابتدائي الخامس عندما سألتهم عن مهنهم المستقبلية إنّهم يريدون التسوّل؟
يأتي العنف السلطوي - الاجتماعي بأعلى درجاته تجاه المتسوّلين، فهو ينفي عنهم صفة الفقر المدقع أولاً وأخيراً، ويغيّب هذا العنف واقع أنّ المتسوّل مجبر على التسوّل، ولم يختر في الغالب هذا النشاط كمهنة.

يبدو أنّ اتهام المتسوّلين بجمع المال على حساب الناس، ما هو إلاّ تبرئة للمسبب الرئيسي في تسوّلهم وفي إفقار الناس على حدّ سواء وهو تحالف مقاطعجي- مليشياوي- ديني يسيطر على مشروع الدولة الذي يعيش في ظلّ قوانينه اللبنانيون.

وبينما يفترض بتلك "الدولة" أن ترعى مواطنيها، ولا تتركهم ضحية للتسوّل مهما كان وضعهم، فإنّ أحداً لا يجبر المواطن على تقديم ماله لمتسوّلين يعتبرهم غير جديرين بالمال. وبدلاً من أن يحسد المواطن ما يملكه متسوّل ما ويعممه على كلّ المتسوّلين في أسوأ تمييز يطاول أفقر الفقراء، فليسأل، ونحن ما زلنا في أجواء انتخابات نيابية وتشكيل حكومة: من يأخذ ماله حقيقة؟ ومن يمنع عنه الفرص الوظيفية التي يمكن أن توفر له مردود استثماره العلمي؟ أليست تلك السلطة القائمة على ذلك التحالف؟




الأسوأ أنّ السلطة لا تتسوّل من المواطن ما يملك، بل تسرقه سرقة وتتسلط عليه لتتركه فريسة لحالة من حالات أوردها فريد شوقي في مرافعته الختامية في فيلم المتسوّلون في الأرض (1985، إخراج أحمد يحيى، بطولة فريد شوقي) فإمّا أن يسرق أو يرتشي أو يتسوّل.

لكن، هناك حالة رابعة في حالة لبنان، هي أن يُترك كلّ مواطن في حاجة مستمرة إلى زعيم طائفته، بانتظار بركاته التي لا تغني ولا تسمن، لكنّها تبقيه وقوداً طائفياً جاهزاً تحت الطلب، بانتظار تظاهرة من هنا، وتحرك من هناك، وانتخابات بينهما.
المساهمون